أولًا: نموذج هيلدا تابا Hilda Taba[1]
هيلدا تابا هي تلميذة تايلور لاحظت أنه سار بنموذجه من الأعلى إلى الأسفل فقدمت نموذجها الخطي أيضاً والذي يجيب عن ذات الأسئلة التي طرحها تايلور إلا أنها رأت أن أي النموذج يجب أن يبدأ من الأسفل إلى الأعلى كما كانت تركز على بناء المنهج على أساس الانتقال من الجزء إلى الكل أو من المثال إلى القاعدة لذلك صمتت منهاجا مكونا من خمس خطوات هي:
- قيام المعلم بتصميم وحدات تعلمية لصف أو لمادة معينة.
- تدريس الوحدات المختارة لاختبار صدقها وإمكانية تدريسها.
- تنقيح الوحدات ودمجها لتوافق حاجات الطلاب.
- تكوين إطار عام للمنهج للتأكد من تتابع المحتوى وكفايته.
- اعتماد الوحدات الجديدة ونشرها من أجل أن توضع الوحدات موضع التنفيذ.
في نطاق الخطوة الأولى وهي تصميم المعلمين للوحدات التعلمية التعليمية يقوم المعلم بما يأتي:
- تشخيص حاجات الطلاب.
- صياغة الأهداف.
- اختيار المحتوى.
- تنظيم المحتوى.
- اختيار خبرات التعلم.
- تنظيم خبرات التعلم.
- التقويم والمراجعة.
يتضح من الشكل السابق أن تابا أرادت أن تبين العلاقة التي تربط بين الحاجات والأهداف لأن هذه الحاجات والسلوكيات المراد تغييرها إنما تمثل المصادر التي تعتمد عليها بقية العناصر التي تشتق منها الأهداف في النموذج.
ويضيف طلافحة قوله: “أوضحت تابا نقطتين هامتين في مجال تخطيط المنهج وتطويره : الأولى اختيار الخبرات والثانية تنظيم الخبرات، بمعنى أن الخبرة ووجودها في حياة الطالب من الأهمية التي تحول المنهج إلى عدم الاقتصار على الحصول على المعرفة الموجودة في الكتب بل البحث عنها من خلال مواقف الحياة التي يمرون بها داخل المدرسة وخارج المدرسة”.
كما بينت تابا أهمية اشتراك المعلم في عمليات تطوير المنهج وتخطيطه وتقويمه وتنفيذه وذلك بحسب ما ذكره الطلافحة عن Tanner&Tanner, 1980. (الطلافحة ،٢٠١٣، ص٢٣٣).
انتقلت في تصميم المنهج من الجزء للكل فبدأت بتصميم الوحدة وتجريبها ومن ثم تطويرها واعتمادها وهو الذي يمكن أن يساعد على أن يكون هناك مجال للتركيز والجودة في العمل بشكل كبير، إلا أنه أيضًا يستهلك مدة زمنية طويلة للانتهاء من منهج كامل.
ينعكس فتح مجال المشاركة للمعلمين في إعداد الوحدات التدريسية بشكل إيجابي على تقبلهم للتغير في المنهج ودفاعهم عنه ومحاولة إنجاحه.
أما من حيث ما قدم من نقد على النموذج وفي ضوء ما ذكر في كل من (الكسباني ،٢٠١٠) و(الطلافحة، ٢٠١٣) و(فرج، ٢٠٠٧) و(سعادة، وإبراهيم، ٢٠١٤):
- النموذج خطي يسير فلا ارتباط بين العناصر وبالتالي لم يعالج نموذج تايلور في هذا الجانب.
- نموذج تخطيط يخدم المستوى العام للتخطيط لا المستوى التدريسي ولذلك لم يتناول عمليات التنفيذ والتغذية الراجعة بين مختلف العناصر.
- التقويم خطوة نهائية ترتبط بتنظيم الخبرات فقط.
- الأسس تتمثل بالحاجات فقط.
- عدم وجود استمرارية بين عناصر المنهج ومكوناته.
وكما ذكرنا سابقًا أن تقسيم المنهج إلى وحدات في تصميمه ومن ثم تجريبه؛ وتطويره على أساس ذلك، قد يستغرق فترة زمنية أطول. وكذا الاستعانة بالمعلمين في إعداد الوحدات، فكما أنه هناك جانب إيجابي للاستعانة بهم في تطوير الوحدات إلا أنه يحتاج فترة أو مدة زمنية لتهيئتهم لهذا العمل.
ثانيًا: تحليل الانتقادات التي وجهت لنموذج هيلدا تابا في مقال اليونسكو٢٠٠٣
في المجلد الثالث والثلاثون من مجلة آفاق (اليونسكو، المكتب الدولي للتربية، ٢٠٠٣) كتب إدغار كرول موضوع بعنوان “هيلدا تابا 1967-1902″، ظهر المقال في عشر صفحات تحدث في في بدايته عن نشأة هيلدا طابا وطفولتها وتعليمها كطفلة استونية، من ثم سفرها للدراسة في أمريكا وعودتها للمنافسة على منصب الأستاذية في التربية بجامعة تارتو عام ١٩٣١، والذي لم تستطع الحصول عليه، ثم عودتها مرة أخرى إلى أمريكا ومزاولتها للتعليم والتقائها بالصدفة مع من أصبح معلمها مستقبلًا العالم تايلر. كما تعرض المقال لمحطات مختلفة من حياة هيلدا طابا والعوامل التي أثرت بها والعلماء الذين تأثرت بهم وكفاحها إلى أن وصلت لما وصلت إليه من شهرة وعالمية في مجال التربية والتعليم عمومًا والمناهج والتدريس خصوصًا حيث نموذجها المعروف في تصميم نماذج المنهج ونموذجها التدريسي القائم على الاستقراء.
وسنتناول فيما يلي بعضًا من الأفكار النقدية التي وجهتها المقالة لهيلدا تابا:
أولى النقاط التي تحدث عنها المقال هي أنه وبالرغم من أن هيلدا تابا استونية الأصل إلا أن انتشارها في العالم بأسره لم يبدأ من بلدها الأصل، بل على العكس من ذلك، وصل إليهم علمها بعد أن ذاع صيتها من أمريكا إلى مختلف العالم. فلم تصل أفكارها إلى استونيا إلا مع نهاية الثمانينيات.
وعاد وأكد كاتب المقال على ذات المغزى في الخاتمة بقوله “هناك قول مأثور مفاده أن النبي لا شرف له في أرضه، هيلدا تابا ليست استثناءً، ولم تبدأ إلا بعد عشرين عامًا من وفاتها في أن تصبح معروفة ومعترف بها كمعلمة بارزة في وطنها الأم. ازدهرت موهبة هيلدا تابا التعليمية في الولايات المتحدة، حيث تعتبر بالتأكيد معلمة أمريكية بارزة. ولايوجد سوى مقال واحد معروف-الاتجاهات الحاكمة في التعليم الأمريكي- (تابا،١٩٣١) نُشر في المجلة الإستونية للتعليم كاسفاتوس في عام ١٩٣١. منذ ذلك الحين، ظلت هيلدا تابا غير معروفة عملياً للمعلمين الإستونيين لعقود عديدة.”
هناك عدة أمور قد تكون تسببت في ذلك؛ منها أن هيلدا تابا كانت تعيش حياة قاسية نوعًا ما في بلدها ربما حتى من جانب نظرتهم الخاصة بالمرأة ودورها الأساسي الذي يفترض بها القيام به، كذلك ما واجهته من عدم فوزها في المنافسة على منصب الأستاذية بالتربية في جامعة تارتو عام ١٩٣١ وهو ما ذكره المقال بالفعل وتأثير ذلك المحبط عليها خصوصًا وهي الحاصلة على درجة الدكتوراه في الفلسفة التربوية من جامعة كولومبيا الأمريكية وأطروحتها المعنونة بـ”ديناميات التعليم: منهجية الفكر التربوي التقدمي (١٩٣٢) وإن كان تاريخ التقدم للمنافسة على المنصب الذي ذكرته المقالة سابق لتاريخ الأطروحة والذي ذكره نفس المقال.
ثم يتحدث المقال عن دور الصدفة في ظهور هيلدا تابا وشهرتها. إلا أن ذلك لا يمنع من أن تابا كانت تتمتع بالعديد من المزايا التي ساعدتها على ذلك وأنه إذا كانت الصدفة قد لعبت دورًا معها فهي لم تعدو عن كونها ساعدتها في أخذ نصيبها الذي تستحقه من الدعم والتقدير؛ فقد كانت لديها رغبة كبيرة في النجاح بالإضافة لتميزها بالنشاط والذكاء والعمل الدؤوب، وهو ما نوه به المقال بالفعل عندما ذكر صفات هيلدا تابا كشخص من مقال إليزابيث إتش برادي التذكارية (١٩٩٢). فقد كتبت برادي، وهي واحدة من أقرب زملاء تابا خلال مشاريع التعلم بين المجموعات، كتبت: “كانت تابا نشطة للغاية، ومتحمسة، ويبدو أنها لا تعرف الكلل. عاشت الحياة بوتيرة أدت أحيانًا إلى سوء الفهم وغالبًا ما أرهقت الأصدقاء والموظفين. كانت صغيرة القامة، مرحة الأخلاق واللباس، وكانت عازمة دائمًا على الشيء التالي”.
وتظهر رغبة هيلدا تابا في النجاح وشغفها بالعلم في عملها كمعلمة للصغار بجانب دراستها في جامعة تارتو، كما أن حبها للتعليم والتعلم والفلسفة قد دفعها إلى تحويل مجال دراستها من الاقتصاد رغم قبول الجامعة لها في هذه الكلية؛ إلى كلية الفلسفة حيث تخصصت في التاريخ والتعليم؛ وهو ما دعا ماريا راود سيب، الطالبة التي دربتها أثناء دراستها الجامعية في تارتو، لتخليد تفاني هيلدا تابا وهذا الجانب من شخصيها في أطروحتها.
أما عن الأفكار التي تأثرت بها هيلدا تابا والعلماء والمفكرين الذين عاصرتهم وأخذت منهم وتأثرت بهم، ذكر المقال أن من العوامل التي لعبت بلا شك دورًا رئيسيًا في تكوين أفكار تابا، التصادم بين التقاليد التعليمية الألمانية والأمريكية التي واجهتها في دراستها في علم أصول التدريس. على سبيل المثال، كان للإعداد التعليمي الجامعي الذي تلقته في جامعة تارتو ميل قوي نحو التدريس الألماني والفلسفة التربوية المثالية. ومع ذلك فقد تأثرت دراساتها العليا في الولايات المتحدة بشدة بأفكار التعليم التقدمي، التي حظيت بإعجابها وأصبحت حجر الزاوية في تفكيرها التربوي.
ويتعرض المقال للعلماء الذين التقتهم تابا حيث قال: “التقت تابا العديد من العلماء المشهورين عالميًا خلال سنوات دراستها في جامعة كولومبيا بأمريكا؛ من بينهم عالم النفس ثورندايك، والمعلم والمؤرخ بي مونرو، وعالم الاجتماع جي سي غونتس، وسي واشبورن. إلا أن الشخص الأكثر تأثيرًا على تفكير هيلدا تابا التربوي هو جون ديوي وهو فيلسوف ومعلم ذائع الصيت عالميًا وخصوصًا في الفلسفة البراغماتية، وأحد المبادرين للحركة التعليمية التقدمية التي حضرت تابا محاضراتها، ودرست كتاباتها بعناية.
حيث نرى بالفعل تأثر تابا في نموذجها بجميع من أوردهم المقال، يظهر ذلك مثلًا في حرص تابا على تحليل احتياجات الطلاب وهي من الفلسفة البراغماتية، كما يظهر تأثير ثورندايك في الأهداف عند تابا والتي وإن قامت بتصنيفها إلا أنها سلوكية كما تركز على المعرفة.
ثم تطرق المقال للمرحلة الجديدة من حياة تابا وهي المرحلة العملية المهنية بعد إتمامها لدرجة الدكتوراه ومحاولتها العمل في بلدها الأصل استونيا كأستاذة جامعية عن طريق منافستها على مقعد أستاذ التربية كما ذُكر سابقًا وفشلها في ذلك؛ وهو ما دعاها للعودة إلى أمريكا مرة أخرى للعمل فيها، حيث عملت في مدرسة دالتون، وقد أتاح لها هذا العمل فرصة الالتقاء برالف تايلر الذي كان رئيس فريق التقييم الميداني للدراسة؛ والذي أضافها لفريقه بعد ما لاحظه عليها من تفانيها في البحث العلمي وفهمها العميق للعمليات التعليمية. وأصبحت جزء من فريق التقييم في جامعة أوهايو كمنسق لمنهج الدراسات الاجتماعية في عام ١٩٣٩، وعندما تم نقل طاقم التقييم إلى جامعة شيكاغو، أصبحت تابا مديرة معمل المناهج، الذي كانت ترأسه حتى عام ١٩٤٥.
وبحلول منتصف الأربعينات من القرن الماضي، أصبحت تابا معترفا بها على نطاق واسع في تصميم وإدارة العديد من المشاريع البحثية التي تركز على موضوعين رئيسيين: التعلم بين المجموعات (١٩٤٥-١٩٥١)؛ وإعادة تنظيم وتطوير مناهج الدراسات الاجتماعية في كاليفورنيا (١٩٥١-١٩٦٧). كما عملت مستشارة للعديد من المؤسسات المحلية والمناطق التعليمية، وشاركت في ندوات اليونسكو في باريس والبرازيل.
تطرق المقال أيضًا إلى العوامل التي أدت إلى ظهور التعليم بين مجموعات في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ذكر أن إعادة تنظيم الصناعة الأمريكية لتلبية احتياجات الحرب كان له دور في هجرة كبيرة للعمال من المناطق الريفية إلى المدن؛ وهو ما تسبب في حدوث تغيرات كبيرة في أسلوب حياة الناس وفي تكوين أحيائهم، وساهمت هذه التغييرات في زيادة التوتر. فوقعت أعمال شغب خطيرة للغاية بين الأعراق في ديترويت. وتم إنشاء أكثر من ٤٠٠ منظمة عامة في الولايات المتحدة استجابة لهذه الأحداث. كل هذه العوامل دفعت مجموعة تابا للتقدم إلى المجلس الأمريكي للتعليم بأحد المقترحات العديدة التي تهدف إلى التحقيق في إمكانية زيادة مستوى التسامح بين الطلاب من خلفيات عرقية وثقافية مختلفة، والذي تم قبوله وإطلاقه في مدينة نيويورك عام ١٩٤٥، وتولت إدارته تابا، وقد نجح المشروع في تحقيق أهدافه مما دعا المسؤولين إلى إنشاء مركز التعليم بين المجموعات في جامعة شيكاغو وبرئاسة هيلدا تابا أيضًا.
بدأت الدراسة بتحقيق شامل عن الأسباب الاجتماعية والنفسية التي تسببت في حدوث مثل هذ النوع من التوترات بين الجماعات، وانتهت بالموافقة على المناهج المدرسية لتعليم التسامح بين مجموعات الطلاب. ركزت هذه المناهج على أربعة محاور رئيسية تتعلق بالحياة الاجتماعية ثبت أنها أساسي في تكوين الصور النمطية والتحيزات: (١) الاختلافات في أسلوب الحياة الأسرية. (٢) الاختلافات في أنماط حياة المجتمعات. (٣) الجهل بالثقافة الأمريكية. (٤) تنمية العلاقات السلمية بين الأفراد. ومن أجل تعزيز المعرفة والفهم والمواقف بشكل أفضل في مجالات الحياة هذه؛ تم تطوير برامج التعليم الخاص، على سبيل المثال: يهدف برنامج التعليم بين المجموعات إلى تنمية العلاقات الشخصية عن طريق تعليم الأطفال كيفية التعامل مع النزاعات دون اللجوء إلى العنف.
نجد أن البرنامج بالإضافة الى الأهداف التي سعى لتحقيقها فإنه أيضًا أصبح رائدا للتعليم بين الثقافات أو المجتمعات متعددة الثقافات. وهنا يذكر المقال “أنه من الصعب الاختلاف مع تعليق إليزابيث إتش برادي (١٩٩٢) بأن إحدى مساهمات تابا الرئيسية كانت إدراك أن العلوم الاجتماعية يمكن أن توفر أساسًا قويًا للتعليم، مع علم الاجتماع، وعلم التربية الاجتماعية والأنثروبولوجيا الثقافية، وعلى وجه الخصوص إلقاء الضوء على القضايا في تعليم العلاقات الإنسانية”.
ننتقل مع المقال إلى الفترة الثانية والأخيرة كما ذكرها من مسيرة هيلدا تابا العلمية المستقلة في عام ١٩٥١، وتحدث فيها عن قبولها لطلب إعادة تنظيم وتطوير مناهج الدراسات الاجتماعية في مقاطعة كونترا كوستا، في خليج سان فرانسسكو. في نفس الوقت الذي أصبحت فيه أستاذة تعليم في جامعة ولاية سان فرانسسكو. وهي الفترة التي اكتسبت فيها تابا كما يذكر المقال خبرتها اعترافًا دوليًا، في مجالات تصميم المناهج والتعليم بين المجموعات وتطوير العمليات المعرفية. وذلك عندما وصفت ماري دوركين منسقة مناهج الدراسات الاجتماعية السابقة في المقاطعة. ووردت المقالة مقولتها وهي” لقد كانت مصادفة محظوظة أن انضمت الدكتورة هيلدا تابا إلى طاقم ولاية سان فرانسسكو في نفس الوقت الذي كانت فيه مديرة المناهج في إدارة التعليم بمقاطعة كونترا كوستا في كاليفورنيا تبحث عن استشاري كان أسلوب تفكيره متوافقًا مع فريق العمل لكتابة دليل مدرس الدراسات الاجتماعية.”
حيث منح مجلس التعليم في مقاطعة كونترا كوستا تابا متسعًا من الوقت من خلال عدم تحديد موعد نهائي للأدلة. قضت سبع سنوات في دراستين عن تفكير الأطفال والمرشدات. تضمنت العملية مؤتمرات مع مختصين في المحتوى، وورش عمل أثناء الخدمة، وكتابة واختبار المحتوى وإعادة كتابة الأدلة.
كما نقلت المقالة رؤية تابا للمشكلات المرتبطة بمنهج الدراسات الاجتماعية وأسباب اختيار استراتيجية معينة بهذه الطريقة:
تم تحليل المشكلات التي تطلبت تغييرًا في المناهج الدراسية وطريقة إجراء هذا التغيير، تم إجراؤها من قبل طاقم المناهج بالمقاطعة بالتعاون مع مديري المدارس. اقترح هذا التحليل أن الجهود المعتادة في المعاهد، والمحاضرات، والحضور إلى الفصول الجامعية لم ينتج عنها على مدى سنوات الكثير من التحسين في المناهج الدراسية ولا تبدو واعدة لإجراء تغييرات في هيكل المناهج الدراسية. علاوة على ذلك، ونظرًا لأن المقاطعة كانوا مسؤولين عن تطوير أدلة ووحدات المناهج الدراسية، فقد مال المعلمون في مختلف المناطق إلى اعتبار المقاطعة سلطوية وكان من الصعب إطلاق مبادرتهم لتحسين المناهج الدراسية لهذه الأسباب.
لذلك كانت بداية الدراسة معنية إلى حد كبير بتحديد وتحليل مشاكل المعلمين في مجال الدراسات الاجتماعية. طُلب من المعلمين، بعد أن حددوا عدم التطابق في المناهج التي كانوا يستخدمونها مع توقعاتهم، ومن ثم تطوير وحدات دراسية/التعلم الخاص بهم. وبما أن خبرة المعلمين لم تكن كافية لتطوير المناهج، فقد تم تنظيم ندوات وجلسات استشارية. قدم أعضاء الفريق في المقام الأول هذا النوع من التدريب أثناء الخدمة للمعلمين المتعاونين. وفي وقت لاحق، تم تولي الوظيفة تدريجًا من قبل موظفي المقاطعة حيث زادت خبراتهم من خلال التدريب الذي تم تنظيمه خصيصًا لهم وللمعلمين الذين طوروا الجديد. وقامت وحدات التدريس -التعلم- أولًا بفحصها في الممارسة المدرسية. ثم أخضعوها لمراجعة نقدية وتمت تجربتها مرة أخرى، ولكن هذه المرة من قبل عدد أكبر من المعلمين. تم تطبيق هذا الإجراء عدة مرات، حتى يتم تحقيق النتائج التي تلبي احتياجات المعلمين في المدارس المختلفة، عادة يتضمن المنهج المدرسي للصف بأكمله من خمس إلى ثمان وحدات.
من هنا نرى أن تطوير دليل التدريس للمعلمين كان به نوع من التفاعل الموجه حيث أن المعلمين هم من درس المناهج القديمة وأبدوا نقدهم من ثم طُورت مهارتهم في تصميم المناهج والتدريس، ومن ثم تجربتها على نطاق ضيق ومراجعتها وتطويرها، ثم تطبيقها على نطاق واسع وجمع التغذية الراجعة خلالها وتنقيحها وتطويرها مرة أخرى وكل ذلك كان بمساعدة المعلمين أنفسهم مما ساهم في تقبلهم للتطوير والتغيير على المناهج وطرق التدريس.
بينما كان تخطيط الخطوات والإجراءات العامة لتطوير المناهج كان من مسؤولية فريق بحث تابا في بداية الدراسة بحسب ما ذكره المقال. على غرار تطوير قدرات المعلم، تم تولي هذه الوظيفة تدريجًا من قبل طاقم المناهج الدراسية بالمقاطعة مع زيادة خبرتها، وبالتالي كان البرنامج يهدف إلى إعادة تثقيف جميع الموظفين وإنتاج نماذج تجريبية لتطوير المناهج والتدريس. وذلك في ضوء ما ذكرته المقالة عن هيلدا تابا.
تطرق المقال أيضًا إلى أن الغرض الرئيسي من الدراسة هو توفير نموذج مرن لتجديد المناهج الدراسية، بناء على الجهود المشتركة للمعلمين الممارسين والإداريين التربويين المسؤولين عن المناهج. من المهم الإشارة إلى أن العديد من الأفكار التي يقوم عليها نموذج تابا، مثل فكرة المنهج الحلزوني، واستراتيجيات التدريس الاستقرائي لتطوير المفاهيم والتعميمات والتطبيقات، أدى إلى تنظيم المحتوى على ثلاث مستويات: الأفكار الرئيسية، والحقائق التنظيمية، واستراتيجيتها العامة لتطوير التفكير من خلال مناهج الدراسات الاجتماعية أثرت بشكل كبير على مطوري المناهج خلال الستينات وأوائل السبعينيات. حيث تنتمي العديد من المبادئ والأفكار العامة لتصميم المناهج التي طورتها هيلدا تابا إلى أسس نظريات المناهج الحديثة، وكثيرًا ما يشير إليها مؤلفون آخرون.
وينوه المقال أنه يمكن اعتبار العديد من أفكار تابا حول تصميم المناهج بمثابة مزيد من التفصيل للمبادئ النفسية بدلًا من رالف تايلر لتطوير المناهج الدراسية: إسناد طبيعة تربوية وعملية إليها. حيث تعرض المقال لطبيعة ومعنى منطق تايلر لتصميم المناهج الدراسية في (١) ذكر الأهداف التربوية. (٢) اختيارها. (٣) اختيار وتنظيم الخبرات. (٤) تقييم تحقيق الأهداف. بينما قدمت تابا مفاهيم الأهداف التعليمية في أربع فئات مختلفة من الأهداف (المعرفة الأساسية، مهارات التفكير، المواقف والمهارات الأكاديمية). والذي سمح لهيلدا تابا بربط استراتيجيات التدريس والتعلم المحددة بكل فئة من فئات الأهداف، وربط المقال وجه شبه بين نموذج تابا ونظام Gagne1985 لمخرجات التعلم وظروف التعلم التي تشرح طرق الوصول إلى النتائج المرجوة. أيضًا سمح التصنيف المعقد للأهداف التعليمية بحسب المقال بإعطاء فكرة تايلر عن خبرات التعلم معنى أكثر تحديدًا وعمليًا من خلال النظر بشكل منفصل في اختيار وتنظيم التعليم.
وكون الشيء بالشيء يذكر نشير إلى أن هناك من يرى أن نموذج تايلر مأخوذ بالأساس من أفكار هيلدا تابا في المناهج؛ حيث ذكر (عوض، ٢٠١٨) في مقال عُرض في موقعه الإلكتروني أنه:
يكشف ويليام باينار William Pinar ، المنهّج المعاصر والمعروف شيئاً جديداً حول الظلم الكبير الذي تعرضت له هذه الأستونية المسكينة وينشر ورقة بحثية خاصة بهذا في إحدى أشهر المجلات العلمية المتخصصة في المناهج وطرق التدريس. يقول ويليام باينار أن نموذج رالف تايلر الشهير الذي انتشر عند المنهّجين وفي كتب المناهج على أن صاحبه هو رالف تايلر هو مجرد سرقة علمية ارتكبها تايلر متعمداً إخفاء المراجع في كتابه المعروف وذلك بحجّة، كما يقول تايلر في مقابلة معه في عام ١٩٩٠ ووثّقها باينار في ورقته البحثية، أنه كان في الأصل مقرراً دراسياً يقوم بتدريسه في جامعة شيكاغو “ولم يكن كتاباً” و “قد طبعته الجامعة” دون الرجوع إليه، هل يُعقل، يتساءل باينر، أن تطبع جامعة مهنية كشيكاغو “ولم يكن كتاباً” دون الرجوع للبرفسور تايلر أو أن تنشر كتاباً دون مراجع؟
يقول ويليام باينر أنه شك في مسألة أصل النموذج الذي قدمه رالف تايلر عندما كان يعدّ ورقة بإنجازاتها لتقديمها في مؤتمر في عام ٢٠١٢ حيث يعتقد باينر أن تابا نفسها، لسبب ما، هي من ساعدت في ترويج هذه الخدعة في مقدمتها للكتاب الذي أصدرته في ١٩٦٢ عندما قالت إن فكرة نموذج رالف تايلر كانت نتيجة مناقشات في لقاء معها في الثلاثينات من القرن الماضي حول الخطوات التي ينبغي اتباعها في تخطيط المنهج، أي أنها هنا، بحسب مقدمتها في الكتاب، رفعت موقفها من مجرد مراجع لنموذج تايلر إلى مشارك في تأليفه. في المقابل، لم يتفوّه تايلر بأي شيء حول هذا الأمر وتجاهل ادعاء تابا تماماً في كتابه الذي خلا من أي إشارة إلى مرجع، وبالتالي خلق الانطباع لدى القارئ أنه صاحب هذا النموذج وحده فقط.
يكشف باينر عن سوء نية رالف تايلر بالإشارة إلى مقابلة أجراها هذا الأخير في عام ١٩٨٢ تحدث فيها عن الدور الهامشي لهيلدا تابا في أعماله، وأن هذا النموذج لم يكن نتاج مناقشة مع تابا ومايك جايلز ختمها تايلر بكتابة ملخص الأسئلة وتسجيلها على محرم ورقي بعد وجبة غداء ( بحسب رواية كريدل وروبرت بولو، ٢٠٠٧)، وقال، أي تايلر، إن هيلدا تابا لم تكن تعرف شيئاً في المناهج والاختبارات عندما وجدها تعمل كمعلمة للغة الألمانية في ١٩٦٣ وأنقذها من مخالفة قانون الهجرة بعد انتهاء تأشيرتها وكانت السلطات على وشك ترحليها لولا تدخّله وتعاقده معها للعمل في فريق التقويم معه حيث بدأ تايلر وقتها،١٩٣٦، في تعليمها، حسب تعبيره، حتى أصبحت بعد ذلك خبيرة في مجالها.
لكن، هل كانت هيلدا تابا لا تعرف شيئاً في المناهج أم أن تايلر نفسه لا يعرف شيئاً؟ يتساءل وليام دول ويكشف العكس تماماً.
أصدرت هيلدا تابا كتاباً في عام ١٩٣٢ عنوانه The Dynamic of Education يضم فصلًا كاملًا تحت عنوان Curriculum thinking، وقد صدر الكتاب ضمن سلسلة متميزة من الكتب لمؤلفين كبار. “من الواضح أن تايلر نفسه هو الذي لا يعرف شيئاً في المنهج” يقول باينر.
في هذا الكتاب بالذات وضعت المؤلفة المهاجرة التي لم تقابل تايلر بعد قائمة من نقاط أربع حولها تايلر بعد سبع عشر سنة إلى أربعة أسئلة. وهذه الأسئلة الأربعة كانت خطوات أربع، وليس أسئلة، ذكرتها هيلدا تابا في إصداراتها التي نشرت في الأعوام ١٩٢٦، ١٩٣٢، ١٩٤٥. كانت بحسب ما وثّقته تابا في هذه الإصدارات نتيجة جهد مشترك وليس نتاج فكر شخص واحد كما حاول تايلر إيهام قّراء كتابه بذلك وحقّق بعدها تلك الشهرة التي جعلته من كتاب الدستور الرسمي للمناهج.
إذن، ليست هيلدا تابا مؤلفة مشتركة مع تايلر في وضع هذا النموذج الشهير الذي سيطر على نظرية المنهج وما زال، بل إنها أول من ذكر هذا النموذج لكن ربما، بحسب اعتقاد كاتب هذه السطور، يتحمّل المنهج الخفي مسؤولية ذلك خاصة إذا عرفنا أن هيلدا تابا كانت مهاجرة من دولة فقيرة في أوروبا وعاشت في أمريكا التي كانت تعاني آنذاك من التمييز العنصري ضد السود والأجانب، في مثل هذه الظروف الصعبة وظروف الحاجة إلى خدمات الراعي الرسمي لها، رالف تايلر، والذي تدخّل لدى سلطات الهجرة الأمريكية لتجديد تأشيرتها والبقاء في أمريكا، لم تجد هيلدا تابا الإنصاف والاعتراف بحقوقها الأدبية التي ضاعت بين بطون كتب المنهج والتي مازالت تردد أسطوانة رالف تايلر في كتابه الذي لم يتضمن أي إشارة إلى مرجع سابق، فضلاً عن هيلدا تابا التي لم تجد كلماتها في كتابها الآنف الذكر أي صدى.
من وجهة نظر شخصية، يعتقد كاتب هذه السطور أن فلسفة السلوكية التي يعتقد بها رالف تايلور وكانت في بداية ازدهارها ذلك الوقت هي من أّثرت في الاتجاه الذي أخذه تايلر ضد الاعتراف بحق هيلدا تابا في النموذج الذي عُرف به، هذه الفلسفة تحاول السيطرة على الواقع من خلال التحكّم بالظروف الخارجية وفرض شروطهم على ضحايا بحوثهم التجريبية وعدم قبول أي تدخلات أو آراء أخرى تعترض طريقهم.
نعود إلى مقالنا الأصلي حيث يذكر محتوى واستراتيجيات التعلم. كما ذكرتها هيلدا تابا في دليل المعلم للدراسات الاجتماعية الابتدائية: “يؤدي اختيار المحتوى وتنظيمه إلى تنفيذ واحد فقط من المجالات الأربعة للأهداف-مجال المعرفة، ولا يؤدي اختيار المحتوى إلى تطوير تقنيات ومهارات التفكير أو تغير أنماط المواقف والمشاعر أو إنتاج مهارات أكاديمية واجتماعية، لا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا من خلال الطريقة التي يتم بها تخطيط تجارب التعلم وإجراءها في الفصل الدراسي، يعتمد تحقيق ثلاثة من الفئات الأربع على طبيعة خبرات التعلم وليس على المحتوى (تابا، ١٩٦٧، ص١١).
أما عن بعض أفكار تابا الفلسفية حول تطوير المناهج فقد ذكر المقال أنه هناك العديد من الأوراق الأكاديمية باللغتين الإنجليزية والإستونية التي تصف أفكار وأبحاث هيلدا تابا في مجالات تعليمية محددة، ولكن هناك عدد أقل من الكتابات حول المبادئ والمعتقدات العامة لتابا فيما يتعلق بالبحث والتعليم التي جعلت عملها فريداً ومبدعاً وأصلياً، استمرت العديد من الأفكار التي جعلت تابا مشهورة عالمياً في التطور وتدريجياً طوال حياتها المهنية. يقترح تحليل أولي، وبالتالي غير مكتمل، لتراثها العلمي أربعة مبادئ على الأقل يبدو أنها تحكم رؤيتها لنظرية المناهج وتطوير المناهج بحسب في (كرول وكروم، ١٩٩٦):
- العمليات الاجتماعية، بما في ذلك التنشئة الاجتماعية للبشر، ليست خطية، ولا يمكن نمذجتها من خلال التخطيط الخطي، بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار تعلم الشخصية وتنميتها عمليتين في اتجاه واحد لإنشاء أهداف تعليمية واشتقاق أهداف محددة من نموذج تعليمي تعلن عنه أو تتخيله بعض السلطات.
- من المرجح أن يتم إعادة ترتيب المؤسسات الاجتماعية، بما في ذلك المناهج والبرامج المدرسية، بشكل فعال إذا كان من الممكن، بدلاً من الطريقة الشائعة لإعادة التنظيم الإداري من الأعلى إلى الأسفل-استخدام نظام تطوير جيد التأسيس من الأسفل إلى الأعلى.
- إن تطوير مناهج وبرامج جديدة يكون أكثر فاعلية إذا كان قائماً على مبادئ التوجيه الديمقراطي وعلى أساس توزيع العمل على أسس سليمة. ينصب التركيز على الشراكة القائمة على الكفاءة وليس على الإدارة.
- إن تجديد المناهج والبرامج ليس جهداً قصير المدى ولكنه عملية طويلة وتستمر لسنوات.
يضيف المقال معلقًا أن مبدأ اعتبار العمليات الاجتماعية على أنها غير خطية هو الأهم، ربما يحكم جميع أعمال هيلدا تابا التعليمية، أشارت تابا بالفعل في رسالتها للدكتوراه إلى أن “الغايات والأهداف، كما هي في الحياة الواقعية، نادراً ما تقدم نفسها كوحدات بسيطة وسهلة الفهم” (١٩٣٢، ص١٤٢)، وبالتالي، “يجب النظر إلى الفعل الهادف في المقام الأول. كنتيجة لنشاط سابق وليس كوحدة مستقلة تبدأ وتنشط بسبب بعض الغايات أو الغرض الذي يطالب بالتحقيق” (١٩٣٢، ص١٤٣). بتطبيق المبدأ على تصميم المناهج، هذا يعني أنه من غير الواقعي والمستحيل وضع أهداف عامة جامدة للتعليم يمكن من خلالها اشتقاق أهداف أكثر تحديداً لخطة ملموسة.
يقترح المبدأ الثاني لكفاءة النهج التصاعدي الطريقة الأكثر ملاءمة لمساعدة الأفراد والمنظمات الاجتماعية البشرية على قبول المواقف والأفكار الجديدة والتكيف معها. يمكن تفسير وجهة نظر تابا جيداً في ضوء مفهوم دونالد شون عن “المحافظة الديناميكية” (شون، ١٩٧١)، والذي يعبر عن ميل الأفراد والمنظمات الاجتماعية إلى معارضة التغييرات النشطة التي تفسد أو تسئ إلى قناعاتهم وتفاهماتهم من خلال بناء الهياكل والآليات التي ستتداخل مع هذه التغييرات. لن تحدث التغيرات المتوقعة في الوعي الفردي أو الاجتماعي إلا إذا كان الأفراد أو الجماعات تحت ضغط لإدخال هذه التغييرات.
ويؤكد المبدأ الثالث والرابع بحسب المقال على ضرورة التوجيه الديمقراطي لتطوير المناهج والطبيعة طويلة المدى لهذه العملية، وهما مشتقان أساساً من المبدأين الأولين. تم توضيحها بوضوح في وصف منظمة تطوير مناهج الدراسات الاجتماعية المستخدمة في مقاطعة كونترا كوستا.
وأشار المقال إلا أنه ربما كانت الميزة الأكثر تميزاً في التفكير التربوي لهيلدا تابا هي قدرتها على رؤية الغابة للأشجار، مما يشير إلى قدرتها على التمييز بين الأساسي وغير الضروري أو المهم وغير المهم. لم يخدعها البريق الخارجي لفكرة ما أبداً حتى عند مواجهة الابتكارات التعليمية الأكثر تقدماً في ذلك اليوم، ودائماً ما كانت تفحصها من أجل غرضها التعليمي أو قيمتها التعليمية. الحلقة الموصوفة في المقالة التذكارية التي كتبتها AL Costa & RA Loveall ,2002)) دليل على هذا الجانب تفكير تابا، عند زيارة لجامعة أمريكية مرموقة في الستينات، تم نقلها إلى مركز كمبيوتر حيث تم استخدام جهاز كمبيوتر ضخم لتطوير واحدة من أولى آلات التدريس. كان حكمها على قيمة هذا المشروع سريعاً وخيباً للآمال إلى حد ما: “آلة بمليون دولار، فكرة عشرة سنتات”.
ثم اختتمت المقالة بما ذكرناه سابقاً من عدم شهرتها في بدلها الأصل. أصبحت العديد من أفكار تابا حول تصميم المناهج، مثل تنظيم المحتوى، وتصنيفها للأهداف التعليمية، والاستراتيجيات الاستقرائية لتشكيل المفهوم والتدريس، كلاسيكيات في علم أصول التدريس. تم تقديم نهجها الاستقرائي في التدريس كنموذج أولى في ستة إصدارات متتالية من نماذج التدريس ذكرتها المقالة عن (جويس ووسل وكالهون، ٢٠٠٠).
وأخيرًا تطرقت المقالة إلى أن شخصية هيلدا تابا ومسيرتها الأكاديمية المعجزة في الولايات المتحدة قد أثبتت بشكل مقنع ما يمكن أن ينتج عن التآزر بين روح المغامرة والموهبة والرغبة والقوية في الإنجاز والمثابرة والصناعة عندما يتم دمجها معاً في شخص واحد.
ثالثًا: تفنيد وتقويم انتقادات إدغار كرول في مقالة مجلة آفاق اليونسكو، ٢٠٠٣ من وجهة نظر شخصية
ذكرنا عددا من التعليقات والآراء الشخصية في أثناء عرض المقال وتحليله وسنحاول الآن أن نلخصها في نقاط بالترتيب حسب ما ورد من انتقادات في المقال، وتوضيحها بصورة أكبر:
- ذكر كاتب المقال أن أعمال هيلدا تابا الأستونية الأصل وشهرتها بدأت من أمريكا ولم تصل إلى أستونيا إلا في ثمانينات القرن الماضي؛ ومن المعلوم أن هيلدا تابا قد أكلمت دراساتها العليا ماجستير ودكتوراه في أمريكا في جامعة كولمبيا، فكان من الطبيعي أن تظهر أعمالها هناك على اعتبار أنها طالبة في جامعة أمريكية. كما أن لما تعرضت له تابا من اضطهاد كونها امرأة؛ وحرمانها من فرصة أن تكون أستاذ تربية في جامعة تارتو التي درست بها مرحلة البكالوريوس بعد أن أنهت درجة الدكتوراه في أمريكا وعادت إلى استونيا للمنافسة على هذا الشاغر، دور في شعورها بالإحباط والعودة مرة أخرى إلى أمريكا، والتي وإن كانت قد واجهت بها بعض الصعوبات في البداية؛ من أهمها المشاكل في تأشيرة الهجرة على اعتبارها مهاجرة استونية، إلا أنها قد احتضنتها في آخر الأمر وساعدتها على الانتشار والشهرة، بعد ترشيحها للعمل مع إدارة التقويم بقيادة تايلر، ومن ثم انتقالها للعمل مع فريق العمل بجامعة شيكاغو، وتدرجها بعد ذلك في المناصب إلى أن أصبحت مديرة للمناهج وأستاذة في جامعة شيكاغو، ومديرة مشروع تطوير المناهج للدراسات الاجتماعية في سان فرانسيسكو.
- تحول في مسار تفكير هيلدا تابا من الفلسفة المثالية التي تلقتها عن طريق تعليمها في أستونيا، إلى الفلسفة التقدمية البراغماتية في أمريكا بعد تأثرها بأفكار كل من جون ديوي، كما تأثرت أيضًا بأفكار ثورندايك، وسي واشبورن، وجي سي غونتس. وهو ما إنعكس بطبيعة الأمر على نموذجها في تصميم المنهج بالإضافة لنموذجها التدريسي، وكلا النموذجين تميز بأنه يسير بصورة استقرائية من الجزء إلى الكل، كذلك اهتمامها بتحليل الاحتياجات للطالب والمعلم، والاهتمام باختيار الخبرات وتنظيمها، وربما كان من آثار الفلسفة التقدمية عليها تصنيف الأهداف إلى أربع مستويات (المعرفة الأساسية، مهارات التفكير، المواقف والمهارات الأكاديمية). حتى تأثرها هذا بالبرجماتية أرى من وجهة نظر شخصية أنه رد فعل طبيعي للهروب من فلسفة مثالية تفرق بين أجناس البشر وبين الطبقات الاجتماعية لاسيما وأنها أتت من طبقة فقيرة وأن والدها كان يعمل مديرًا لمدرسة ابتدائية.
- مشاركة تابا في فريق عمل لبرنامج التعليم بين المجموعات والذي تقدم به فريق العمل إلى المجلس الأمريكي للتعليم والذي يهدف إلى إمكانية زيادة مستوى التسامح بين الطلاب من خلفيات عرقية وثقافية، أرى أنه جاء كنتيجة طبيعية لما هو حاصل في تلك الفترة في أمريكا من شغب نتيجة الثورة الصناعية والهجرات المستمرة. مشاركة تابا في البرنامج له جانب إنساني؛ حيث أن تابا نفسها كانت مهاجرة وقد تعرضت لمشكلات من قانون الهجرة، بالإضافة للعنصرية التي كانت سائدة في ذلك الوقت نحو السود والمهاجرين؛ فمن الطبيعي أن يلامس البرنامج شيئًا في داخل تابا لمرورها بظروف مشابهة.
- الإجراءات التي اتبعتها تابا في نموذج تطوير منهج الدراسات الاجتماعية في فرانسيسكو، عن طريق البدء من الأسفل للأعلى سواءً في توزيع المنهج إلى وحدات والبدء بالتطوير كوحدات، أو من حيث إشراك المعلمين ومديري المدارس والإداريين لتحليل المنهج القديم وطرح آراءهم حياله بصدق ومن ثم أخذ مقترحاتهم التطويرية وتدريبهم لتطوير المناهج -الوحدات الدراسية-، ثم تجريب هذه الوحدات على مستوى ضيق، وإعادة تطويرها بعد التجريب الأولي، ثم التجريب على نطاق أوسع، وتعديلها مرة أخرى، كل هذه الخطوات التي قامت بها هيلدا تابا كان لها الأثر الكبير في تغير النظرة التقليدية في تطوير المناهج، وساهم أيضًا في تغير نظرة المعلمين للإدارات التعليمية بأنها سلطوية، كما ساهم في تقبل التغيير والتطوير في المناهج والتعليم.
- كما أن من الانتقادات التي وجهت لنموذج تابا أنه خطي، بينما بالنظر إلى جميع الإجراءات التي اتخذتها تابا نلاحظ أنه نموذج تفاعلي خصوصًا في اختيار الخبرات، وطرق التدريس، كما أن ما قالته تابا وذكره المقال على أنه من المبادئ التي تحكم رؤية هيلدا تابا لنظرية المناهج وتطوير المناهج نقلًا عن كرول وكروم ، ١٩٩٦أن “العمليات الاجتماعية، بما في ذلك التنشئة الاجتماعية للبشر، ليست خطية، ولا يمكن نمذجتها من خلال التخطيط الخطي، بعبارة أخرى، لا يمكن اعتبار تعلم الشخصية وتنميتها عمليتين في اتجاه واحد لإنشاء أهداف تعليمية واشتقاق أهداف محددة من نموذج تعليمي تعلن عنه أو تتخيله بعض السلطات؛ فكيف يمكن أن يوصف نموذج تابا بالخطي في حين أن أحد مبادئها يقوم على عدم الخطية.
- أما ما ذُكر من أن نموذج هيلدا تابا هو تطوير لنموذج رالف تايلر، وبعد أن استعرضنا سابقًا مقال (العوض، ٢٠١٨) الذي ذكر فيه مبررات ويليام باينار (William Pinar, 2013)، ومن ذلك الكتاب الذي قامت تابا بنشره في عام ١٩٣٢ بعنوان “The Dynamic of Education” والذي ضم فصلًا كاملًا تحت عنوان “Curriculum thinking” والذي وضعت فيه تابا التي لم تقابل تايلر بعد قائمة من نقاط أربع والتي ظهرت عند تايلر في صورة أربعة أسئلة؛ أميل إلى الذهاب لما ذهب إليه باينار من كون أفكار تايلر قد استقاها في الأصل من هيلدا تابا خلال نقاشهم معًا في وجود مايك جايلز بعد وجبة غداء عمل.
- وأخيرًا في وجود حقيقة أن نموذج هيلدا تابا أصلي وليس تطويرًا لنموذج رالف تايلر، أو عدم صدقها، فإنه بالرغم من ذلك لا مجال لإنكار جهود هيلدا تابا وتأثير أفكارها على تغير النظر في تصميم المناهج والتدريس، وأصالة أفكارها في مجال المناهج والتدريس.
رابعًا: تصور مقترح لتطوير نموذج هيلدا تابا
في ضوء ما مر به العالم أجمع من ظروف جائحة كورونا، بما فيها المملكة العربية السعودية، وفي إطار تحقيق رؤية المملكة ٢٠٣٠؛ كان من الضروري النظر لمناهج العلوم نظرة جديدة؛ تتلاءم ومتطلبات الرؤية من جهة والتحول إلى التعلم الالكتروني والدمج فيه من جهة أخرى، ولتحقيق ذلك وبالاستعانة بنموذج هيلدا تابا في تطوير المنهج، من خلال عدد من الخطوات التي سيتم عرضها.
-
مبررات التصور المقترح:
- وجود انتقادات وجهت لنموذج هيلدا تابا في جوانب متعددة مثل: كونه نموذج خطي، أنه لا يراعي التقويم في جميع المراحل وإنما يركز على التقويم النهائي فقط، عدم تحديد مصادر اشتقاق بالإضافة إلى أنه يبدأ من المحتوى بدلًا من تحديد الأهداف، تركيزه على المعلم كمطور للمنهج.
- معالجة نواحي القصور التي تم ملاحظتها من خلال دراسة الباحثة للنموذج.
-
أهداف التصور المقترح:
- تطوير نموذج هيلدا تابا ومعالجة جوانب القصور في النموذج.
- مؤامة النموذج المطور بما يتلاءم مع متطلبات العصر وأهداف التعليم في رؤية المملكة ٢٠٣٠؛ تعليم متميز لبناء مجتمع معرفي منافس عالميًا.
-
منطلقات التصور المقترح:
- بناء أهداف تحقق أهداف التعليم في المملكة العربية السعودية، ومتوائمة مع أهداف الرؤية ٢٠٣٠ بتحقيق تعليم متميز لبناء مجتمع معرفي منافس عالميًا.
- تراعي خصائص المجتمع السعودي الثقافية، وتعزيز والقيم والمبادئ بالإضافة إلى تعزيز قيم المواطنة والهوية الوطنية.
- أن ينطلق على أساس ثابت من تعاليم الإسلام، من مصادره الأصلية القرآن والسنة النبوية.
- مراعاة الخصائص النفسية، ومراحل النمو للمتعلم.
-
مبادئ التصور المقترح:
- بناء أهداف شاملة لجميع الجوانب؛ المعرفية، والنفس حركية -المهارية-، والوجدانية.
- محتوى يحقق التكامل، والاستمرارية، والتتابع؛ بحيث تتدرج المعارف والمعلومات بشكل متسلسل ومنطقي في المنهج واتساعه في شموله لمجالات المعرفة ومستوى معالجة هذه المجالات، وربط عناصر المنهج وخلق علاقات أفقية بين الخبرات التعليمية المتنوعة، بالإضافة لتكامله مع المناهج الأخرى. وبما يحقق الأهداف العامة والخاصة للمنهج.
- تنوع الطرق التدريسية والاستراتيجيات، واستخدام الوسائل التعليمية التي تراعي جانبي الفروق الفردية للمتعلم وخصائصه العمرية وميوله واحتياجاته، والأهداف التعليمية بمستوياتها المختلفة. وبما يناسب أيضًا المحتوى المعرفي وخصائص المادة التعليمية.
- شمولية التقويم ليقيس جميع جوانب الأهداف المراد التأكد من تحققها، وتنوع وسائل التقويم بما يناسب المتعلم والمحتوى التعليمي.
- إشراك المعلمين في عملية تطوير المناهج.
-
مبررات التطوير:
- توفير مناهج تساعد على تحقيق أهداف رؤية المملكة ٢٠٣٠ وتساهم بنفس الوقت في استمرارية المناهج ومرونتها.
- توفير مناهج وطرق تدريس تتلاءم مع التعليم الإلكتروني والمدمج في مادة العلوم.
-
خطوات النموذج وآليات تنفيذ التصور المقترح:
- اختيار مجموعة من معلمي ومعلمات العلوم، ومديري ومديرات المدارس، ومشرفي ومشرفات المادة، وعدد من المسؤولين في إدارات التعليم بالمملكة.
- اخضاع الفريق لتدريب مكثف على كيفية تطوير المناهج واجراءاتها، والتي تم وضعها من قبل مختصين في المناهج وطرق التدريس بالوزارة.
- بعد الانتهاء من التدريب، وتحقيق أهدافه، يطلب من فريق العمل تحليل وحدات المنهج ومناقشة طرق تعديلها وتطويرها بما يلبي احتياجاتهم.
- تطوير الوحدات التي تم تحليلها وفقًا للاحتياجات المطلوبة. مع مراعاة وضع أهداف في أربع مستويات (المعرفة الأساسية، مهارات التفكير، المواقف والمهارات الأكاديمية).
- اختيار المحتوى وتنظيمه بناء على ثلاث مستويات: (الأفكار الرئيسية، والحقائق التنظيمية، واستراتيجيتها العامة لتطوير التفكير) وملاءمتها مع أهداف وتطلعات رؤية المملكة ٢٠٣٠ وبالاعتماد على ما تم تحليله في الخطوة السابقة.
- اختيار خبرات التعلم والأنشطة التي سيُمارسُها الطلاب وتنظيمها بما يلاءم احتياجات المعلم والمتعلم من جهة، والمحتوى وتنظيمه من جهة. وبما يحقق أهداف التعليم والتعلم في مستوياتها الأربعة (المعرفة الأساسية، مهارات التفكير، المواقف والمهارات الأكاديمية) ويتلاءم مع الإلكتروني والمدمج باستخدام التقنية مثل (المعامل الافتراضية، تقنية الهلوجرام، المحاكاة الإلكترونية، تقنية نظارات ذات الابعاد الثلاثية).
- تجربة الوحدة الدراسية على نطاق ضيق في مدارس مختارة لمعلمين غير المعلمين المشتركين في الفريق وذلك لإعطاء تغذية راجعة أولية عن المنهج.
- جمع معلومات التغذية الراجعة التي تم الحصول عليها في المرحلة السابقة-التجريب- ومن ثم إعادة تنقيح النموذج حسب ما ورد من معلومات.
- تطبيق النموذج بشكل موسع على جميع المدارس، ومتابعة تنفيذه ومن ثم جمع التغذية الراجعة عن المنهج وإعادة تطويره وتعديله.
- التقويم والمراجعة باستخدام الوسائل المتنوعة والاستعانة بالتقنية والتي ستتم بشكل متفاعل ومستمر في جميع مراحل النموذج.
المراجــع:
الكسباني، محمد، السيد، علي، ٢٠١٠، تطوير المنهج من منظور الاتجاه المعاصر، ط١، مؤسسة الحورس الدولية للنشر، الإسكندرية.
سعادة، جودت، أحمد؛ إبراهيم، عبد الله، محمد،٢٠١٤، المنهج المدرسي المعاصر، ط٧، دار الفكر ناشرون وموزعون، عمان: الأردن.
طلافحة، حامد، عبد الله ،٢٠١٣، المناهج تخطيطها تطويرها تنفيذها، ط١، الرضوان للنشر والتوزيع، عمان: الأردن.
فرج، عبد اللطيف، حسين، ٢٠٠٧، صناعة المناهج وتطويرها في ضوء النماذج، دار الثقافة للنشر والتوزيع.
عوض، خالد، ٢٠١٨، هيلدا تابا المفترى عليها: المنهج الخفي، مقالة منشورة في موقع ليس إلا، مسترد من الموقع: http://khaledalawadh.com/taba/
كرول، إدغار، ٢٠٠٣، هيلدا تابا (١٩٦٧-١٩٠٢)، آفاق اليونسكو، المكتب الدولي للتربية، مج٣٣، ص ص٩١-٤٨١، ٢٠٠٣.
[1] (طلافحة، ٢٠١٣، ص ص٢٣١-٢٣٢)