في الولايات المتحدة كما في العديد من الدول الغربية الأخرى، كثيراً ما نفكر في الأطفال كسبب للعمل الإضافي أكثر من كونهم مصادر للمساعدة. فغالبًا ما نعتقد أن محاولة حث أطفالنا على مساعدتنا في المنزل أو في أي مكان آخر سيكون مجهودًا أكبر مما يستحق. كما نميل أيضًا إلى الاعتقاد بأن الطريقة الوحيدة لإرغام الأطفال على المساعدة هي الضغط عليهم، من خلال العقوبة أو الرشوة. نحن أنفسنا نفكر عمومًا في العمل باعتباره شيئًا لا يريد الناس فعله بطبيعة الحال، وننقل هذا الرأي إلى أطفالنا، الذين ينقلونه بعد ذلك إلى أطفالهم.
لكن الباحثين وجدوا دليلاً قوياً على أن الأطفال الصغار جداً يرغبون في المساعدة بطبيعتهم، وإذا سُمح لهم بذلك، فسوف يستمرون في تقديم المساعدة طواعية خلال فترة الطفولة وحتى بلوغهم سن الرشد. إليكم بعض هذه الأدلة.
دليل على غريزة الأطفال الصغار للمساعدة
في هذه الدراسة، طُلب من كل من الوالدين العمل ببطء نسبي والسماح لطفلهما بالمساعدة إذا أراد ذلك، لكن دون مطالبة الطفل بالتدخل والمساعدة أو توجيهه من خلال تعليمات شفهية. وكانت النتيجة أن جميع هؤلاء الأطفال الصغار – 80 طفلا – ساعدوا طوعًا في القيام بالعمل. ساعد معظمهم في أكثر من نصف المهام التي قام بها الوالد (الأم أو الأب)، وحتى أن بعضهم بدأ المهام قبل أن يصل الوالد إليهم. وعلاوة على ذلك، على حد تعبير راينغولد، : “لقد بذل الأطفال جهودهم بحركة سريعة وحيوية، وتعبيرات صوتية متحمسة، وتعبيرات وجه متحركة، مرفوقة ببهجة في إتمام المهمة النهائية”.في دراسة بحثية أجريت منذ أكثر من 35 عامًا، راقبت هارييت رينجولد (1982) الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 و 30 شهرًا، وهم يتفاعلون مع والديهم (الأم في بعض الحالات، والأب في حالات أخرى) بينما كان الوالد (الأم أو الأب) يقوم بالأعمال المنزلية الروتينية، مثل طي الملابس أو مسح الغبار أو تنظيف الأرض أو ترتيب وتنظيف طاولة الطعام أو ترتيب الأشياء المبعثرة على الأرض…
وفي الآونة الأخيرة، أكدت العديد من الدراسات الأخرى هذا التوجه في حث الأطفال الصغار على المساعدة. فكان الإجراء الشائع هو إحضار الطفل الصغير إلى المختبرات (و هي الأماكن التي تتم ملاحظة الطفل فيها)، والسماح له/لها باللعب بالألعاب في جزء من الغرفة، ثم التظاهر و خلق حالة يحتاج فيها العالِم إلى المساعدة في جزء آخر من تلك الغرفة. على سبيل المثال، قد يسقط العالِم “بطريق الخطأ” شيئًا ما على الأرض، فوق حاجز، ويحاول الوصول إليه ولكنه يفشل في الوصول إليه. و الطفل الموجود على الجانب الآخر من الحاجز، يمكنه المساعدة عن طريق رفع الكائن وتسليمه إلى العالم. فكان السؤال الرئيسي هو: هل يأتي الطفل ويساعد دون أن يُسأل؟ الجواب: نعم، في كل حالة تقريبا. كل ما على العالم فعله هو لفت الانتباه إلى الحقيقة، من خلال محاولات الوصول للحصول على الشيء الذي سقط. فحتى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 14 شهرًا ساعدوا بانتظام في هذه الحالات (واركن وتوماسيلو، 2009). ما حدث إذن هو أن الأطفال شاهدوا ما يحاول العالم القيام به، فاستنتجوا ما يحتاج إليه ومن ثم بادروا في تلبية تلك الحاجة.
سلوك المساعدة لا يتم مقابل بعض المكافآت المتوقعة:
وجد فيليكس وارينكين ومايكل توماسيلو (2009) أن إعطاء مكافأة مقابل المساعدة يقلل من المساعدة في وقت لاحق. ففي إحدى التجارب، سمحوا للأطفال بعمر 20 شهرًا بمساعدة العالِم بعدة طرق، ومن ثم مكافأة الطفل (مع فرصة للعب بلعبة جذابة) أو عدم مكافأته. ثم اختبروا الأطفال بمزيد من الفرص للمساعدة، حيث لم يتم تقديم مكافأة على الاطلاق. وكانت النتيجة أن أولئك الذين تمت مكافأتهم سابقًا على المساعدة أصبحوا أقل تقديما للمساعدة من أولئك الذين لم تتم مكافأتهم. ساعد فقط 53 ٪ من الأطفال في حالة المكافأة السابقة، في هذا الاختبار، مقارنة مع 89 ٪ الذين لم تتم مكافأتهم.
هذا الاكتشاف هو دليل على أن الأطفال لديهم دوافع جوهرية للمساعدة لا خارجية، أي أنهم يساعدون لأنهم يريدون أن يكونوا مساعدين وليس لأنهم يتوقعون الحصول على شيء مقابل ذلك. وهو ما أكدته الكثير من الأبحاث الأخرى التي أظهرت أن المكافآت تميل إلى إضعاف الدوافع الذاتية. فعلى سبيل المثال، في إحدى الدراسات، تبين أن الأطفال الذين تمت مكافأتهم على رسم صورة، شاركوا لاحقًا في رسم لوحات أقل من الأطفال الذين لم تتم مكافأتهم على الرسم (لوبر، غرين، ونيسبيت، 1973). وهكذا: يبدو أن المكافآت تغير من موقف الناس تجاه أنشطة تمتعت بها سابقًا، من شيء يفعله من أجل مصلحته الخاصة، إلى شيء يفعله الفرد في المقام الأول للحصول على مكافأة. يحدث هذا للبالغين وكذلك للأطفال (ديسي، كوستنر وريان 1999).
وفي الواقع، غالبا ما نرتكب كآباء خطأين كبيرين. أولهما: رفض مساعدة الأطفال وعدم طلبها منهم، لأننا –كآباء- نكون في عجلة من أمرنا لإنجاز الأمور ونعتقد -في كثير من الأحيان- أن “مساعدة” الطفل الصغير لنا ستُؤثر سلبا على سرعة العمل أو أنه لن يفعل ذلك بشكل صحيح. ثانيهما: إذا أردنا فعلاً الحصول على مساعدة من الطفل، فإننا نقدم نوعًا من الصفقة، وبعض المكافآت مقابل القيام بذلك. وهذا معناه أننا في الحالة الأولى نقدم رسالة للطفل مفادها أنه غير قادر على المساعدة، وفي الحالة الثانية نقدم رسالة مفادها أن المساعدة شيء لن يفعله الشخص إلا إذا حصل على شيء في المقابل.
دليل عبر الثقافات على أن الأطفال الصغار الذين يُسمح لهم بالمساعدة يصبحون مفيدين حقًا في مرحلة الطفولة
وجد الباحثون الذين يدرسون مختلف مجتمعات السكان الأصليين أن الآباء في هذه المجتمعات يستجيبون بشكل إيجابي لرغبات أطفالهم الصغار في المساعدة، حتى عندما تؤدي “المساعدة” إلى إبطاء حياتهم، لأنهم يعتقدون أن هذا يرضي الطفل ويساعده على أن يصبح مساعدًا قيِّمًا حقًا. ويوضح البحث أيضًا أنه بحلول الوقت الذي تبلغ فيه أعمارهم حوالي 5 أو 6 سنوات يكون الأطفال في تلك المجتمعات مساعدين فعالين ومستعدين للغاية.
هذا وسجل الباحثون أن مصطلح “المساعد” ليست الكلمة الصحيحة والمناسبة تمام. لهذا فهم يرون أن كلمة “شريك” هي الكلمة الأفضل، لأن الأطفال يتصرفون كما لو أن عمل الأسرة هو مسؤوليتهم بقدر ما هي مسؤولية والديهم.
وفي دراسة أخرى، أجرى فيها باحثون مقابلات مع أمهات لأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و 8 سنوات في كوادالاهارا في المكسيك (ألكالا، روغوف، ميجيا-أروز، كوبينز، دكستر، 2014). حيث كانت 19 من الأمهات من مجتمع السكان الأصليين، على صلة وثيقة بجذورهن الأصلية الأمريكية، و14 أخريات من مجتمع حضري أكثر غربية. التحق جميع الأطفال بالمدرسة، مع تسجيل أن أولياء الأمور في مجتمع السكان الأصليين أقل تعليمًا من المجتمع الحضري.
كشف البحث عن اختلافات كبيرة في طرق وصف مجموعتي الأمهات عن مساهمة أطفالهم في المهام المنزلية.
فوفقًا لتقارير الأمهات، فإن 74٪ من الأطفال في مجتمع السكان الأصليين يقومون بانتظام بالمبادرة في العمل الأسري دون أن يُطلب منهم ذلك، مقارنةً بالأطفال من المجتمع الحضري. وللتوضيح، الاقتباسات التالية من اثنتين من أمهات المجتمعات الأصلية تصف أنشطة أطفالهن:
“هناك أيام تأتي ابنتي إلى المنزل وتقول:” يا أمي سأقوم بمساعدتك على القيام بكل شيء. ” ثم تنظف المنزل بأكمله طواعيةً. و في بعض الأحيان، عندما لا تنتهي من تنظيف المنزل، تقول لي: “أمي أتيت إلى المنزل متعبة للغاية، لنبدأ بتنظيف المنزل.” ثم تقوم بتشغيل الراديو وتقول لي: “أنتِ اعملي شيئًا، وسأعمل على شيئًا آخر،” لأبدأ أنا في تنظيف المطبخ بينما هي تنظف الغرف “.
“يعرف الجميع ما يحتاجون إلى فعله، ودون أن تطلب منهم ذلك، تقول لي ابنتي:” أمي أنا قدمت للتو من المدرسة، و سأزور جدتي، لكن قبل أن أذهب سأنتهي من عملي.”
في المقابل ، ذكرت الأمهات من المجتمعات الأخرى أنهن يحصلن على القليل جداً من المساعدة الطوعية من أطفالهن وبدا أنهن يشتكين من المساعدة الصغيرة التي يقدمها أطفالهم.
وبشكل عام وصفت أمهات السكان الأصليين أطفالهن على أنهم شركاء يتمتعون بالكفاءة والاستقلالية والمبادرة. بينما وصفت الأمهات من المجتمعات الاخرى أطفالهن كتابعين يساعدون –في غالب الأحيان- بامتعاض ويحتاجون إلى أن يقال ما يجب القيام به.
وعلى حد تعبير الباحثين “ذكرت معظم الأمهات من مجتمع السكان الأصليين (87٪) أن أطفالهن يخططون ويختارون أنشطتهم في وقت الفراغ (العمل، واللعب غير المنظم، والواجبات المنزلية، التسجيل في فصول دينية، وزيارة الأقارب والأصدقاء) ، مقارنةً بـ 2 من الأمهات فقط من المجتمع الآخر (16٪).
وصفت الباحثة عبر الثقافات باربرا روجوف الدافع الطبيعي للأطفال للتعلم من خلال ملاحظة الآخرين من حولهم ومن ثم تجربة الأنشطة التي يلاحظونها بأنفسهم. بكونه نمطا تعليميا موجها ذاتيًا “التعلم من خلال الملاحظة و المساهمة (روجوف ، ميجيا-أروز، وكوريا تشافيز، 2015). حيث تعد المساعدة في الأعمال المنزلية مجرد مثال واحد على التعلم من خلال الملاحظة و المساهمة.
ملخص إرشادي
باختصار، تشير البحوث التي تم وصفها هنا إلى أنه إذا كنت تريد أن يكون طفلك شريكًا معك في تحمل مسؤولية العمل الأسري، عليك القيام بما يلي:
- افترض أن هذا هو عمل عائلي، أي أنك لست الشخص الوحيد المسؤول عن إنجازه، إلى جانب التخلي عن بعض السيطرة على كيفية القيام بالمهام.
- افترض أن محاولات طفلك (البالغ 1- 3 سنوات) هي مساعدة حقيقية، وإذا كنت –فعلا- تعطي الوقت الكافي ليتمكن طفلك من مساعدتك، فلا شك أنه مع القليل من التوجيهات، سيصبح في النهاية جيدًا في ذلك.
- تجنب طلب المساعدة، أو المساومة عليها، أو مكافأتها، أو إدارتها، لأن ذلك كله يهدم الدافع الجوهري للمساعدة. فابتسامة مع قول “شكرا” تكون كافية.
- أدرك أن طفلك ينمو بطرق إيجابية للغاية من خلال المساعدة. فالمساعدة ليست جيدة لك فقط، ولكن لطفلك أيضًا. فبفضلها يكتسب الطفل مهارات قيمة ومشاعر التمكين الشخصي وتقدير الذات والانتماء من خلال المساهمة في رعاية الأسرة. في الوقت ذاته، عندما يُسمح للطفل بالمساعدة، يتم تغدية إيثاره الفطري.
والآن ما هي تجاربك مع مشاركة الأطفال في العمل الأسري؟ هل تتناسب تجاربك وملاحظاتك مع الأفكار التي تم توضيحها في هذا المقال؟