هذا المقال هو الثاني من سلسلة مقالات حول صورة المعلم في الدراما العربية والأجنبية دراسة مقارنة، ينشرها الدكتور إيهاب إبراهيم السيد محمد حصريا على صفحات تعليم جديد. لقراءة المقال الأول بعنوان واقع صورة المعلم في الدراما العربية المرجو النقر على الرابط التالي.
عرف الغرب الدراما قبل العالم العربي بفترة كبيرة، وتعود البداية أو النشأة الحقيقة للدراما إلى بدايات القرن التاسع عشر، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية في طليعة الدول التي اهتمت بالدراما، وكذلك الاتحاد السوفياتي سابقا، وتنافست الدول الأوروبية في الاهتمام بالدراما وكان السبق في ذلك لألمانيا وكذلك فرنسا.
وتعد صناعة الأفلام في هوليود واحدة من أعظم الصناعات الفنية في العالم بأسره وتعد الأكثر انتشارا، حيث تدر سنويا مليارات من الدولارات. وتخاطب السينما في هوليود بالأساس المشاهد الأمريكي، باعتباره المستفيد المباشر من تلك الصناعة. وفي سبيل إسعاده تتنوع المنتجات السينمائية بين التشويق والإثارة والعنف والكوميديا والحب والمغامرة والخيال العلمي.
إلا أنه بين كل فترة وفترة أخرى لا تلبث الشاشة المحببة إليه أن تتحفه وتفاجئه بعمل سينمائي ضخم يتناول الحياة التعليمية بصفة عامة والمعلم بصفة خاصة، ويشكل ذلك إلهاما للكثير من المعلمين والطلاب داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وفي السطور القليلة القادمة سنلقي الضوء على صورة المعلم في الدراما الأجنبية من خلال استعراض بعض الأعمال الدرامية الأجنبية التي تناولت المعلم، ومحاولة التعقيب عليها لمعرفة الدور الحقيقي للدراما في رسم صورة المعلم في مخيلتهم.
انقسمت الأعمال الدرامية التي تناولت شخصية المعلم إلى قسمين:
القسم الأول تناول أفلام تحتوي على رسائل تعليمية كما يلي:
نبدأ بفيلم ” المليونير المتشرد ” ويتناول الفيلم قصة كفاح شاب هندي بائس مشرد في سبيله للحياة بصورة محترمة وكريمة، بعيدا عن عالم الجريمة التي كانت تحيطه من كل جوانب حياته. وبدأت تلك الرحلة بحصوله على الجائزة الكبرى في برنامج “من سيربح المليون” في نسخته الهندية، وعلى الرغم من أن الفيلم لا تدور أحداثه داخل مؤسسة تعليمية لكنه يحتوي على رسائل تعليمية مهمة، لأنه يقدم قيمة تعليمية حقيقية.
ففي كل مرة كان يسأله مقدم البرنامج سؤالا، كان الفتى يجيب من خلال مخزون خبراته التعليمية السابقة والتي مر بها، وهنا تكمن الحقيقة التي لا تخفي على أي معلم ماهر، وهي أن التعلم المقاوم للنسيان هو التعلم من خلال الخبرات الحقيقية الواقعية، وأن التعلم في جوهره عبارة عما يتبقى ويرسخ في عقل المتعلم.
إذا أردت ألا ينسى طلابك المعلومات، لا تكتفي كمعلم بجعلهم يكررونها عددا معينا من المرات، بل يجب عليك أن تجعلهم يعيشونها لتبقى حية في أذهانهم.
فيلم” باتش آدامز” وهو من الأفلام التي تدور أحداثها من خلال قصة حقيقية، وهو أيضا ليس ذو طابع تعليمي إلا في جوهره فقط، فهو يقدم العديد من القيم التعليمية الجيدة، وتدور أحداثه حول قصة حياة باتش آدامز وهو طبيب وكوميدي ومهرج أمريكي وناشط اجتماعي وكاتب كذلك، ينتقل من حالة نفسية غاية في الصعوبة تتمثل في إصابته بالانهيار العصبي ومحاولة الانتحار إلى الرغبة في أن يصبح طبيبا.
لكنه سعى لتقديم صنف فريد وجديد من الأطباء، عبارة عن الطبيب الذي يهتم بمرضاه وسعادتهم وشعورهم بالبهجة في مقابل الأطباء العاديين الذين في العادة يتصفون بالتعالي، ويحاول دائما أن يندمج مع مرضاه في حياتهم اليومية ومساعدتهم الدائمة في التغلب على آلامهم وشعورهم بالبؤس والمأساة.
والفيلم في مضمونه يقدم رسالة مبطنة لكل المهن التي تتعامل مع الآخر ومنها بالطبع المعلم والذي يجب أن تتغير نظرته للطلاب وكيفية معاملتهم.
فيلم ” مدرسة الروك” وهو فيلم من الصعب أن يصنف كفيلم تعليمي بحت إلا أنه يحتوي على كثير من الرسائل التعليمية المهمة، وهو فيلم من الأفلام الكوميدية الموسيقة، ويستعرض الفيلم قصة موسيقى فاشل، يتحول للتدريس بشكل جزئي في أحد المدارس الراقية، إلا أنه كعادته يفشل تماما مع الطلاب.
فيقف مع نفسه وقفة صحيحة ويقرر أن يحول اهتمامه من تعليم الطلاب إلى إنشاء فرقة روك للهواة من طلاب المدرسة، وينجح ليس فقط في تعليمهم الموسيقى ولكن أيضا في التعاون والعمل والتعامل والانصهار كفريق واحد حيث يوظف كل عضو من أعضاء الفرقة مهاراته المختلفة ومواهبه من أجل نجاح فريق العمل.
فيلم ” موسيقى القلب” ويروي الفيلم قصة حقيقية لعازفة كمان هجرها زوجها بعد سنوات عشرة طويلة، وتصاب بمرض نفسي يتحول إلى اكتئاب شديد وتنتابها أفكار مرضية وتحاول الانتحار عدة مرات.
وفي سبيل التغلب على هذه الحالة فكرت في العمل كمعلمة للموسيقى في أحد مدارس حي شهير، وعلى الرغم من قلة خبرتها في مجال التعليم إلا أنها عملت على إنشاء برنامج في عدة مدارس يعتمد على مد يد العون إلى أكثر الأحياء فقرا.
ويبلغ الفيلم قمة إثارته حينما يتم تخفيض ميزانية المدرسة ويتم الاستغناء عن المعلمة، فتسعى بكل السبل لجمع التمويل اللازم لاستعادة البرنامج.
وفي سبيل تحقيق ذلك تقوم بالإعداد لحفل موسيقي يقدمه الأطفال المتخرجون من هذا البرنامج، وعلى الرغم من المعوقات، إلا أنها تستطيع الحصول على الكثير من الدعم من عدد من الموسيقيين المشهورين وعدد من الطلاب السابقين وأولياء الأمور والمعلمين لإنجاح الحفل.
القسم الثاني تم التركيز فيه على طريقة وأداء المعلم كما يلي:
نبدأ بفيلم ” قف وعلم” ويستعرض الفيلم قصة حقيقية لمعلم تقليدي من أصول أمريكية لاتينية، يذهب للتدريس في مدرسة في حي من الأحياء التي يعاني طلابه فيه من انتشار العنف وانتشار الجريمة، ولا يعيرون للعلم أي اهتمام، ويساعدهم ذلك المعلم على التفوق وخاصة التفوق في مادة الرياضيات والالتحاق بأشهر الجامعات الأمريكية وبناء مستقبل مشرق لهم.
وتبلغ أحداث الصراع في الفيلم ذروتها عندما يحصل الطلاب جميعهم على درجة الامتياز في مادة الرياضيات، إلا أن الإدارة التعليمية تشكك في هذه النتيجة بناء على سجلات الطلاب السابقة، وتهددهم جميعا بسحب شهاداتهم بداعي الغش، مما يجعلهم يدخلون في تحد من نوع جديد يتمثل في خوض الاختبارات مرة أخرى، ليحصلوا جميعا على درجة الامتياز مرة أخرى.
فيلم” كتاب الحرية” وهو عن قصة حقيقية، ويتناول حكاية معلمة لغة إنجليزية والتي تنتقل للتدريس في واحد من أفقر الأحياء السكنية وأكثرها خطرًا، حيث جميع الطلاب محاطون بكل أنواع العنف وأنواع الجريمة والمخدرات ويفتقدون لأي اهتمام بهم من أولياء الأمور أو المؤسسات الحكومية، ويلجؤون للالتحاق بالمدرسة تجنبا لدخول السجون.
بالإضافة إلى انتشار التفرقة العنصرية داخل المدرسة بين البيض والسود، وفي سبيل العمل على التغلب على كل هذه الصعاب تقوم المعلمة ببذل كل طاقتها وعمل مجهود خارق لإعادة الطلاب لإيمانهم بأنفسهم والتغلب على مشاكلهم العديدة.
فيلم ” جماعة الشعراء الموتى” يدور الفيلم حول معلم يعود للتدريس في مدرسته الأرستقراطية ذات التقاليد المحافظة، والذي يحاول أن يكسر القواعد الخاصة بالمدرسة ويحرض الطلاب على عدم الانصياع الكامل لرغبات الآخرين فيما يتعلق بحياتهم الخاصة وما يتعلق بقراراتهم.
ويقوم المعلم بتحفيز الطلاب على بناء شخصياتهم كما يؤمنون بها لا كأنهم مجرد أشخاص عاديين، ويقوم بتشجيعهم على عدم التسليم بالآراء الجاهزة وأنه يجب إخضاعها للتفكير النقدي الذي لا يقبل الأشياء على حالتها ولكنه يدقق فيما وراء التسليم بتلك الآراء.
فيلم ” رجل بدون وجه” ويدور الفيلم حول العلاقة المميزة بين المعلم والطالب، ويحكي الفيلم عن معلم سابق تمت إقالته من النظام التعليمي في ولايته بسبب مكيدة دبرها له أحد طلابه.
واحترق وجه المعلم وهو يحاول إنقاذ ذات الطالب من حادث احتراق سيارة تعرض له، ويعيش معزولا عن المجتمع بسبب ذلك الحادث.
يلجأ للمعلم ولد من جيرانه يتهمه جميع من يتعامل معه من أفراد أسرته وأصدقائه ومعلميه بالغباء الشديد، إلا أن الطالب يرغب أن يتجاوز الاختبارات المدرسية ليتمكن من مغادرة منزله الذي لا يشعر فيه بالراحة. لذلك يطلب مساعدة المعلم الذي سيساعده على العمل على اكتشاف مواهبه وقدراته الإبداعية بطريقة مشوقة، حتى يصبح مصدر فخر لكل من يعرفه. وفي ذات الوقت، يساعد الولد المعلم على الخروج من عزلته والعودة للاندماج مرة أخرى في المجتمع.
في نهاية هذا المقال نجمل صورة واقع المعلم في الدراما الغربية، فقد لعبت الدراما دوراً رئيساً في تحريك الوعي الجمعي للشعوب الغربية تجاه المعلّم والعملية التعليمية بشكل عام، فقد صورت الدراما الغربية المعلم في أغلب الأحيان قائدا، واعتبرته صاحب رسالة سامية ومعلما للأجبال يستطيع أن يعتمد عليه في نهضة الشعوب.
المراجع:
صفاء عبد الحليم (2004)، أثر استخدام الدراما في تنمية مهارات التحدث باللغة الإنجليزية رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة حلوان.
لينا التل(1985)، دراسة تقييم المسرح في التعليم في بريطانيا وكيفية تطبيقها في الأردن، رسالة ماجستير غير منشورة، ويلز- بريطانيا.
Corey, G (1996). Theory and Practice of counseling and psychotherapy. Brooks, Cole, Publishing Company.
Fleming, mike (2004). the impact of drama on puplish language , mathamatics , and attitude in tour primary schools reaserch in drama education ,9 (2) 177_197
Irmshen , k. (1996). communication skills, Ericdigest, clearing house on educational management 390114.
Med,Nancy, Rubin, Donald (1985). Assessing listening and Speaking Skills.ERIC Document Reproduction Service, NO.ED263626.