مقدمة
حدثت تطورات متلاحقة وكثيفة وسريعة في استراتيجيات التدريس وذلك نتيجة لتطويع التكنولوجيا بقدراتها الهائلة لخدمة العملية التعليمية، والتي ساهمت في إحداث الكثير من التغيرات النوعية والجوهرية في سير العملية التعليمية، بل وتيسير خطوات تنفيذها، وبالتالي ساهمت في خلق بيئات تعليمية أكثر مرونة وأكثر توافقية مع المتعلمين، مما جعلهم يتقدمون في تعلمهم لمستويات مرتفعة.
فمنذ أن ظهر التعلم المعكوس كمصطلح تعجب منه الكثيرون في البداية، وتساءلوا كيف يتم عكس العملية التعليمية أو قلبها ليُطلق عليه البعض الصفوف المقلوبة أو التعلم المقلوب. وحمل هذا التعجب تشويقاً للاطلاع وخوض التجربة أحياناً، والكثير من التحفظات والتردد في أحيان أخرى، لكن في النهاية نجد أمامنا استراتيجية و نمطا وأسلوبا تعليميا جديدا يعتمد على دمج التكنولوجيا بالتعليم بطريقة سلسة.
فالتعلم المعكوس نموذج تعليمي سوف يحدث تغيرات جوهرية ونوعية كثيرة في السياق التعليمي ككل وفي المؤسسات التعليمية والمنظومة التعليمية بشكل كامل، فنجد في فكرة قلب دور كل من المدرسة والمنزل مجالاً خصباً للدراسة والبحث، وقياس النتائج وتفسيرها، لضمان إيجابية تطبيق الفكرة وتعميمها فيما بعد، لذا يعتبر التعلم المعكوس حركة واسعة وتطوراً ضخماً في المنظومة التعليمية، يجمع ما بين التعلم التقليدي والتعلم الإلكتروني والتعلم بالاستقصاء كتعلم مدمج متطور، والذي من شأنه أن يفعل دور المتعلم ويجعل التعلم أكثر متعة وتشويقا ويغير دور المعلم للأفضل.
ونجد أن التعلم المعكوس يمكن المتعلم بطريقة أو بأخرى من أن يكون مسؤولاً عن عملية تعلمه، ولكن بإشراف وتوجيه من المعلم في المدرسة والآباء في المنزل. وبعد أن أثبت التعلم المعكوس في العديد من البحوث والدراسات السابقة فاعليته وتحقيقه لنتائج إيجابية رغم الصعاب التي تواجهها عملية التطبيق نظراً لكون الثقافة التعلمية السائدة لدينا جامدة بعض الشيء، ولا تقبل مثل هذه المتغيرات بشكل سريع.
أن تجد نظاماً ونمطاً يدعم فكرة أن يتعلم المتعلم وفق سرعته الخاصة به، وفي نفس الوقت يحقق القدر الكافي من عملية التطبيق والممارسة العملية إضافة لكونه يغير أدوار المعلم والمتعلم إلى الأفضل، فقط التعلم المعكوس هو القادر على تحقيق ذلك.
في هذا المقال لسنا بصدد الحديث عن التعلم المعكوس التقليدي، ولكن نستنتج من بعض الأدبيات والتخيلات العلمية المنطقية سؤالاً مهماً للغاية وهو: ماذا لو تم دمج مبادئ التعلم التكيفي في استراتيجية التعلم المعكوس؟ بالطبع سوف يتغير الأمر للأفضل كثيراً، فدعونا نوضح من خلال السطور التالية هذا التصور.
1- مفهوم التعلم التكيفي المعكوس
يختلف الكثيرون حول المصطلح كونه استراتيجية أو أسلوبا أو نمطاً أو نموذجاً تربويا، ولكن في النهاية، نحن بصدد نمط تعليمي جديد يعد تطوراً رائعاً للتعلم المدمج، ويدعم فكرة دمج التكنولوجيا في التعليم، وفي نفس الوقت يناسب الدول النامية ضعيفة الإمكانيات.
ومع محاولة توضيح مفهوم التعلم المعكوس، ينبغي أن نذكر أنه مفهوم حديث يُعرف إجرائياً على أنه نمط تعليمي يتم فيه عكس دور المدرسة والمنزل، وعكس دور المحاضرة أو الحصة والواجبات المنزلية، ويقوم على استخدام استراتيجيات التعلم النشط المختلفة، ويعد تطوراً للتعلم المدمج.
ومن خلال ذلك يمكن تعريف التعلم التكيفي المعكوس بأنه: نمط تعليمي يقوم على عكس دور المؤسسة التعليمية والمنزل، باستخدام العديد من الأدوات والتقنيات لنقل المحتوى العلمي من المدرسة إلى المنزل للطلاب، فليس بالضرورة أن تكون الأداة المستخدمة إجبارية على جميع الطلاب، ولكن يسعى التعلم التكيفي المعكوس لأن يستخدم كل طالب الأداة التي توافق نمطه في التعلم. لذا يقع على كاهل المعلم هنا أن يعد المحتوى بأكثر من أداة وذلك وفقاً لنمط تعلم الطلاب لديه.
2- طريقة تطبيق التعلم التكيفي المعكوس
يعتمد التعلم التكيفي المعكوس فى تطبيقه على تصميم التعلم المدمج، ولكنه لا يختلف كثيراً عن التعلم المعكوس التقليدي، سوى في أمرين فقط، وهما:
- بدلاً من تعميم الأداة المستخدمة في التعلم المعكوس، على المعلم أن يقوم أولاً بالتعرف على أنماط تعلم وأساليب تعليم المتعلمين لديه.
- تغير دور المعلم من استخدام الفيديو فقط، إلى إعداد المحتوى بأكثر من أداة بحيث تتناسب مع كل أنماط المتعلمين لديه، فيتعلم كل طالب وفقاً للأداة التكنولوجية المناسبة له.
3- مميزات التعلم التكيفي المعكوس
يختص التعلم التكيفي المعكوس بالعديد من المميزات والتي نذكر بعضها على النحو التالي:
- أسلوب تعلم يشجع على استخدام التكنولوجيا والتقنيات في العملية التعليمية.
- يجعل للمقرر الدراسي مستودعا رقميا بأدوات متعددة يمكن الرجوع إليه في أي وقت.
- يكسر حالة الجمود والتقليدية الموجودة في البيئة التعليمية.
- أحد أهم أساليب التعلم المتمركزة حول المتعلم.
- يمكن من التغلب على مشكلة غياب الطلاب.
- إمكانية استخدام أكثر من استراتيجية للتعلم النشط من خلاله.
- يواكب ثقافة طالب اليوم في السرعة والتقدم التكنولوجي.
- يتكيف من خلال تعدد أدواته مع أنماط المتعلمين.
- يجعل هناك نوعا من التنوع في العملية التعليمية.
- يساعد المعلم في التعرف على كيفية إعداد المادة التعليمية بأكثر من طريقة وأكثر من وسيلة.
- يجعل المعلم مدركا لأنماط وأساليب المتعلمين لديه، والتي تناسب طريقة تعلمهم.
- يتعلم الطالب من خلال المحتوى بالتقنية والأداة التي تناسبه وفي الوقت الذي يناسبه أيضاً.
4- عيوب التعلم التكيفي المعكوس
تظهر عيوب التعلم التكيفي المعكوس من خلال المعوقات التى تواجه إمكانية تطبيقه أو سوء تطبيقه ويمكن إجمال تلك العيوب في النقاط التالية:
- عدم توافر الأجهزة والبرمجيات اللازمة لإعداد المحتوى بأكثر من طريقة.
- عدم وجود خبرات تكنولوجية كافية لدى المعلم في كيفية استخدام أدوات إعداد المحتوى الرقمي.
- رفض أولياء الأمور تطبيقه، اعتقاداً منهم أنه مضيعة للوقت ولا يساهم في رفع قدرات أبنائهم.
- جمود فكر القائمين على العملية التعليمية يجعل من تطبيقه أمرا صعبا.
- تخوف البعض من سلبيات الأجهزة الرقمية على المتعلمين.
5- علاقة التعلم المعكوس بالتعلم التكيفي
بعد العرض السابق، وكما سبق و ذكرنا أن التكيف في العملية التعليمية يجب أن يأخذ مفهوماً أوسع من مجرد تناسب طريقة عرض المحتوى مع نمط تعلم المتعلمين، فالتعلم المعكوس يخلق جواً من التكيف والتأقلم عند كل طالب على حدة، ويتحقق ذلك من خلال أن كل طالب يحصل على نسخة من المادة التعليمية ويشاهد المحتوى بالطريقة التي تناسبه وفي الوقت الملائم والمريح له والذي يحقق من خلاله أكبر درجة من الاستيعاب والتركيز.
فبدلاً من إجبار جميع الطلاب على تلقي محتوى واحد بطريقة واحدة في مكان ووقت واحد، أصبح كل متعلم يتحصل على المحتوى ويشاهده ويدرسه في المكان والوقت وبالطريقة التي يفضلها، مما يخلق لدى الطالب حالة من التكيف الخارجي والتأقلم مع المحتوى المقدم، وبالتالي يرتفع مستوى الفهم لديه، ويحقق قدرا كبيرا من الاستيعاب. وهذا ما مكننا منه التعلم المعكوس بشكل مبدئي، وكتطور مرحلي لظهور التعلم التكيفي فيما بعد، فأي طريقة أو استراتيجية تمكن من مراعاة الفروق الفردية بين المتعلمين و تقدم المحتوى وكأنه مقدم لطالب واحد فقط ستعتبر من أهم طرق وأدوات التعلم التكيفي.
بل إن التعلم المعكوس مكن من وجود التعلم التكيفي بشكل كبير حيث أتاح للمتعلم أن يستمع إلى الشرح والمحتوى في منزله وهو فى حالة تهيئة كاملة، بدلاً من الحالة التي يسودها تشويش كبير من الزملاء داخل المدرسة، فيواكب بذلك توقيت عرض المحتوى الحالة المزاجية الجيدة لدى المتعلم، وبالتالي يحقق نتائج جيدة.
ملحوظة
علينا أن نبتكر من طرقنا التقليدية طرقاً إبداعية، وأن نتخلى كثيراً عن الروتين والتقليد، والسير على خطى الآخرين، فبإضافات قليلة على بعض الأمور قد تبدو الأمور حينها أكثر إبداعية، أتمنى من جموع باحثينا أن يدركوا هذا الأمر وأن نصطنع طرقاً واستراتيجيات ابتكارية.
و وجب التنويه إلى أننا بحاجة إلى دراسات علمية وصفية وتجريبية حول مدة الفيديو في التعلم المعكوس، أي ما هي أفضل مدة فيديو قد يستوعب بها المتعلم الفيديو بكامله دون ملل أو إهمال؟
وللتعرف على الآتي:
- تصور إجرائي لتطبيق التعلم التكيفي المعكوس بشكل اجتماعي ومؤسسي.
- تصور تعليمي لتطبيق التعلم التكيفي المعكوس داخل الفصل الدراسي.
- أساليب إقناع عناصر المنظومة التعليمية بالتعلم التكيفي المعكوس.
يرجى الاطلاع على “كتاب التعلم التكيفي” الذي صدر عن دار السحاب للنشر والتوزيع عام 2017، بالقاهرة، جمهورية مصر العربية.
جزاك الله الف خيرموضوع رائع
لك مني كل الشكر والتقدير والاحترام
شكرا لك أستاذ تامر على مشاركة الموضوع. أضم صوتي لحضرتك من خلال تجربة واقعية طبقتها في الأردن (دراسة حالة) شاركت فيها مدرستان وكانت النتائج إيجابية جدا على جميع المستويات، إلا أنني محبطة من تراجع المعلمين عن الاستمرار مع أنهم لمسوا نجاح التجربة!!!
بشكركم جميعاً على تفاعلكم.
السلام عليكم .. جهد مشكور و نظرة جديدة للتعلم المعكوس .. هلا تفضلت اخي الكريم بكتابة المراجع العلمية التي استندت إليها في كتابة هذا المقال الرائع للمزيد من الاطلاع والتوسع في المعرفة لتطبيق هذا الاسلوب المبتكر الجديد .. و لك جزيل الشكر مرة أخرى