نسعى جاهدين لتكوين اتجاه إيجابي لدى المتعلم؛ وذلك لقبول التغيير ومبادراته، وأن ما هو كائن ليس دائماً هو الأفضل، وحثّه دوماً على التفكير ملياً، وبجدية، وبمرونة؛ ليدرك إمكاناته كإنسان يستطيع أنْ يحلمَ، ويسعى جاهدا لتحقيق أحلامه.
فلو نظرنا إلى الكثير من الإنجازات العلمية التي تحققت خلال النصف الثاني من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين بدءاً من السفر للفضاء وانتهاءً بالعلاج الجيني، مروراً بالهندسة الوراثية، ومشروع الجينوم البشري؛ لوجدنا أنَّ كلَّ هذه الحقائق والإنجازات العلمية قد سبق التنبؤ بها في كتابات الخيال العلمي منذ أواخر القرن التاسع عشر؛ ومن الأمثلة على ذلك، فإن الكاتب الفرنسي جول فيرن Jules Verne، الذي يُعدُّ أول من أسس لأدب الخيال العلمي، كتب رائعته “من الأرض إلى القمر” عام 1865 تخيل فيها رحلة إلى القمر، وقد تحقق هذا الخيال بالفعل بعد قرن من الزمان، وبالتحديد في 20 أغسطس 1969 حين هبط أول إنسان على القمر. ليعلمنا أنَّ هناك همزة وصل بين الخيال العلمي ودراسات المستقبل، فكلاهما يسعى للتنبؤ بالمستقبل؛ فالخيال هو القوة الأساسية الفعالة وراء كلِّ إبداع واختراع.
فالخيال العلمي Science Fiction تخمينٌ واقعيٌّ للأحداث المستقبلية المحتملة، وتصور للأفكار والمعاني ومجريات الأمور في ضوء حقائق العلم؛ بهدف تحقيق طموحات البشرية و أجل إضفاء المتعة والبهجة على الحياة.
ويمكن التأكيد على أنَّ الخيال التقليدي الجامح قد فقد أهميته وجاذبيته إلى حدٍّ كبيرٍ، وحلَّ محله الخيال العلمي الذي يستحوذ على اهتمام الصغار والكبار وانتباههم، وكلما استطاع العلم أنْ يُيَسر حياة البشر علا شأنه وشأن الخيال العلمي معه، ليكون الوسيلة المثلى للربط بين الثقافة الأدبية والثقافة العلمية، وهو نوع من الخيال يتخذ من واقع التقدم العلمي والتكنولوجي على المجتمع والأفراد موضوعه الأساسي.
ويعتبر الخيال رافداً كبيراً للمعرفة بجوار معطيات الواقع التي لا يتقوقع الخيال عندها، بل يطورها ويبني عليها ليكوّن واقعاً جديداً، لكن هذه الملَكة التخيلية تحتاج إلى تنمية، ولن يحدث ذلك إلا من خلال تهيئة بيئة حاضنة توجهها إلى المفيد، فما زال البعض يقصر الخيال العلمي على كونه نتيجة لظهور الاكتشافات العلمية وانعكاساتها؛ مما يجرده من أهم خصائصه وأدواره المهمة؛ ألا وهي التمهيد للمستقبل، وحفز العلماء على الاكتشافات والتنبؤات المستقبلية.
بالخيال نستطيع أن نرى المستقبل، وبالعلم سنصنع ذلك المستقبل
و الخيال العلمي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتفكير، ولذلك فإنَّ قُدرة الفرد على التخيل ترتبط بأسلوب التفكير، من حيث قدرته على فهم ودمج الأبنية والعمليات المعرفية، وقدرته على جدولة وتنظيم الأنشطة، وقدرته على الاتصال، وقدرته على تخيل البدائل، وتخطي الحواجز والعقبات، والحصول على أفكار جديدة.
وقد وجدتُ عند مراجعة الأدب التربوي أنَّ الخيال العلمي عند استخدامه في العملية التربوية، كانت نتائجه مثمرة في تطوير أساليب تنمية النشاط العقلي المقصود؛ والذي يؤدي إلى تنشيط التخيل التلقائي المستقل، ويتم ذلك عبر معلم غير نمطي، يساعد على خلق مناخ التنوع، والتكامل المستمر بين ما هو غير واقعي (خيالي) وما هو واقعي، ويعمل على تنشيط عُنصر الخيال في عملية التعلم من خلال تحقيق التكامل بين عناصر الذاكرة، وعناصر الخيال الذي يمكن أن يطلق الإبداع لدى المتعلم، مستخدماً بعض الاستراتيجيات المناسبة كرواية الحكايات، وجلسات العصف الذهني لإنتاج الأفكار، واستراتيجية استكمال بدايات مطروحة، والبناء الدرامي على نهايات معطاة في قصص الخيال العلمي، واستراتيجية لعب الأدوار، والتحدث مع شخصيات غير مألوفة، واستراتيجية مشاهدة أفلام الخيال العلمي تتبعها جلسات سيمنار، واستراتيجية التعلم التعاوني؛ لإنتاج أفكار تصلح لقصص الخيال العلمي، واستراتيجية استخدام أسلوب المترابطات، مراعياً التركيز على أكثر من حاسة لدى المتعلم والخصائص العمرية للفئة المستهدفة؛ بالإضافة للجانب الحركي والوجداني والجانب العقلي.
يقول العالم الكبير ألبرت أينشتاين: “الخيال أهم من المعرفة، بالخيال نستطيع رؤية المستقبل.”
نتساءل ….؟
لماذا لا يكون الخيال العلمي أحد مداخل علوم المستقبل؟
حيث يُؤخذ أدب الخيال العلمي مأخذ الجد من حيث منهجيته، والتصور العام له ومحتواه، ويمثل خريطة بديلة للمعرفة، يمكنها أن تمدَّ العلماء بالخيال الابتكاري القابل للتحقق سواءً في الحاضر أو المستقبل، وتُدرس عن طريق الكتب العظيمة التي تركز على إلقاء الضوء على روايات الخيال العلمي المنوعة التي تعتمد على الخيال الجامح، والمدعمة بالخبرات والأنشطة العقلية والصور الحسية الناتجة عن استخدام سيناريوهات الخيال العلمي، وتحليلها ونقدها، أو بواسطة مقررات خاصة تهدف إلى توظيف قصص الخيال العلمي في التعبير عن المشكلات المعاصرة، والتحذير من الأخطار المحدقة بالإنسان، أو باستخدام”المدخل التاريخي“، وتتبع نموه تاريخياً، بهدف عرض بعض الاقتراحات لحل مشكلات البشرية التي يعجز الواقع عن تقديم حلول مرضية لها، وحث الطلاب على التفكير، والتأمل بمرونة، و القدرة على الابتكار، واستبعاد الأفكار الخُرافية، وتكوين اتجاه إيجابي لدى الطلاب نحو قبول التغيير، وتقبل ما سيكون عليه العالم في المستقبل، وتقديم تصور فكري تربوي يقضي على روتين الحياة والنمط التقليدي في التفكير، وبالتالي يمد فيها المعلمُ الخيالي -الذي يؤمن بأن التدريس كالفن- التلاميذَ بمجموعة من الأشياء الجديدة المبتكرة، والاستراتيجيات التدريسية المناسبة لإطلاق خيالهم، في حدود مقبولة، واستثارة انتباههم، لتدوين أفكار عامة من قبلهم تمثل اقتراحات لحل مشكلات بشرية، أو تنمية الاتجاهات المرغوبة لتكوين صورة مشرفة لمستقبل البشرية، وإكسابهم التمييز بين الخيال العلمي الممكن تحقيقه في المستقبل، والخيال الخرافي، وإثارة النقاشات؛ للحصول على أفضل الأفكار؛ ومن ثم كتابة التقارير من خلال تلك القراءات.
المراجع:
الرحيلي، أمينة (2014م). فاعلية برنامج مقترح قائم على بعض أدوات الجيل الثاني للويب لإثراء الخيال العلمي في مادة الفيزياء لدى طالبات المرحلة الثانوية . مجلة دراسات عربية في التربية وعلم النفس،ع(51)، 106-47.
رشد، علي ) 2010م). تنمية الإبداع والخيال العلمي لدى أطفال الروضة ومرحلتي الابتدائي والإعدادية. ط1. عمان: ديبونو للطباعة والنشر والتوزيع.
كلاب، هبة زكريا (2016م). فعالية برنامج قائم على الخيال العلمي في تنمية المفاهيم ومهارات التفكير البصري في العلوم لدى طالبات الصف الثامن بغزة، رسالة ماجستير غير منشورة،كلية التربية، الجامعة الإسلامية بغزة.
نشوان، يعقوب (2005م). التفكير العلمي والتربية العلمية عمان: دار الفرقان للنشر والتوزيع.
الموقع الإلكتروني http://www.arsco.org/detailed/62718aec-6d9c-449f-a272-232bbe4377b5 تاريخ الاسترجاع 12/7/1438
شكرا أستاذة فاطمة
مقال يتناول فكرة مميزة
مشكورة