على ضوء أهمية التفكير الحاسوبي ظهر توجه معاصر في مجال تعليم الحاسب الآلي يركز على تحديد طبيعة ومهارات التفكير الحاسوبي وسبل تنمية هذه المهارات لدى الطلاب على امتداد جميع المراحل التعليمية، وفيما يخص جميع المقررات الدراسية وعلى رأسها مقررات الحاسب الآلي. وقد تحدثنا في مقالة سابقة عن مفهوم التفكير الحاسوبي وخصائصه وأبرز مهاراته. ومواكبة لهذا التوجه تأتي هذه المقالة لتسليط الضوء حول أهم الاستراتيجيات التعليمية والمنهجية الملائمة لتنمية مهارات التفكير الحاسوبي.
في مقالة رائدة عن التفكير الحاسوبي اختتمت “وينج” حديثها بدعوة المعلمين إلى “توسيع نطاق الأنشطة التعليمية الهادفة إلى جعل التفكير الحاسوبي أمراً مألوفاً بالنسبة للطلاب وتوعيتهم بقيمة وقوة علم الحاسب الآلي” (Wing, 2006, p. 35). و مباشرة بعد نشر هذه المقالة شرع الأكاديميون والمتخصصون في تعليم علوم الحاسب الآلي في البحث حول كيفية تطبيق مهارات التفكير الحاسوبي في مقررات الحاسب الآلي وكذلك في المواد الدراسية الأخرى مثل العلوم والرياضيات. وعلى صعيد آخر حاول بعض الباحثين توظيف استراتيجيات ومداخل تعليمية لتنمية مهارات التفكير الحاسوبي في إطار مقررات الحاسب الآلي القائمة. و من أبرز هذه الاستراتيجيات:
1- استراتيجية التعلم الحقيقي authentic learning strategies
في دراسة أجراها “مينجو” (Mingo, 2013) على عينة تتضمن أكثر من 600 طالب ملتحقين بأحد مقررات التنور الحاسوبي وباستخدام المنهج شبه التجريبي، تبين أن لاستراتيجيات التعلم الحقيقي authentic learning strategies تأثير إيجابي على تنمية الجوانب المعرفية والدافعية لمهارات التفكير الحاسوبي.
والتعلم الحقيقي هو استراتيجية تعليمية تضع المتعلمين في مواقف من واقع الحياة باستخدام مجموعة متنوعة من أنشطة التعلم التفاعلية. وكمثال آخر لتوظيف استراتيجيات التعلم الحقيقي لتنمية مهارات التفكير الحاسوبي من خلال مقررات الحاسب الآلي استراتيجيةٌ مقترحة قدمها “سوه وزملاءه” تعطي الطلاب فُرصاً لتطبيق مهارات التفكير الحاسوبي في العديد من التخصصات العلمية مما يوفر فرص بينية التخصصات لحل المشكلات والتعلم التعاوني، ويمكن أن تساعد المعلمين في تصميم تطبيقات حقيقية وذات معنى للطلاب. وقد تم استخدام هذه الاستراتيجية لإعداد الطلاب للتعامل مع التحديات التي يطرحها أي مجال حاسوبي، وذلك من خلال وضع الطلاب في مجالات متعددة تلعب فيها مهارات التفكير الحاسوبي دوراً حاسماً (Soh et al., 2009).
2- نظرية التعلم بالخبرة Experiential Learning Theory
استناداً إلى إطار عمل نظري مستمد من نظرية التعلم الخبري أو التعلم بالخبرة لكولب Kolb’s Experiential Learning Theory (ELT) سعى ” بوث” (Booth, 2013) إلى تنمية مهارات التفكير الحاسوبي من خلال التركيز على أهمية الخبرة بدلاً من الجوانب المعرفية والسلوكية في تفسير التعلم. وفي دراسته طبق “بوث” التعلم الخبري أسبوعياً حيث طلب من المتعلمين المشاركة في نشاط لحل المشكلات باستخدام التفكير الحاسوبي. وبعد كل درس طلب منهم التأمل في خبراتهم استناداً إلى تصوراتهم حول الفائدة العملية لكل استراتيجية حاسوبية، وتصوراتهم عن استخدام الاستراتيجية، وتصوراتهم عن مدى فاعليتهم حول ما يجب عليهم عمله مستقبلاً باستخدام استراتيجيات حل المشكلات بفاعلية.
3- استراتيجية التعلم القائم على المشروعات Project Based Learning
وفي إطار استراتيجية التعلم القائم على المشروعات رأى “فيليبس” أنه في مقررات الحاسب الآلي يمكن للمعلمين تشجيع طلابهم على التفكير بشكل حاسوبي من خلال تغيير محل اهتمام المشروعات التقنية المطلوبة من الطلاب من التركيز على “استخدام” Using إلى “ابتكار” creating الأدوات والمعلومات. ويتطلب مثل هذا التحول تشجيع الطلاب على ممارسة عمليات تفكير ترتبط بمعالجة البيانات، واستخدام الأفكار المجردة، وكم كبير من مفاهيم علوم الحاسب الآلي (Phillips, 2009, p.1). كما رأي ” فيليبس ” أنه من الضروري بالنسبة للمعلمين طرح أسئلة مختلفة ترتبط بحل المشكلات واستخدام تقنيات الحاسب الآلي من قبيل: ما جوانب القوة والضعف في الذكاء الإنساني والحاسوبي؟ ما مدى صعوبة المشكلة التي تتعامل معها؟ وكيف يمكن حلها؟ وكيف يمكن توظيف التقنية لحل المشكلة؟ وما الاستراتيجيات الحاسوبية التي يمكن توظيفها؟ (Phillips, 2009, p. 1).
4- استراتيجية الأمثلة الداعمة scaffolded examples
في إطار سعيه إلى إدراج وتطبيق مفاهيم ومهارات التفكير الحاسوبي في أنشطة تعليم الحاسب الآلي لطالبات المرحلة المتوسطة في الولايات المتحدة، ركز “ويب” (Webb, 2013) على توظيف استراتيجية تعليمية تعتمد على الأمثلة الداعمة scaffolded examples لتنمية هذه المهارات وتعزيز إحساس الطالبات بالكفاءة الذاتية في الحاسوب. وقد تضمنت الاستراتيجية التعليمية المطبقة العديد من الأنشطة من أبرزها استخدام مفردات التفكير الحاسوبي، وأنشطة التجريد والتنقل بين المستويات المختلفة من التجريد، وتصميم الخوارزميات، وممارسة التفكير الخوارزمي. وقد تم تقديم مفاهيم التفكير الحاسوبي للطالبات معززة بأمثلة داعمة، وكتاب عملي لتوجيههن أثناء أداء الأنشطة التعليمية. وأبرزت نتائج التطبيق الميداني للدارسة طُرق جمع البيانات باستخدام المقابلات الشخصية مع الطالبات والملاحظات الصفية لما يقمن به من أنشطة، واستبيان تم تطبيقه قبل تطبيق الاستراتيجية وبعده، بينت نتائج الدراسة التأثير الإيجابي لاستراتيجية الأمثلة الداعمة في تنمية مهارات التفكير الحاسوبي لدى الطالبات.
5- نموذج “الاستخدام- التعديل- الإبداع” use-modify-create framework
بالإضافة إلى استخدام الاستراتيجيات التعليمية المعروفة، اقترح بعض الباحثين استراتيجيات ونماذج تدريسية خاصة لتنمية مهارات التفكير الحاسوبي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك النموذج التدريسي الذي قدمه لي وزملاؤه” (Lee et al., 2011) والذين طبقوا دراسة على عينة من طلاب المرحلتين المتوسطة والعليا باستخدام نموذج “الاستخدام- التعديل- الإبداع” use-modify-create frame-work وهو نموذج يتضمن 3 مراحل للنشاط المعرفي المصاحب للتفكير الحاسوبي. وقد اقترح الباحثون هنا ثلاث من الخطوات المتمايزة لدعم نمو التفكير الحاسوبي. أولها توصيتهم باستخدام بيئةً حاسوبية ثرية. ثانياً اقترحوا عملية ثلاثية المراحل لإشراك الطلاب في التفكير الحاسوبي وهذه المراحل هي الاستخدام والتعديل والإبداع أو الإنشاء Create (في مرحلة الاستخدام يستخدم المتعلمون الأداة الحاسوبية لحل بعض المشكلات الحاسوبية، وفي مرحلة التعديل modify يتم تعديل الأداة المتاحة لتحسين أدائها الوظيفي ومن ثم السماح بحل مشكلات أكثر تعقيداً، وأخيرا تأتي مرحلة الإنشاء وفي هذه المرحلة يقوم الطلاب بتصميم أداتهم الحاسوبية الخاصة.). أما الخطوة الثالثة فهي التنقل بين مجالات المشكلات، وإعطاء المتعلمين فرصاً لتطبيق مهارات التفكير الحاسوبي المكتسبة من مجال إلى آخر.
مما سبق نجد أن البحوث العلمية قد برهنت على فاعلية بعض الاستراتيجيات التعليمية في تنمية مهارات التفكير الحاسوبي، مثل: استراتيجيات التعلم الحقيقي، والتعلم القائم على المشروعات، والتعلم الخبري، وحل المشكلات، والأمثلة الداعمة. استراتيجيات نطمح إلى توظيفها ونأمل تطبيقها في الميدان التربوي لإتاحة الفرصة للطلاب لممارسة التفكير الحاسوبي. كما نأمل أن يتم تبني مشروع لوضع معايير ومؤشرات واضحة المعالم يتعين على الطلاب بجميع المراحل التعليمية إتقانها، وتكون أساسا لتضمين هذه المهارات في المناهج الدراسية.
المراجع:
• آل كباس، عزة.2016م. بحث تربوي بعنوان دور مقررات الحاسب الآلي في تنمية مهارات التفكير الحاسوبي من وجهة نظر معلمات الحاسب الآلي بمحافظة ينبع.
– Booth, W. A. (2013). Mixed-methods study of the impact of a computational thinking course on student attitudes about technology and computation (Order No. 3567832). Available from ProQuest Dissertations & Theses Global. (1422410095).
– Lee, I., Martin, F., Denner, J., Coulter, B., Allan, W., Erickson, J., Werner, L. (2011, March). Computational thinking for youth in practice. Inroads, 2 (1), 32 -37. doi: 10.1145/1929887.1929902
– Mingo, W. D. (2013). The effects of applying authentic learning strategies to develop computational thinking skills in computer literacy students (Order No. 3558198).
– Phillips, P. (2009). Computational Thinking: a problem-solving tool for every classroom. Communications of the CSTA, 3(6), 12-16.
– Soh, L., Samal, A., Scott, S., Ramsay, S., Moriyama, E., Meyer, G., Moore, B., Thomas, W. G., & Shell, D. F. (2009). Renaissance computing: an initiative for promoting student participation in computing. Proceedings of the 40th ACM Technical Symposium on Computer Science Education, 59-63. doi:10.1145/1508865.1508885.
– Webb, H. C. (2013). Injecting computational thinking into computing activities for middle school girls (Order No. 3576592). Available from ProQuest Dissertations & Theses Global. (1467504763).
– Wing, J. (2006). Computational thinking. Communications of the ACM, 49(3), 33–36.