المقدمة:
تبدأ رحلة الإصلاح من لحظة إدراك المشكلة وأبعادها ولا تنتهي عند الوصول إلى الحلول، بل تستمر حتى بعد تطبيقها بهدف تقويمها والوقوف على مدى نجاعتها في حل المشكلة. كذلك بدأت رحلة إصلاح التعليم في أمريكا عندما أدركت مدى التقدم العلمي لدى العلماء السوفييت والذي مكنهم من الفوز بالسباق نحو الفضاء في عام 1959م؛ عندما أطلق السوفييت سبوتينك (Sputink) أول قمر صناعي؛ حيث أعطى ذلك مؤشراً واضحاً حول تفوق الاتحاد السوفييتي من الناحية العلمية و الصناعية والعسكرية؛ وما يقابله من قصور لدى أمريكا في العلماء والمهندسين؛ في ظل تركيزها المحصور على التقدم والتنافس الاقتصادي ولعل أمريكا حينها أدركت أن من يفوز في الفضاء يفوز في الأرض.
ناقوس الخطر:
شكلت هذه المعطيات تحدياً كبيراً أمام الرئيس الأمريكي رونالد ريغان؛ حيث أن إحداث التغيير في النظام التعليمي الأمريكي -على وجه الخصوص- يعد أمراً صعباً في ظل التنوع الاجتماعي الشديد و غياب مركزية القرار، والمصالح المتباينة للمجموعات ذات العلاقة بمجال التعليم وعلى رأسها نقابات المعلمين.
ومع هذا، وجه الرئيس الأمريكي إلى تشكيل لجنة من خبراء وزارة التعليم تكونت من ثمانية عشر عضواً يعملون في التعليم عُرفت “بالفريق الوطني للتميز”، وذلك للقيام بعمليات تقييم المناهج الأمريكية، مستويات الطلاب، كفاءة المعلمين، ومقارنة حال المدارس الأمريكية بنظيراتها في الدول المتقدمة.
تبع ذلك إصدار هذه اللجنة لتقريرها الذي حمل عنوان “أمة في خطر” عام 1983 في محاولة لبلورة أوجه الخطر الذي تواجهه أمريكا، ومن ذلك:
- حصول الطلاب الأمريكيين على المرتبة الأخيرة في سبع اختبارات عقدت على مستوى الدول المتقدمة.
- تدني متوسط تحصيل طلاب المرحلة الثانوية في العلوم والرياضيات والإنشاء؛ فطالب واحد فقط من بين سبعة طلاب يمكنهم كتابة مقال إنشائي جيد.
- الطلاب الموهوبون في المدارس لا يقدمون نتائج تتفق مع قدراتهم.
- تدني أعداد الطلاب الذين يتمكنون من اجتياز اختبار SAT.
- تدني امتلاك الطلاب لمهارات التفكير العليا كالتحليل والنقد والإبداع؛ وبالتالي العجز في سد احتياج سوق العمل من الأفراد الأكفاء.
- تدني مستويات خريجي الكليات وطلابها وتزايد الحاجة إلى المقررات العلاجية للضعاف.
- تضاؤل أعداد الطلبة المقبلين على دراسة الرياضيات واللغات الأجنبية.
- الفجوة الكبيرة بين ما يتم ادعاؤه من تميز التعليم وبين ما يحدث حقيقة داخل المدارس.
واختزل التقرير مكامن الخلل فيما يأتي:
- محتوى التعليم: وُجد أن المقررات الدراسية تفتقر للترابط و التكامل والأهداف المحددة والواضحة؛ نظراً لما مرت به من عمليات تطوير -على مدى عشرين عاماً- كالحذف والتقديم والتأخير.
- توقعات أداء الطلبة: وجود فجوة بين الأداء الحقيقي المتدني للطلاب وبين التقديرات المرتفعة التي يمنحها المعلمون لهم.
- الوقت المتاح للتعليم والتدريس: أظهرت نتائج الأبحاث أن الطلاب الأمريكيين يقضون أوقات قليلة في الدراسة مقارنة بغيرهم.
- التدريس: عدم جاذبية مهنة التدريس للطلاب المتميزين وبالتالي ضعف كفاءة المعلمين. ويصف ألتباك (1986) حال التعليم آنذاك: ” لقد كان التعليم على الدوام في الولايات المتحدة الأمريكية مهنة محفوفة بالقلق، محدودة المكانة قياساً على مهن أخرى كالحقوق والطب”. (ص380)
وفي ضوء ما سبق قدمت لجنة التميز في التعليم عدداً من التوصيات التي من شأنها الإسهام في إصلاح التعليم الأمريكي ومن ذلك:
- رفع متطلبات تخرج طلبة المرحلة الثانوية؛ بحيث يتوجب على الطلبة التمكن من الرياضيات و اللغة الإنجليزيةو العلوم و الدراسات الاجتماعية والحاسب الآلي.
- تحسين أوضاع المدرسين من خلال رفع كفاءتهم وإعدادهم وزيادة الحوافز المادية والمعنوية.
- وضع برامج للتعليم ما قبل المدرسي في مختلف الولايات الأمريكية.
- تمديد الزمن الذي يقضيه الطلاب في المدارس كل يوم وزيادة أيام الدراسة السنوية لتصبح 240 يوماً بدلاً من 180 يوماً.
وقد حمل هذا التقرير العديد من السمات التي جعلته ذا تأثير عال في عملية إصلاح التعليم في أمريكا؛ حيث أنه خاطب الشعب الأمريكي بشكل مباشر كلبنة أساسية في الإصلاح، وأكد على أهمية الفكر والمعرفة كقوة وسلاح للتفوق والتقدم؛ وكل ذلك جاء من منطلق فهم قادة التغيير في أمريكا لأهمية الوعي الاجتماعي ودور الرأي العام في إنجاح عمليات الإصلاح.
انعكاسات تقرير أمة في خطر على الأمة العربية:
كان لحالة الذعر التي شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه التعليم وما تلاه من عمليات إصلاح انعكاسا واضحاً على الدول العربية بشكل عام وعلى دول الخليج العربي على وجه التحديد.
بدا ذلك التأثير واضحاً في القرارات التي أصدرها المجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج بشأن التعليم والبحث العلمي والذي عُقد في مسقط عام 1985م بهدف وضع خطة مشتركة لتطوير التعليم العام؛ وحمل عنوان “الأهداف والوسائل الكفيلة بتحقيق دور التربية والتعليم في مقابلة احتياجات خطط التنمية والتكامل”، وقدم البيان الصادر عن المجلس في صورته النهائية عدداً من القرارات من أبرزها:
- العمل على تحقيق حد أدنى من التعليم للجميع بتعميم التعليم الأساسي وسن التشريعات الكفيلة بذلك.
- اعتبار مهنة التعليم مهنة تخصصية رفيعة المستوى لن تنجح في أداء مهمتها إلا بحسن اختيار القادرين عليها.
- ربط التعليم الثانوي والعالي بمتطلبات التنمية وذلك عن طريق تنويع المسارات في هاتين المرحلتين حسب حاجة المجتمع الفعلية.
- تعزيز الممارسة الموضوعية للنظام التعليمي لدوره في إسناد الشهادات وتقييم الدارسين.
- تنمية القدرة على الإبداع والتفكير المستقل عن طريق الاهتمام بمهارتي التحليل والاستنباط.
وتم على إثر تلك القرارات انعقاد الاجتماع الأول للجنة رؤساء ومديري الجامعات ومؤسسات التعليم بدول التعاون في عام 1986م والتي مثل الانطلاقة الفعلية لخطط التعاون بين دول المجلس في مجال التعليم والبحث العلمي.
المراجع:
- زيتون، عايش. (2010). الاتجاهات العالمية المعاصرة في مناهج العلوم وتدريسها. عمان: دار الشروق.
- العيسى، أحمد. (2009). إصلاح التعليم في المملكة العربية السعودية. الرياض: دار الساقي.
- التباك، فيليب ج. (1986). أمة في خطر: الجدل حول إصلاح التربية في الولايات المتحدة. مستقبليات: مركز مطبوعات اليونسكو، مج16، ع3، 371 – 385. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/12058
- الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. التعاون في مجال التعليم. مسترجع من https://cutt.us/TkMQj
- الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. قرارات للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بشأن التعليم والبحث العلمي. ط2. 2007م. مسترجع من https://cutt.us/xIeJM
موضوع جيد , ولكن يجب متابعة المستجدات في الوقت الحاضر
كم نحتاج لخطط الإصلاح في حقل التربية والتعليم،
وبصورة خاصّة في كلّ ما يتعلّق بإعداد المناهج الدراسيّة
المتطوّرة، وبرفع مستوى اختيار المعلّمين وتأهيلهم، بالإضافة
إلى تغيير طرائق التعليم من الطرائق التلقينيّة البنكيّة إلى
الطرائق التي تنمّي التحليل والإبداع والحوار المثمر!