مقدمة
ترتبط المستويات المعيارية للخريجين ارتباطاً وثيقاَ ببعض المصطلحات مثل المحاسبية / المساءلة من خلال تحديد مخرجات التعليم والتعلم ومؤشرات الأداء بالمدارس، والتقويم المؤسسي لمكونات المنظومة التعليمية، والجودة الشاملة في التعليم، والاعتماد التربوي للمؤسسات التعليمية.
ويعد مدخل الإصلاح القائم على المستويات المعيارية من أفضل الاختيارات لتحقيق النقلة النوعية في التعليم والاعتماد المهني للمؤسسات التعليمية ومنح التراخيص الخاصة بمزاولة المهنة.
والمستويات المعيارية هي جمل خبرية تعبر عما ينبغي أن يعرفه التلاميذ، و ما يجب أن يكونوا قادرين على أدائه في جوانب المحتوى المختلفة من معارف ومعلومات مفاهيم ومهارات في نهاية المرحلة التعليمية الملتحقين بها، و التي ينبغي أن تقدمها المدرسة لهؤلاء التلاميذ حتى يحققوا مستوى مرتفع من الكفاءة في اختبارات الأداء القائمة على المفاهيم المعارف والعمليات والمهارات المُتضمنة في المستويات المعيارية. (سفيان،2008،12) *([1])
تعرف مخرجات التعلم بأنها مجالات المعارف والمهارات المختلفة التي يكتسبها الخريجون عند إكمالهم لمستوى تعليمي معين، وهي عبارات تصف ما ينبغي أن يعرفه الخريج ويكون قادرا على أدائه ويُتوقع من الخريج إنجازه في نهاية دراسته لمساق دراسي أو برنامج تعليمي محدد. ولتحديد مخرجات التعلم أهمية كبيرة لكافة الأطراف المشاركة في المنظومة التعليمية.
إن من أهم الصفات التي تتمتع بها مخرجات التعلم الجيدة هي الانعكاس المباشر على سلوكيات الطالب ومهاراته بعد انتهائه من دراسة المساقات الدراسية أو البرنامج التعليمي الذي التحق به.
وتصنف مخرجات التعلم وفق مجالات محددة ذات علاقة مباشرة بمتطلبات العصر ومتغيراته من جهة، وبظروف المجتمع والعوامل المؤثرة فيه من جهة ثانية، وبطبيعة ونوعية جوانب التعليم والتعلم في مراحل التعليم المختلفة من جهة ثالثة. و تكون هذه المخرجات مصاغة بأسلوب علمي قياسي وإجرائي، يتيح إمكانية إفادة الجهات المعنية ذات العلاقة بها.
إن إعداد المستويات المعيارية بصفة عامة يتطلب الاعتماد على مجموعة من المنطلقات منها على سبيل المثال:
- التعلم من أجل استدامة التعلم طوال الحياة.
- التعلم من أجل التهيئة للعمل والقدرة على ارتياد المشروعات.
- التعلم من أجل استيعاب الثقافة العلمية والتكنولوجية.
- التعلم من أجل المشاركة في تحقيق التنمية.
- التعلم من أجل غرس القيم الأخلاقية والروحية.
- التعلم من أجل تحقيق الذات للإنسان.) ديلور وأخرون،1999 ،66(
وتشتمل مجالات المستويات المعيارية على فرعين رئيسيين هما:
شكل (1) المجالات الرئيسية للمستويات المعيارية للخريجيين
أولا- البنية المعرفية للمواد الدراسية:
يتضمن هذا الفرع مجالات المواد الدراسية المحورية، وهو يقدم المعايير والمؤشرات للمعارف والقدرات والمهارات والقيم والاتجاهات للخريج في المواد الدراسية المختلفة، والتي تمثل نواتج التعلم المأمول الخروج بها في البنية المعرفية.
ثانيا- المجال العام:
يتعرض هذا الفرع لمجموعة من المجالات العامة لمعايير الخريج، والمعايير والمؤشرات الخاصة بكل مجال. وفي السطور التالية نقدم عرضاً لأمثلة لهذه المجالات على النحو التالي:
– مهارات التفكير:
وتعني مجموعة من المهارات العقلية، التي تُمكن الفرد من التعامل مع المعلومات، وتشغيلها وإنتاج المعرفة، والنقد البناء، وتقديم الحلول الابتكارية للمشكلات غير النمطية، والتفكير الجماعي في ظل العمل التعاوني.
– المهارات الحياتية ومهارات إدارة الحياة:
وتعني المهاراتُ الحياتيةُ السلوكيات والمهارات الشخصية والاجتماعية والأداءات اللازمة للخريجين للتعامل بثقة واقتدار مع أنفسهم ومع الآخرين، ومع المجتمع.
وقد ارتبط مفهوم المهارات الحياتية بمهارات إدارة الحياة، أي بقدرة الفرد على إدارة الأمور المتاحة له في حياته، ومقدرته على التخطيط لمستقبله، وتوظيف أفضل الطرق لإنجاز العمل المكلف به، واضعاً في اعتباره إدارة حياته الشخصية بطريقة مبتكرة.
– التهيئة لسوق العمل وارتياد المشروعات:
و تهدف إلى تمكين الخريج من اختيار مجال مهني معين، والاستعداد للتوظيف الذاتي وفق أساليب علمية تساعده في هذا الاختيار، كالقدرة على تحديد احتياجات البيئة من الخدمات، والمنتجات وإجراء دراسة الجدوى للمشروعات الصغيرة، وتحمل تبعات المخاطرة المحسوبة، لمتغيرات سوق العمل، وممارسة أهم مهاراتها في ضوء قيم العمل. وهذا المجال له علاقة مباشرة بالتعليم الفني و المهني، والذي يعتبر -حاليا- من الحلقات الضعيفة جداً في التعليم، في حين أنه يجب الارتقاء بكل عناصر المنظومة التعليمية التي تعمل به من نظام تعليمي ومدرسة ومنهج ومعلم ومتعلم، بَدْءا بتطوير نُظم الالتحاق بالتعليم الفني وعدم الاعتماد على المجموع فقط، والاعتماد على عوامل أخرى مثل المقابلات الشخصية والرغبات الحقيقية للتلاميذ بالالتحاق بالتعليم الفني، ومروراً بالمدرسة كمؤسسة مختلفة في التعليم الفني والمنهج وتطويره، ليركز على الابتكار والإبداع والمعلم وتطوير تفكيره والطالب وتعليمه كيف يتعلم.
– تكنولوجيا المعلومات والاتصالات:
وهي التي تزود الخريج بالمعارف النظرية والمهارات العلمية، التي تمكنه من التعامل مع أدوات ومصادر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واستخدامها في التعلم وبناء المعرفة، والبحث عن المعلومات وإنتاجها، وإدارتها، والاتصال والتفاعل مع الآخرين، والتخطيط، وحل المشكلات بمهارة ووعي، بما يجعله قادراً على مسايرة التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يتسم به العصر.
– المواطنة والهوية الثقافية والعولمة:
من خلال إكساب الخريج السلوكيات والممارسات والمهارات التي تجعله مواطنا متفتح الذهن، يعتز بوطنه وبهويته الثقافية، ويعي النظم السياسية والقانونية، والنظم العالمية الجديدة، مما يؤدي إلى تكوين شخصية تتمتع بالديمقراطية وتعي ما تحتويه الكلمة من معانٍ، لتعي الصالح العام وتدرك ما لها من حقوق وما عليها من واجبات وتقبلَ الرأي والأراء الأخرى.
– التعلم طوال الحياة:
وهو مجموعة من الجوانب التي تحدد المعارف والمهارات والسلوكيات والوجدانيات التي تجعل الخريج يعرف كيف يتعلم وكيف يكون، وكيف يعمل في عالم يسوده التغيير، وكيف يتعايش مع الآخرين. وهذا المجال من أهم المجالات بالنسبة للخريجين.
– القيم الروحية والأخلاقية:
وهي مجموعة المعايير التي تحكم العلاقة بين الفرد وخالقه، وتكون لديه الوعي بحقيقة الكون والحياة والإنسان، وتُحقق لديه التدين الصحيح، وتُنمي لديه الضمير والمسْؤولية الأخلاقية تجاه الخالق وتجاه نفسه وتجاه الآخرين. (حسين بشير،2012،70)
من الواقعي أن تقدم المؤسسات التعليمية للمجتمع خريجين متعددي المهارات وقادرين على التعلم الدائم، وهذا يتطلب نظامًا تعليميًّا مرنًا وإعدادًا يجعل الخريجين قادرين على التكيف السريع والتأقلم مع التطور التكنولوجي المتسارع، الذي له بالغ الأثر على النظم الاجتماعية والثقافية والمعيشية وعادات الاستهلاك، ومعنى العمل ومكانته.
إن عملية تحسين جودة مخرجات التعلم، تشير إلى النمو المدروس على أسس علمية، وتشمل تنمية شاملة ومتكاملة في كل من الميدان العلمي الأكاديمي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي. ويمكن القول إنها عملية تغيير شاملة مخطط لها تقوم بها المؤسسات التعليمية للارتقاء بمخرجاتها التعليمية، وبما يتفق مع احتياجات سوق العمل، فهي عملية انبثاق وتفجير للإمكانيات الكامنة في الطلبة وذلك من أجل إيجاد وضع أفضل لهم وللمجتمع بما يكفل لهم العيش الكريم.
وتعتمد عملية تحسين نوعية مخرجات التعلم اعتمادًا قويًّا على التخطيط العلمي الممنهج، لكي تصل البرامج المعدة لهم إلى أهدافها ولتخريج طلبة قادرين على مواجهة تحديات الحياة والتغيرات التي تحدث حولهم بشكل إيجابي وفعال ومساعدتهم في التفكير بشكل إيجابي وخلاّق، وتغيير نظرتهم من نظرة سطحية إلى نظرة أكثر عمقًا وبشكل مختلف للحياة من حولهم، وبالتالي تلبية حاجة سوق العمل من الخريجين الأكفاء.
و من الغايات الكبرى لرسالة التعليم إرساء وتركيز مفاهيم التنمية المستدامة لدى الخرّيجين من أجل تنمية الحاضروضمان المستقبل، بحيث تحصل الأجيال الحالية على حقها في التنمية من خلال استغلال الطاقات والموارد المتاحة، مع مراعاة الجوانب البيئية والاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار حق الأجيال القادمة في بيئة وموارد غير مستنزفة.
إن التنمية المستدامة تفرض أيضًا تنميةً للموارد الحالية لتصبح عملية التنمية تنمية مستمرة ممتدة، تهدف تعويض ما تفقده البيئة من عناصر الغنى ورفع كفاءة الموارد المتاحة أيضًا.
التنمية بمفهومها الشامل تهتم بالتحول في البناء الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي والثقافي، وتؤدى إلى زيادة الإنتاج وإشباع الحاجات الأساسية للفرد وزيادة متوسط دخله، وتحقيق مطالبه وطموحاته، وتوسيع خياراته ويعد التعليم الركيزة الأساسية للتنمية الشاملة بصفة عامة، والتنمية البشرية بصفة خاصة.
فثروة المجتمع لا تقاس بمقدار ما لديه من موارد طبيعية ومادية فقط، وإنما تُضاف إليها الموارد البشرية أيضًا، لأن العنصر البشري هو أساس النهضة والتطور المادي للمجتمعات، لذا فإن نجاح سياسات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والتكنولوجية التي تتعامل مع التأثيرات الإيجابية والسلبية لمحركات التغيير، كالفقر والغذاء والتمدن والطاقة وغيرها، مرهون بحسن استغلال واستثمار العنصر البشري في المجتمع. وغالباً ما تُعزى ظاهرة تخلف المجتمعات إلى عدم إيلاء العنصر البشري الاهتمام الكافي، وتزويده بالكفايات والمعارف الضرورية والاتجاهات الإيجابية.
من أهم الموضوعات التي يتم الحديث عنها الآن هي التفاعل بين التعليم النظري والتقني ضمن خطط تنموية متكاملة على مستوى الخدمات التعليمية والاستفادة من المعايير والمقاييس العالمية في هذه المجالات. وتكون هذه السياسات الموجِّهة لبرامج وخطط التعليم وأساليبه بما يتوافق مع حاجة سوق العمل ومتطلباته التقنية الحديثة، مما يوثق العلاقة بين التعليم وخدمة المجتمع ومتطلبات سوق العمل.
و يعد هذا التكامل والترابط عنصراً جوهريًا في تنمية المجتمع وتحقيق التوازن بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل، واستيعاب الأعداد المتزايدة من الخريجين، وحلا مقترحا للارتقاء بمخرجات التعلم بما يتواءم وحاجة سوق العمل.
ولعمل الربط بين المستويات المعيارية ومخرجات التعلم نعرض بعض المقترحات منها على سبيل المثال:
- تركيز التخطيط الأكاديمي بمؤسسات التعليم على بحوث ميدانية علمية شاملة، تُجرى محليًا وإقليميا وعالميا.
- معرفة جوانب القصور والثغرات في مجال إعداد المخرجات التعليمية وأسباب ضعف المنافسة، لتلافي القصور وسد الثغرات ،وذلك لأن الخريجين وذويهم هم المتأثرون من مشكلة البطالة والفشل في المنافسة بالدرجة الأولى.
- إقامة شراكة حقيقية بين أصحاب سوق العمل ومؤسسات التعليم لإنتاج المخرج المطلوب، خاصة في مجالي الموارد البشرية والبحوث.
- تبني المنظمات والهيئات والمؤسسات الأكاديمية برنامجًا بحثيًا دوريًا تُدْرس فيه متغيرات سوق العمل، وسبل مواكبة المخرجات التعليمية لها.
- إشراك التلاميذ فعليًا في عملية صنع القرار، وهو من أهم متطلبات الجودة.
- عمل المزيد من البحوث الميدانية عن مشكلات الخريجين والباحثين ومستوى الكفايات والمهارات التي يمتلكونها، ورضا مؤسسات المجتمع المحلي عن أدائهم في سوق العمل.
- عمل تغذية راجعة دورية للبرامج والمناهج، ودورات التدريب، وفق متغيرات ومتطلبات سوق العمل.
قائمة المراجع
سفيان محمد العثامنة(2008) بناء وتطبيق قائمة مستويات معيارية لتقويم تعلم التلاميذ في مبحث اللغة العربية في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الأساسية، رسالة ماجستير: جامعة الأزهر ،غزة
حسين بشير محمود(2012) نظرة مستقبلية لخريج التعليم قبل الجامعي في ضوء معايير الجودة ، مجلة بحوث ودراسات جودة التعليم ، ع1
جاك ديلور، وآخرون(1999) التعلم ذلك الكنز المكنون،مركز مطبوعات اليونسكو،القاهرة
* (1) تم اتباع أسلوب توثيق جمعية علم النفس الأمريكية (APA ) American Psychological Association الإصدار السادس وفقا للنسق التالي: ( اسم المؤلف، سنة النشر، رقم الصفحة).