مقدمة
اتسمت البشرية في القرن الحادي والعشرين بأشكال مختلفة من الصراعات والأزمات الدينية والعرقية والإقليمية فضلا عن تفاقم الأزمات الاقتصادية والأخطار النووية والبيئية، والتي جاءت نتيجة انفراد مجموعة قليلة من دول العالم بصياغة التوجهات السياسية والثقافية والاقتصادية دون الأخذ في الحسبان التحاور مع أصحاب الخصوصيات الثقافية لدول العالم المختلفة، وقد أدى ذلك إلى العديد من التناقضات المتجددة التي ساهمت في ظهور ما عرف بصدام الحضارات، وصراع الثقافات.
وقد ساعد على تفاقم هذه الأزمات والصراعات غياب لغة الحوار التي تعد مطلباً أساسياً من متطلبات الحياة الاجتماعية وضرورة من ضروراتها، فالحوار هو وسيلة الإنسان للتعبير عن حاجاته ورغباته وأحاسيسه ومشكلاته وهو طريقه لتصريف شؤون حياته المختلفة، كما أنه وسيلة الإنسان لتنمية أفكاره ونشر تجاربه وتهيئتها للعطاء والإبداع والمشاركة في تحقيق حياة متحضرة تقوم على أساس التحاور والتثاقف بدلاً من العنف والتصارع. ولعل معطيات العصر الذي نعيشه اليوم تدعونا أكثر من أي وقت مضى، لضرورة نشر ثقافة الحوار بين الأفراد والمجتمعات والثقافات لنكون قادرين على تحقيق الأهداف الإنسانية السامية التي تقوم على أساس حوار الحضارات بدلاً من صدام الحضارات وقبول التثاقف بدلا من صراع الثقافات، وهذا يتطلب بداية ضرورة الإيمان بمبدأ التنوع الثقافي وتنشئة الأجيال على اساس قبول الآخر، ومن ثم فلا بديل عن التربية على الحوار واحترام التنوع الثقافي باعتباره سبيلاً للتعايش بين الأفراد والمجتمعات.
وإزاء ذلك، كان لابد من الاهتمام بنشر وتعزيز ثقافة الحوار بين طلاب الجامعات لتمكينهم من فهم وقبول الآخر والوصول بهم إلى أن يصبحوا جيلاً مزوداً بثقافة التحاور والتواصل مع الآخر مما يقيهم شر الصراعات، والعنف والتطرف والاختلاف. ولكي تنجح الجامعات في تحقيق هذا الهدف فإن عليها ألا تنظر إلى الحوار على أنه مجرد نقاش أصم بين الطلاب عما يدور حولهم من صراعات داخلية أو خارجية، وإنما توجيههم لاكتساب مهارات ثقافة التحاور التي تعينهم على فهم العالم الذي يعيشون فيه وتمكنهم من التثاقف والتسامح وقبول الآخر.
ولا شك أن تأكيد احترام التنوع الثقافي والحضاري وغرسه في المكونات الفكرية لطلاب الجامعة أمر ضروري، من منطلق أن التباين والاختلاف سنة إلهية، لكن الاختلاف ليس بالضرورة أن يكون نزاعا أو صراعا وإنما هو لتبادل المنافع والخيرات والرأي والفكر وبهذا يمكن لجامعة القرن الحادي والعشرين أن تلعب دورا حاسما في تعميق الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان من خلال غرس قيم الحوار في نفوس الطلاب لفهم الاختلافات بين الثقافات، وتشجيعهم على الحوار فيما بينهم داخل الجامعة وداخل المجتمع وبين سائر المجتمعات الأخرى.
من هذا المنطلق استهدفت هذه الورقة العمل على تعزيز ثقافة الحوار لدى طلاب الجامعة لفهم العالم الذي يعيشون فيه وتقليل فرص الصراع والصدام بينهم وبين غيرهم من ابناء الثقافات المختلفة، ولتحقيق أهداف هذه الورقة سنتناول المحاور التالية:
- المحور الأول: ثقافة الحوار مفهومها خصائصها مقوماتها وأهميتها ومعوقاتها.
- المحور الثاني: دور الجامعة في تعزيز ثقافة الحوار بين الطلاب.
المحور الأول: ثقافة الحوار مفهومها خصائصها مقوماتها وأهميتها ومعوقاتها
الحوار هو نتاج عقلية جماعية تؤمن بالآخر وجودا ورأيا وقرارا وتأثيرا، عقلية لا ترضى إلغاء الآخر ولا تسعى للسيطرة عليه فكراً وسلوكاً، عقلية لا تحتكر العلم والمعرفة دون الآخر بل وتسعى لمشاركة الآخر عن طريق تقديره واحترام رأيه ومحاولة فهمه من أجل دوام الصلة معه، وبالتالي فإن للحوار دوراً فاعلا في ترويض النزاعات وسوء الفهم بين الناس وتليين صلابة موقفهم كي يبنوا عقولهم على التسليم بنسبية الآراء وعدم إطلاق المعرفة وقابلية الرأي للمراجعة والتعهد بنبذ الأحكام المسبقة نحو الآخر.
إن الحوار يمكن أن يكون مع الآخر وبالتحديد مع الآخر المخالف بعد أن يترسخ الحوار مع النفس. لذلك فإن الحوار الذاتي والنقد الذاتي والمحاسبة الذاتية هي التي تبني المنهجية الحوارية عند الإنسان والتي تقبل الآخر ورأيه وتسعى لشرح وجهة النظر وتوضيح الأدلة والبراهين التي تقوم عليها تلك الوجهة، ثم إن الحوار يتطلب الانفتاح على الطرف الآخر لفهم وجهة نظره من أجل الوصول إلى درجة التفاهم معه، ولذلك فإن الحوار هو الطريق إلى استيعاب وجهات النظر تلك والأدلة والبراهين الداعمة لمواقف الطرفين المتحاورين من أجل تفاهمهما.
1- مفهوم الحوار
الحوار مفهوم من المفاهيم التي إذا ما وجدت في أي مجتمع فإنه يشير إلى الرقي الذي وصل إليه ذاك المجتمع، والحوار حاجة إنسانية تتمثل أهميتها باستخدام أساليب الحوار البناء، لإشباع حاجة الإنسان للاندماج في جماعة والتواصل مع الآخرين، فالحوار يحقق التوازن بين حاجة الإنسان للاستقلالية وحاجته للمشاركة والتفاعل مع الآخرين. وفيما يلي سيتم تناول الحوار من حيث مفهومه وخصائصه، وأهدافه، ومقوماته، وآدابه، ثم ذكر معوقاته.
-
الحوار في اللغة
المحاورة تعني مراجعة الكلام في المخاطبة (ابن منظور) وتحاوروا: أي تراجعوا الكلام بينهم.
وعند تتبع المعنى اللغوي للفظ الحوار يلاحظ أنه يدور حول المجاوبة ومراجعة الكلام بين قائليه، حيث يُرجِع المتحاورين الكلام على الطرف الآخر.
-
الحوار في الاصطلاح
يشير معنى الحوار إلى أن هناك حديثا بين أكثر من طرف أحدهم يتحدث والآخر يبادله الكلام ويراجعه فيه ويرد عليه في جو من الهدوء وضبط النفس دون تعصب أو غضب أو مصادرة الرأي الآخر. وهذا يعني أن الحوار هو نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب.
والحوار في اصطلاح أهل التربية هو “أن يتناول الحديث طرفان أو أكثر عن طريق السؤال والجواب، بشرط وحدة الموضوع أو الهدف فيتبادلان النقاش حول أمر معين، وقد يصلان إلى نتيجة وقد لا يقنع أحدهما الآخر ولكن السامع يأخذ العبرة ويكون لنفسه موقفا”، وهذه التعريفات للحوار تتفق على: أن الحوار حديث يدور بين طرفين أو أكثر، وأن الحوار يدور حول موضوع واحد، وأن للحوار هدفاً محدّداً، وأن الحوار له ضوابط وآداب متعارف عليها.
ويمكن أن نعرف الحوار بأنه محادثة بين طرفين أو أكثر حول قضية معينة لتبادل الأفكار والآراء بحيث يدعم كل طرف رأيه بالأدلة والحجج وصولاً للحقيقة بعيداً عن التعصب والغضب بحيث يراعي كلا الطرفين الأساليب التربوية والعلمية والاجتماعية لقبول رأي الطرف الآخر.
وللحوار أركان ثلاثة هي (المحاوِر، المحاوَر، موضوع الحوار) فالمحــاوِر هو الذي يقود الحوار وينظمه، والمحاوَر هو الطرف الآخر المشارك في الحوار، أما الموضوع فيقصد به القضية المراد التحاور حولها.
وقد ورد مصطلح الحوار في القرآن الكريم ليدلل على ما ذهبنا إليه، ففي سورة الكهف ” فَقَالَ لِصَٰحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرهُۥ أَنَا أَكثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرا” الآية: ٣٤:”، وقَالَ لَه صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرتَ بِٱلَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَاب ثُمَّ مِن نُّطفَة ثُمَّ سَوَّىٰكَ رَجُلا” الآية ٣٧ ” الكهف
وفي سورة المجادلة قال تعالى:” قَد سَمِعَ ٱللَّهُ قول ٱلَّتِي تُجَٰدِلُكَ فِي زَوجِهَا وَتَشتَكِيٓ إِلَى اللَّهِ وَٱللَّهُ يَسمَعُ تَحَاوُرَكُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعُ بَصِير” الآية : 1
2- الأهداف العامة للحوار
- إظهار الحقائق، دون إلزام الآخرين بتبنيها أو الأخذ بها قسرا، وإلغاء رأي الطرف الآخر، كما أنه ليس من لوازم الحوار الوصول إلى أتفاق ما، لكن اللازم هو ألا يؤدي الحوار إلى الصراع والفرقة والنزاع.
- ومن أهداف الحوار أيضا الرقي بالذات: فالفرد عندما لا يفكر إلا في ذاته ويغفل غيره أو يسعى إلى إلغائه فإن ذلك يؤدي إلى سلوك عدواني تجاه الآخر، وعندما يكون هناك حوار هادف مع الآخر واحترام لرأيه، فإن ذلك يسهم في إصلاح الذات وتخليصها من العدوانية والأنانية والاستبداد.
- تصحيح المفاهيم: فالحوار وسيلة ناجحة لتصحيح المفاهيم المشوهة والأفكار المنحرفة التي سرعان ما تندثر وتزول في أروقة الحوار الحر البناء.
- الحرص على حل النزاعات والخلافات وهو يعد من أبرز أهداف الحوار متى ما كانت هناك رغبة صادقة من جميع الأطراف على هذا الهدف السامي.
وتبرز أهمية الحوار في أنه يعد من أفضل الوسائل في الإقناع وتغيير الاتجاه الذي يدفع إلى تعديل السلوك، فالحوار يؤدي إلى ترويض النفوس، وتعويدها على تقبل النقد واحترام الرأي الآخر، ودعم النمو النفسي والتخفيف من مشاعر الكبت وتحرير النفس من المشاعر العدائية والقلق من المستقبل كما أنه يعد وسيلة علاجية لكثير من المشكلات التي يصعب حلها بالطرق التقليدية.
3- شروط الحوار الجيد
- الاتفاق على المنطلقات الثابتة والقضايا المسلمة: وهذه الثوابت يكون مرجعها أحيانا ً العقل فلا يقبل النقاش بها عند العقلاء كحسن الصدق وقبح الكذب، وقد يكون مرجعها الدين فلا يختلف عليها المعتنقون لهذه الديانة. وبالوقوف عند الثوابت والمسلمات والانطلاق منها يتحدد من يريد الحق ومن يريد المراء والجدال وتضييع الوقت بلا فائدة.
- الالتزام بآداب الحوار: إن الالتزام بآداب الحوار يدل على الوعي التام والتحضر الاجتماعي لدى طرفي الحوار، كما أن ذلك يكفل للحوار النجاح، وتحقيق الأهداف المنشودة، وعكس ذلك يؤدي إلى إلغاء الحوار أو عدم تحقيق الأهداف التي ينشدها طرفي الحوار.
- بناء الحوار على الفرضيات والنظريات: ومعنى ذلك: أن الحوار لابد أن يستند إلى المسلمات ويعتمد على الثوابت سواء أكانت دينية أم قيماً اجتماعية كالعدل والتعاون والمساوة، أم قيماً أخلاقية كحب الصدق، وقبح الكذب.
- تحديد الهدف: ويتضمن تحديد الهدف تحديد القضية التي حولها الحوار، فليس من اللائق أن يدخل المحاور في الحوار وليس لديه استعداد مسبق عن الموضوع والمعلومات الأساسية المتعلقة به، بل قد يزداد الأمر سوءاً حينما يدخل بمعلومات خاطئة.
4- معوقات الحوار
▪ الحوار عملية تواصل بين الأفراد والجماعات، وهذا التواصل قد يتعثر، فلا تتحقق الأهداف المنشودة من الحوار، ويصبح الحوار عقيما ً قليل الفائدة؛ وذلك بفعل العديد من العوائق التي قد يقترفها أحد طرفي الحوار والتي قد تؤدي إلى إفقاد الحوار جدواه، ومن ثم لا تتحقق أهدافه، ومن هذه المعوقات:
▪ الإطناب في الكلام: ويعني اهتمام المحاور بالصياغة اللفظية لفكرته، والتكلف في استخدام البيان والبديع كالجناس والطباق.
▪ عدم الإنصات إلى المتحدث، ومقاطعته، والاعتراض عليه قبل إتمام كلامه، وعرض حججه وأدلته.
▪ إخفاء جزء جوهري عن الحقيقة حيث يعمد المحاور إلى إخفاء جزء جوهري من الحقيقة المعروضة لفرض التعمية على الطرف المقابل، أو إخفاء الحقيقة كي لا ترى بوضوح أو تدرك جميع عناصرها الداخلية.
▪ يضاف إلى ذلك أيضاُ الغضب والانفعال، والتعصب الشديد للأفكار: ويقصد به جمود المحاور على فكرة معينة واستبساله في الدفاع عنها، رغم وضوح الخطأ، فلا يقبل النقاش حولها، وهو من أكبر العوائق والآفات الفكرية التي تفسد الحوار وتفقده قيمته.
▪ ومن عوائق الحوار أيضاً التهكم والسخرية بالطرف المحاور حيث قد يؤدي ذلك إلى تبادل الشتائم والسباب، وخروج الحوار عن مساره والهدف منه إلى أمور لا تحمد عقباها.
5- مقومات ثقافة الحوار
- الاعتراف بوجود الآخر والإيمان بحق الآخر في الاختلاف. بل إن من مقومات الحوار احترام الآخر والاعتراف بحقه في حرية التعبير عن آرائه ومعتقداته فالحوار لا يسعى إلى ترسيخ القناعات الذاتية أو محاولة إقناع الطرف الآخر بها، بل إنه ينبغي أن يكون محاولة لإيجاد مساحة مشتركة بين الطرفين ثم البناء عليها من أجل ترسيخ معاني التفاهم.
- أن يكون الهدف الأسمى له إحقاق الحق والوصول إلى الحقيقة بغض النظر عمن طرحها أولا، لذلك فلا بد أن يتخلص الطرف المحاور من كل مفردات التخوين والنفي والإقصاء والتعالي وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.
- الانطلاق من النقاط المشتركة بين طرفي الحوار كي يسير الحوار بإيجابية دون شعور طرف بالانتصار على الطرف الآخر والتأكيد على ضرورة نشر قيم الاعتدال والوسطية والتسامح بين المتحاورين والاستعداد لقبول الآخر.
- القناعة بأن الحوار هو الأسلوب الحضاري الراقي لمعالجة مختلف القضايا والمشكلات، بل إنه المنهج الوحيد الناجع لحل الإشكاليات، ذلك أنه ينطلق من عدم احتكار الحق أو الحقيقة وأن الوصول إلى الصواب يتم عن طريق التفاعل مع أبناء مجتمعه أو غير مجتمعه وتلاقح أفكاره مع أفكار الآخرين.
6- آداب الحوار
المقصود بآداب الحوار مجموعة المعايير السلوكية التي يلتزمها المشاركون في الحوار من أجل الإبقاء على علاقات التفاهم والاحترام والتعاون بينهم مهما اختلفت أفكارهم ووجهات نظرهم حول موضوع الحوار، وهو ضروري لنجاح الأطراف المشاركة في إنجاز الهدف من الحوار، وبدون هذه الآداب يفتقد الحوار أهدافه التي تدعو إلى الوحدة والتآلف وتتحول علاقة المتحاورين إلى الصراع والشحناء والعداوة. وهناك مجموعة من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المتحاورون في كل مرحلة من مراحل الحوار وهي على النحو التالي:
-
مجموعة الآداب التي يتحلى بها الفرد قبل البدء بالحوار
- تكوين معرفة مسبقة عن الطرف الآخر: فالمحاور الفطن هو الذي يدرس شخصية محاوره، ويعرف كل ما يتعلق به فيعرف ظروفه، وقدره، ومنزلته، وعلمه، وأحواله، ومن ثم يختار الطريقة المناسبة لمناقشته ومحاورته.
- الحرص على مطابقة القول للفعل فعلى المحاور أن يكون قدوة حسنة، ويطبق ما يقوله لتكون حجته قوية، فالمحاور الناجح هو الذي يعطي القدوة الحسنة، والمثل الأعلى، حتى يتمكن من إقناع الآخرين بآرائه، ومتى ما وافق قوله عمله فإنه يكسب احترام الآخرين ومحبتهم، وهنا يستطيع تصحيح أخطائهم.
- صدق النية في الوصول للحقيقة والبعد عن الرياء والسمعة، وحب الظهور والتفوق على الخصم، أو الانتصار للنفس، أو البحث عن الإعجاب والثناء، بل يكون هم المتحاور الوصول إلى الحق وإيصال ذلك من خلال الحوار الهادف إلى جميع الناس.
- الإلمام بموضوع الحوار ومادته ومسائله ومعرفة الردود والأجوبة القوية لمواجهة الشبهات والموازنة، والاستنباط، والاستدلال، والترجيح بين الأدلة المختلفة، وعلى المحاور أن يعد مادته إعداداً جيداً، فلا يتكلم بغير علم بل يكون لديه تصور واضح عن موضوع الحوار، والبعد عن إثارة الطرف الآخر.
-
مجموعة الآداب التي يجب التحلي بها أثناء الحوار
- إقامة الحجة بالدليل: عندما يجادل المحاور في مسألة فعليه أن يستحضر الحجج والبراهين التي تؤيد ما يقول والتدليل على كلامه بالأمثلة ليقرب الفكرة لفهم الطرف الآخر.
- الالتزام بالوقت المحدد: فيجب على المحاور أن يلتزم بالوقت المحدد له، وألا يستأثر بالكلام على حساب وقت الطرف الآخر.
- الإنصاف: ويعني ذلك أن يبدي المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة لدى الطرف الآخر وأن يعطي المحاور حقه من الاحترام والتقدير كما أن المحاور سيكون أكثر إعجابا ً بمحاوره كلما ازداد إنصافاً.
- البدء بنقاط الاتفاق وتأجيل نقاط الاختلاف، حيث ينبغي على المحاور أن يبدأ حواره بما يتفق عليه هو ومحاوره، فيبدأ بالمسلمات والبديهيات ثم التدرج إلى مواطن الخلاف، فهذا من شأنه توثيق الصلة بين المتحاورين، ويقلل الفجوة فيما بينهم لأن البداية بمواضع الخلاف قد ينسف الحوار من البداية أو على الأقل يكدّر الخواطر ويؤدي إلى التصادم وإلى نتائج لا تحمد عقباها.
- تحديد المصطلحات بدقة: فينبغي على المحاور تحديد معاني بعض المصطلحات التي ترد في موضوع الحوار، فقد يختلف مفهومه لهذا المصطلح عن مفهوم الطرف الآخر، مما يؤدي إلى الخلاف.
- التدرج في الحوار والبدء بالأهم فالمهم: إن معرفة الأهم، والبدء به، وتحديده بوضوح، يسهل الطريق ويختصره في الوصول إلى الحق.
- حُسن الخلق: وهو يعني أن يلتزم أطراف الحوار بحسن الإصغاء، والهدوء، وضبط النفس، وتجنب الهزل وتجنب أسلوب الطعن واللعن والتجريح والاستهزاء والسخرية والاحتقار والاستفزاز، والتحلي بالتواضع والعفو والتسامح مع الآخرين، والإقبال على المحاور والتبسم له، وإبداء الإعجاب بالأفكار الصحيحة التي يبديها المحاور.
-
الآداب التي يجب أن يتحلى بها الفرد عقب الحوار
▪ الرجوع إلى الحق والاعتراف بالخطأ: إن من أهم الآداب التي ينبغي للمحاور أن يتميز بها، أن يكون الحق هو ضالته، والتسليم بالخطأ خلال الحوار أو في نهايته يحتاج إلى شجاعة أدبية، وقوة نفسية، لأن الرجوع للحق يكسب صاحبه احترام الآخرين وتقديرهم.
▪ تجنب إظهار الإعجاب بالنفس: بعد انتهاء المحاورة يخرج أحد الطرفين منتصراً فيها، وهنا يشعر بالسعادة وهذا أمر طبيعي، أما التحول إلى الإعجاب بالنفس، فمن أشد الآفات ضرراً بصاحبه، كما أنه يمنع صاحبه من الاعتراف بالحق عندما يكون مع غيره.
المحور الثاني: دور الجامعات في تعزيز ثقافة الحوار
تتبوأ الجامعة منذ القدم مكان الصدارة في المجتمع فهي مركز إشعاع لكل جديد من الفكر والمعرفة والمنبر الذي تنطلق منه آراء المفكرين والأحرار والفلاسفة ورواد الإصلاح والتطور، والجامعة مؤسسة اجتماعية تؤثر في الجو الاجتماعي وتتأثر به، فهي مصنع قياداته الفنية والمهنية والسياسية والفكرية، وتسهم في حل المشكلات ومواجهة التحديات ومتطلباته، وهي تساعد الدول النامية على اللحاق بركب الحضارة الحديثة، وهي قائدة التطور والتقدم وتأصيل القيم والمبادئ.
وإذا كنا قد تحدثنا فيما مضى عن الحوار كمبدأ إنساني حضاري له أكبر الأثر في منع النزاعات والصراعات، وقادر على تقريب الأفكار والمسافات وينسج أواصر التعاون والتفاهم، مما يساعد على بناء أسس حوار حضاري مثمر وبناء. فإنني أحسب أن الحديث عن تنمية ثقافة هذا الحوار لا يمكن أن يتم بمعزل عن الحديث عن دور الجامعات في بناء وتنمية وتحقيق الفكر الذي يقود إلى هذا الحوار، من خلال تزويد الطلاب بالمعرفة والمهارات والقيم الثقافية المشتركة التي يولدها الحوار، حتي يتمكنوا من التفاعل بوعي مع الواقع العالمي الذي يعيشونه، وعلى هذا النحو يمكن لجامعة القرن الحادي والعشرين أن تلعب دورا حاسما في غرس قيم الحوار وتعميق الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، آخذة في اعتبارها الاحتياجات الحقيقية والمستقبلية وفقا للقيم الإنسانية المشتركة.
وإذا كانت أهم التحديات التي يفرضها القرن الجديد على رسالة الجامعة تبدو بوجه خاص في إعداد أفراد قادرين على اكتساب المعرفة والمعلومات المتجددة بشكل مستمر، وإعداد أفراد قادرين على التفكير الحر الذي يعد أساساً لتحقيق الذات وفهم الآخر، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم بمعزل عن تنمية ثقافة الحوار، مما يوجب على الجامعة أن تعمق رؤية ثقافية معاصرة تؤكد على تفاعل الثقافات وتحاورها بدلا من صراع الحضارات وتصادمها، وبذلك تصبح هذه الثقافة القائمة على الحوار مكونا دائما وأساسياً من مكونات التعليم الجامعي.
وفى ظل البيئة الدولية الحالية التي تدعم الصراع بين الثقافات وتدعو إلى التصادم بين الحضارات، تبرز أهمية دور الجامعات في الاستجابة لتحديات هذه البيئة، وقدرتها على المساهمة في تقبل الاختلافات والقدرة على التفاعل العالمي في جو من التقبل والحوار بدلا من التصادم والصراع، ولذلك سنقدم بعض المقترحات التي يمكن أن تسهم في تحقيق الفكر الداعم لثقافة الحوار والتي يمكن تلخيص أهمها فيما يلي:
- الاعتماد على استراتيجية الحوار والمناقشة مع الطلاب بما يعمل على تحفيز القدرات الفعلية وتنشيط القدرات التعبيرية لديهم، والحرص على تدريب الطلاب على استخدام منهج الحوار في كافة تعاملاتهم الإنسانية، إلى جانب تكريس أدبيات الحوار وأخلاقياته لديهم مما يحميهم من آفة التعصب للرأي، بل ويدفعهم نحو تقبل الاختلاف والتباين في الآراء والتوجهات، بما يحقق مجتمعا مؤمنا بأهمية وقيمة الحوار بكافة أنواعه، كما أنه من خلال ذلك يمكن الكشف عن توجهاتهم الفكرية وتقويم المنحرف منها.
- التأكيد على غرس قيم الوسطية والاعتدال والتوازن في الفكر والسلوك والتصور والمعتقد، والحث على تطبيقها في كافة شؤون الحياة الجامعية وغير الجامعية بما يقيهم من الوقوع في الغلو والتطرف الذي يعد طريقا للانحرافات الفكرية والسلوكية، وفي ذلك تأكيد على أهمية دور الجامعة في تربية الطلاب على مفهوم الوسطية في جميع مناحي حياتهم بدءا من الاعتقادات والعبادات ومروراً بالأخلاق والسلوكيات والمعاملات.
- ترسيخ ثقافة التسامح لدى الطلاب بما يحميهم من آفة التعصب للرأي أو لفكر أو لمذهب بما يؤهلهم لقبول التنوع والاختلاف، إذ أن مفهوم التسامح هو المفهوم الأجدر نشره في عقول الطلاب داخل المؤسسة الجامعية، ذلك أن سلوك التعصب، والغلو، والعنف، والتطرف هو السلوك الأكثر رفضا للتسامح، فمفهوم التسامح لا يمكن له أن يجتمع مع مفهوم التعصب، فالعقلية التي تربت على التسامح ومارسته سوف يتكون لديها مناعة ذاتية في رفض الأفكار المنحرفة ولفظها وعدم قبولها.
- تكليف الطلاب بإجراء أبحاث علمية متعلقة بقضايا الحوار ومقوماته وقضايا الانفتاح على الآخر والمرونة والسعة وضوابط التواصل مع الآخر، فالأولويّة والاعتبار ينبغي أن يكونا للضوابط التي تقوم على مراعاة المبادئ الممكنة للتواصل والابتعاد عن الأفكار المؤدية للاضطهاد والتعدي وتشويه الثقافات الأخرى.
- توجيه الطلاب نحو الاطلاع على الدراسات والأبحاث وحضور الندوات واللقاءات التي تكرس لديهم ثقافة الحوار، وقبول الآخر والتواصل معه، بما يضمن سعة اطلاعهم وبما يؤسس لديهم لمرونة فكرية ومهارات تحاورية تعينهم على مواجهة ما يعترضهم من فكر متطرف.
- التركيز على الأنشطة الطلابية التي تدعم وتعزز قيم الحوار بين الطلاب، وتدربهم على قبول الآخر، وتتيح الفرصة للكشف عن ميولهم ورغباتهم واهتماماتهم واحتياجاتهم، مع العمل على توجيهها لترسيخ ثقافة الولاء والانتماء، بما يؤسس لتكوين مناعة مضادة لتلقي أي أفكار هدامة، لذلك كان من أهم الأدوار التي تقع على عاتق الجامعة كمؤسسة تربوية تعزيز الانتماء الوطني لدى الطلاب ليكون حائط صد ضد أي محاولات للنيل من أمن الوطن.
- إفساح المجال للطلاب للتعبير عن آرائهم، والمبادرة في مساعدتهم على حل مشكلاتهم بالطرق العملية والفكرية، منعا من تفاقمها وتراكمها بما يوقعهم في شباك الانحرافات الفكرية والسلوكية المدمرة.
- مساعدة الطلاب على اكتساب مهارات الوسطية في التعامل مع الآخر، الاعتراف بالآخر، واحترام الكرامة الإنسانيّة، والانفتاح المتوازن على الآخر. كما ينبغي تجاوز الاجتهادات الفكريّة والفقهيّة التي تعمّق الفجوة مع الآخر، وتروج للصدام والصراع باعتباره الأصل في العلاقة مع الآخر.
- الحرص على تبادل الزيارات بين طلاب الجامعات في الدول التي تنتمي لثقافات مختلفة وإجراء الحوارات والمناظرات بين طلاب هذه الجامعات من أجل التعرف على الأفكار والمعتقدات السائدة في هذه المجتمعات مما يقرب التفاهم والتعرف على الاختلافات الثقافية ودور هذه الثقافات في بناء الحضارة الإنسانية، و يقلل من فرص الصراع والنزاع بين هذه الثقافات.
هذه بعض المقترحات التي يمكن أن تؤسس استراتيجية لتعزيز ثقافة الحوار بين طلاب الجامعة مع التأكيد على الجمع بين هذه الأساليب وترجمتها لواقع فعلي حتى تتحقق الاستفادة منها، واعتبار أن مشاركة أعضاء هيئة التدريس في تحقيق هذه الاستراتيجية مسؤولية وطنية في المقام الأول قبل أن تكون وظيفة من وظائف الجامعة.
المراجع
- القرآن الكريم.
- ابن منظور، محمد بن مكرم (2012) لسان العرب، بيروت، دار صادر.
- جارودي، روجيه (1978) من أجل حوار بين الحضارات، ترجمة عادل العوا، بيروت: منشورات عويدات.
- جمعة، فاطمة علي سعيد (2008م) ثقافة الحوار لدى طلاب كليات التربية في مصر، مجلة دراسات في التعليم الجامعي، مصر، ع (18)، 425-489 .
- الخميسي، السيد سلامة (2005م) الضبط الاجتماعي في المجتمع العربي من منظور تربوي، (ط1)، مكتبة الرشد، الرياض.
- زمزمي، يحيى بن محمد (2009) الحوار وآدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة، (ط3)، دار المعالي، عمان.
- صالح، علي محمد جبران (2007) إنماء ثقافة الحوار بين طلبة الجامعات، مؤتمر الدور الثقافي في الجامعات الأردنية جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا، 2-3 مايو
- عبد الجواد، محمد أحمد (2015) الإدارة بالحوار، ط 2 القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية.
- الأنصاري، عبدالحميد (2017)، “ثقافة الحوار.. كيف نفعلها؟”، صحيفة الأيام البحرينية، العدد 10268.
- جمعة، حسين (2008) “ثقافة الحوار مع الآخر”، مجلة جامعة دمشق،و العدد 3، المجلد 24.
- القحطاني، فاطمة (2011)، الحوار الذاتي مدخل التواصل الإيجابي مع الآخرين، الرياض: مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني.
- ياسين، السيد قواعد وأخلاقيات الحوار الثقافي مع الآخر، روجع بتاريخ 21/1/2017 http://www.mokarabat.com/m
- الشاماني، سند بن لافي(2012)، دواعي تعزيز ثقافة الحوار في برامج اعداد الطالب المعلم بجامعة طيبة، مجلة كلية التربية جامعة المنصورة، ع 79 ج 2.
- التطاوي، عبد الله (2015) الحوار الثقافي مشروع التواصل والانتماء، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية.