يشهد عالم تدريس اللغات و تعليمها تطورات دائمة مستمرة تستمد زخمها من الرغبة الجادة الصادقة في إيجاد أفضل السبل وأكثرها فاعلية في مساعدة المتعلمين على اكتساب اللغة التي يدرسون بكيفية تمكنهم من حصد الفائدة القصوى من إتقان هذه المَلكة. هذا و نجد هذه الرغبة لدى كلٍ من المعلمين و المتعلمين على حد سواء. و في معرض استعراض مسار التطور هذا، نرى أنّ عالم تدريس اللغات و تعليمها بدأ منذ العام 1960 على يد عالم اللغات الكبير نعوم شومسكي (Noam Chomsky) الذي ينظر إلى اللغة من منظور تواصلي بحت، كونها هي و الغرض الأساس المرجو منها هو الاتصال و التواصل بين الأفراد الذين يشتركون بلغة واحدة. ويركز النهج التواصلي في تدريس اللغات على الكفاءة و أداء للمهارات اللغة التواصلية الأربع : ألا و هي القراءة و الكتابة و الاستماع و الكلام. واستمر تأثير هذا النهج على طرق تدريس اللغات داخل الصفوف إلى التسعينات من القرن العشرين، و هناك من يرى أنّ ذروته كانت في الثمانينات منه.
أما مع حلول الألفية الثانية فقد ظهر أسلوب جديد لتدريس اللغات مع كتاب مناهج وطرق تدريس اللغة عام 2001 للكاتبين ريتشردز و رودجرز. و من هنا بدأت مرحلة ما بعد المنهج التواصلي. ومع بدء هذه المرحلة، عفا الدهر على تدريس المهارات الأربع ( القراءة و الكتابة و الاِستماع و الكلام ) و حلّ محله التركيز على التواصل بأساليب ثلاث.
فما هي هذه الأساليب التواصلية الثلاث؟
تنص توصيات المجلس الأمريكي لتدريس اللغات الأجنبية (ACTFL) على وجود ثلاثة أساليب أو أنماط للتواصل باستخدام اللغة، و إنّ على معلمي اللغات التدريس و فقا لها.
– النمط الأول: التواصل البيني ( أي بين الأشخاص)
في هذا النمط من التواصل، يشارك الأطراف في التواصل بشكل مباشر و آني عن طريق الكلام فالاستماع إليه متبوعا بالرد، أو الكتابة فقراءتها متبوعة بالرد عليها. وهكذا نرى أنّ هذا النمط من التواصل لم يعد مقتصرا كما كان الحال في الماضي على التواصل بالكلام المسموع، بل إنّ التواصل نصيا يمكن أنْ يًدرج ضمن هذا النمط أيضا إذا ما توفر شرط المشاركة المباشرة الآنية، و هذا هو بالضبط ما يحصل في يومنا هذا عند استخدام الأجهزة الإلكترونية (الهاتف أو الحاسوب أو الألواح الإلكترونية) للتوصل عبر خاصية الرسائل القصيرة أو وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى الرسائل الإلكترونية أحيانا ( في حال استيفاء كافة الشروط). كما يجدر الإشارة إلى أنّ هذا النمط يتطلب مشاركة شخصين على الأقل.
– النمط الثاني: التواصل التقديمي
و في هذا النمط من التواصل يعمد المُشارك إلى تقديم المعلومات و الأفكار و المفاهيم للمتلقي عن طريق الكلام أو الكتابة، كما يندرج التمثيل الصوري أيضا ضمن هذا النوع من التواصل. و من المفيد هنا رُبما أنْ نلاحظ أنّ التواصل التقديمي هو في حقيقة الأمر جزء من التواصل البيني. و الفرق هنا بين النمطين الأول و الثاني هو إنّ النمط الثاني (التواصل التقديمي) لا يشترط مشاركة المتلقي. ومثال ذلك: إلقاء الخطب و التقديمات الصفية أو إعطاء المحاضرات و طبعا الكتابة بأنواعها ( قبل أن تُقرأ).
– النمط الثالث: التواصل التفسيري
و هنا يحاول المتلقي تفسير الرسالة اللغوية (المسموعة أو المقروءة) و\ أو الصورية التي وصلته ضمن السياق الملائم لها. و هنا أيضا نرى أنّ شرط التواصل المُباشر الآني ليس ضروريا (خلاف ما كان عليه الحال عند الكلام عن النمط الأول : التواصل البيني ).
القراءة و فهمها، أو الاستماع و تفسيره اللذان قد يكونا مصحوبين بالمشاهدة وإِدراك معاني ما يُرى: كل هذه هي أمثلة على هذا النمط من التواصل.
بعد الاِطلاع على هذا التفسير المختصر لأنماط التواصل الثلاث، نرى أنّ مهارات الكلام و الكتابة و الاستماع كانت و مازالت في الحقيقة تمثل العمود الفقري والمكون الأساس لدراسة اللغات و تدريسها. و الجديد في الأمر هو ضرورة أنْ يركز معلمو اللغات على الجانب الآخر لهذه المهارات. فالأمر لا يقتصر على الكلام دون فهمه و الرد عليه و لا على الكتابة دون استيعاب مكنونها. أضِف إلى ذلك أهمية إدراج المعطيات و الرسائل البصرية كمصدر للمعلومات، يُستخدم لغرض الوصول إلى المعنى كاملا و بالتالي الرد عليه ردا مناسبا لائقا. إذ أنّ سماع جملة “الجوّ بارد اليوم!” مصحوبا برؤية المتكلم وهو يوجه نظره إلى نافذة الغرفة المفتوحة و على وجهه بوادر انزعاج، ستؤدي بالمتلقي إلى فهمٍ جيد للمعنى الحقيقي الذي يحاول المُتكلّم إيصاله و قد يبادر وقتها بالرد قائلاً : ” أتفق معك ! سأغلق هذه النافذة عسى ألّا يتسرب الهواء الدافئ خارج الغرفة!” كما لا يمكن إهمال الجانب الثقافي الخاص بمتحدثي لغة ما و الذي قد يختلف عن سواه. فالرد عند سماع عُطاس شخص ما مثلا يختلف من ثقافة لغة إلى ثقافة لغة اُخرى.
لنرى إن كنّا قد ألممنا أتم الإلمام بهذا المنظور لتعلّم اللغات و تعليمها، سأعمد أدناه على إدراج عدد من الأنشطة الصفية و ما عليكم سوى أنْ تحاولوا تصنيفه ضمن النمط التواصلي الملائم له!
- عليكم الاتصال هاتفيا بعيادة الطبيبة و ترك رسالة صوتية تعلمونها فيها باليوم و الساعة التي تودون فيها حجز موعد للقاء بالطبيبة. لا يجب أنْ يزيد طول الرسالة عن دقيقة واحدة.
- اِقرأوا قصيدة نازك الملائكة في صفحة 275. مناقشة القصيدة: يوم الاثنين المصادف 30 من شهر مارس.
- يوم الاثنين، 30 مارس في الصف : تكلم مع زميلك\زميلتك عن الصورالتي رسمتها نازك الملائكة في قصيدتها و أخبره\ها برأيك في هذه الصور و حاول أنّ تعرف رأيه هو\ رأيها هي.
المصادر المُستشارة :
- المجلس الامريكي لتدريس اللغات (ACTFL) https://www.actfl.org/
- Richards, J. C., & Rodgers, T. S. (2014). Approaches and methods in language teaching. Cambridge university press.
- Didenko, A. V., & Pichugova, I. L. (2016). Post CLT or Post-Method: major criticisms of the communicative approach and the definition of the current pedagogy. In SHS Web of Conferences. Vol. 28: Research Paradigms Transformation in Social Sciences (RPTSS 2015).—Les Ulis, 2016.(Vol. 282015, p. 1028). EDP Sciences.
- Habermas, J. (1970). Towards a theory of communicative competence. Inquiry, 13(1-4), 360-375.
- Glisan, E. W., Uribe, D., & Adair-Hauck, B. (2007). Research on integrated performance assessment at the post-secondary level: Student performance across the modes of communication. Canadian Modern Language Review, 64(1), 39-67.
السلام عليكم ورحمة الله.
تعليم اللغات موجود قبل تشومسكي بمئات السنين فكيف نقول أن البداية كانت على يده في 1960.
كما أن أنماط التواصل هذه فيها نظر … فهي ليست مسلمات… وأغلب تلك المراحل متضمنة في عمليات أخرى لتعليم اللغات…
منهح تعلّم و تعليم اللغات بالطريقة التواصلية هو الذي بذأ مع Chomsky
شكرا جزيلا دكتورة على هذا الاهتمام بتعليم العربية ، جيد أن نتناول تعليم اللغة وفق نظرية الاتصال التي خرجت بنا من حصر اللغة في مادة لها هيبتها البنائية وشكلها المنقول الذي كان يتمثل في متون ونصوص لا تحتاج منا إلا إلى أخذها وفق جدولة تتوافق مع كيفية تقسيمها هي كلغة دون النظر إلينا كمتلقين ومتفاعلين لنا حق الاختيار من موضوعاتها أو ترتيب أولويات الأخذ منها حسب حاجاتنا التي غيرتها إيقاعات الأحداث اليومية وجديد وسائل التواصل بما أحدثته من سرعة وحيوية وسعة إمكانيات ، جيد جدا أن نعرض لنظريات معاصرة تضع المتكلم باللغة في الاعتبار كمعلم ( مرسل ) ومتعلم ( متلق ) وفق نظرية الاتصال التي تبلورت على يد العالم اللغوي والناقد الأدبي الروسي ” رومان جاكوبسون ” في ستينات القرن العشرين. وميزات تدريس اللغة وفق هذه النظرية لا تخفى خاصة في مواقف التعليم التواصلية التي نقلت المحتويات التعليمية من متون مغلقة إلى حوارات حيوية من واقع الحياة اليومية للمتعلم،إلا أن فنون اللغة كالاستماع والتحدث والقراءة والاستماع لن ينحيها عن وجودها أنها ارتبطت كثيرا أو قليلا بنظريات كلاسيكية في تعليم اللغة كنظريات البنائية. شكر الله لكم على جهودكم.
كالاستماع والتحدث والقراءة والكتابة.
“نرى أنّ مهارات الكلام و الكتابة و الاستماع كانت و مازالت في الحقيقة تمثل العمود الفقري والمكون الأساس لدراسة اللغات و تدريسها. و الجديد في الأمر هو ضرورة أنْ يركز معلمو اللغات على الجانب الآخر لهذه المهارات.”
من المقال أعلاه!
شكر الله لكم دكتورة سراب وبارك جهودكم.
بلا شك!
التواصل التواصل هو عبارة عن التفاهم ما بين طرفين معينين كنظامين أو كيانين أو شخصين، ويكون احد الطرفين مرسلاً في وقت معين، والطرف الآخر مستقبل في وقت أخر، ويحدث تفاعل إيجابي فيما بينهم، ويكون ذلك من خلال استعمال الحواس من قبل كل من المرسل والمستقبل على حد سواء، والذي ينبع من الرغبة الشديدة في التواصل.
وهناك دواعي للتواصل قد تكون إإستخلافية (الغاية الحقيقية من وجود الانسان) و حاجات الانسان الاجتماعية (طبيعة الانسان التى خلق بها).
وهناك عوائق للتواصل منها:-
-عوائق الارسال (التعالي ، الكبر…..).
-عوائق سلوكية (منفرة) الغضب ،الانفعال ، التعامل بعنف ،التعامل بالاستهزاء، الاعراض و الغفلة…. .
ولا ننسى إن هناك قيم للتواصل ( الصدق، الرفق و اللين …).
وهناك عوائق أيضاً (التبليغ و الارسال ،التلقي و الاستقبال).
مجهود رائع يدكر فيشكر
بالتوفيق