قبل ظهور كورونا- كوفيد 19- كان العالم يعيش حالة من الرخاء والاستقرار، بحيث استطاع الإنسان أن يطوع الطبيعة لخدمته ورفاهيته، بل واعتقد الإنسان أنه استطاع أن يسيطر على الطبيعة، وظن الإنسان أنه أذكى مخلوق على وجه الأرض، حتى تاريخ 31 ديسمبر من عام 2019م بعدما أعلنت الصين تفشي فيروس قاتل سريع الانتشار في مدينة ووهان.
ولم تمض ثلاثة أشهر حتى انتشر هذا الفيروس في شتى بقاع الأرض، وأجبرنا على تغيير نمط حياتنا إلى حياة جديدة لم نعهدها من قبل، وفرض حجراً صحياً، وتسبب في كساد اقتصاد دول العالم، وفقدان الوظائف في بعض الدول، وصرح دونالت ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية في مقابلة صحفية “أن الفيروسات أصبحت أذكى بكثير من أسلافها”، كما أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن اكتشاف لقاح أو علاج لفيروس كورونا- كوفيد 19- قد يحتاج وقتاً طويلاً.
ولذلك أصبح لنا عدو مخيف صغير يستهدف خلايا تنفسية، لا يرى بالعين المجردة لا يمكن التنبؤ بمكان وجوده، أجبر الإنسان على البقاء في منزله، ولماذا نبقى في منازلنا؟ لثلاثة أسباب فقط وهي: للحفاظ على سلامة الإنسان، ولضمان عدم انتشار عدوى الفيروس بين البشر، وللحفاظ على النظام الصحي من الانهيار؛ أي أن كورونا غيرت حياة الإنسان سواء كان مصابا أو لا.
ولكن ماذا حدث لحياتنا بعد ظهور الفيروس؟ قد تكون من إيجابياته أننا أعدنا التأمل في حياتنا، في إعلامنا في وظائفنا في عائلاتنا في أعمالنا، وفي اهتماماتنا، لقد علمنا كورونا أن نتأمل حياتنا بدقة، أجبرنا كورونا أن نركز على المفيد، اختفى كل غثاء في ساحة الإعلام، فتصدر الساحة أبطالها الحقيقيون، واختفت الأعمال التي تركز على الرفاهية واتضح أنها تستحوذ على أغلب أوقات الإنسان ومصروفاته النقدية، وكذلك من خلال استخدام التقنية بشكل كبير خلال فترة الحجر بسبب جائحة كورونا، تبين أن هنالك الكثير من المهام يمكن انجازها عن بُعد وبجودة عالية في النواتج وقلة في التكاليف وسرعة في الإنجاز.
أما من جانب مشرق بالنسبة للطبيعة وكأن كورونا – كوفيد 19- فارس الساحة ساعدها في تثبيط عمل أشد أعدائها وهو الإنسان، فبغياب الإنسان سارعت البيئة بالعودة لجمالها، نشاهد أماكن لنمو النباتات في الطرق وحول الجسور والسلالم الكهربائية، وكذلك عندما افتقدت الحيوانات وجود الإنسان شعرت بالأمان فبادرت بالخروج للطبيعة، وأصبحت تتجول بأمان وسط بيئة الإنسان وبحُرية تامة في المدن والطرق، وكأن الإنسان كان يسبب لها حجراً منزلياً يهدد حياتها.
وفي المقابل أيضاً نجد أن جائحة كورونا- كوفيد 19- قد تحقق ما قيل في (تقرير لوجانو) الناتج من اجتماع رواد الرأسمالية في بداية القرن العشرين، لكيفية المحافظة على الرأسمالية، حيث أوصي في التقرير (بتقليل عدد سكان الأرض بمقدار 2 مليار نسمة في عام 2020م)؛ وكذلك يجب أن لا ننسى أن هنالك منظمات عالمية مثل (منظمة نادي روما)، والتي تتبنى أفكار تقليل عدد سكان الكرة الأرضية، ومنها نظرية توماس روبرت مالتوس حول التكاثر السكاني والتي ورد فيها: «أن الرجل الذي ليس له من يعيله، والذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع لن يجد له نصيباً من الغذاء على أرضه، إذن فهو عضو زائد على وليمة الطبيعة حيث لا صحن له من بين الصحون، لذلك فإن الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن».
ولكن ماهي الحياة بعد كورونا؟ لقد هيأ فيروس كورونا بيئة خصبة لتحل الآلة محل الإنسان، فعلى مستوى المعاملات الحكومية، استطاعت البرمجيات وتطبيقات الأجهزة الذكية أن تنجز جُل المهام والمعاملات الحكومية بتوفير جهد المواطن والموظف بوقت قياسي ودقة عالية، وعلى مستوى التعليم استطاع التعليم الإلكتروني أن يُنجز الكثير من مهام التعليم المعتاد، وفي مجال التجارة استطاعت التجارة الإلكترونية وبكفاءة أن تحل محل التجارة المعتادة، وفي مجال الترجمة وقواعد المعلومات نستطيع القول أن الترجمة الإلكترونية وقواعد المعلومات الإلكترونية قد نجحت نجاحاً باهراً في هذا المجال بل وتفوقت على الإنسان، وفي مجال التدريب ظهر التنافس الشديد بين المؤسسات التدريبية؛ ولقد صرح وزير الخارجية الأمريكية الأسبق هنري كسنجر قائلاً: “أن العالم ما قبل كورونا ليس كما بعده”، واستعداداً لذلك يجب على كل إنسان أن يفكر بجدية أين موقعه في الحياة ما بعد كورونا، وهل يمكن أن تقوم الآلة بعمله؟
وكمتخصصين في مجال التعليم علينا أن نتساءل أيضاً كيف سيكون التعليم بعد كورونا؟ في ظل جائحة كورونا كان الخيار الأمثل أمام وزارة التعليم هو التعليم عن بُعد، ومع تطور التقنية فإن التعليم الإلكتروني هو أفضل البدائل المتاحة للتعليم عن بعد، بل استطاع التعليم الإلكتروني إضافة أنشطة وروابط إلكترونية إثرائية بشكل مناسب ومتناسق مع محتويات الدروس، ونتيجة لهذا حدث التنافس بين منصات التعليم الإلكتروني في إظهار مميزات كل منصة وما تحتويه من أنشطة وتقويم واختبارات ووسائط إلكترونية متنوعة من مقاطع الفيديو والصور وبرامج المحاكاة وغيرها.
وكذلك في مجال تدريب المعلمين والمعلمات ظهر التنافس الشديد بين المؤسسات التدريبية في التدريب عن بُعد باستخدام برامج التدريب الإلكترونية، مما أدى للارتقاء بالمحتوى والتغلب على المعوقات المادية والمكانية للتدريب.
ولقد حقق التعليم الإلكتروني نجاحاً في استمرار العملية التعليمية والتغلب على كثير من العوائق المادية والمكانية، ولعل هذا ما دعا وزير التعليم بالمملكة العربية السعودية د. حمد آل الشيخ أن يصرح قائلاً: “التعليم عن بُعد سيكون خياراً استراتيجياً للمستقبل وليس مجرد بديل”.
وأخيراً وبعد تصريح آخر لوزير التعليم د. حمد آل الشيخ: “التعليم بعد كورونا لن يكون مثل ما كان قبلها”، يجب على كل المؤسسات التعليمية والمسؤولين عن التعليم أن يُفكروا بجدية أين موقعهم في التعليم ما بعد كورونا، وهل يمكن الاستغناء عنهم؟ واستعداداً لذلك يجب علينا أن نعمل لتغيير نمط تعليمنا، لنستطيع التكيف مع البيئة الجديدة للتعليم.
المراجع
المراجع العربية
العربية نت، (2020). بعد كورونا.. التعليم عن بعد سيكون خياراً استراتيجياً بالسعودية. تم الاسترداد من https://www.alarabiya.net
بي بي سي العربية، (2020). فيروس كورونا: حيوانات برية تتجول في شوارع مدن مغلقة. تم الاسترداد من BBC Arabia: https://www.bbc.com/arabic/media-52143648
بي بي سي العربية، (2020). فيروس كورونا: سباق مع الزمن لتطوير لقاح. تم الاسترداد من https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-51341294
جريدة الشرق الأوسط. (2020). الإغلاق بسبب {كورونا} يساهم في ازدهار الزهور البرية. جريدة الشرق الأوسط.
خبر اليوم، (2020). آل الشيخ : التعليم بعد كورونا لن يكون مثل ما كان قبلها. تم الاسترداد من https://www.kabrday.com/174837.html
سهيل حسن قاضي. (2014). هــــل هي حـــقاً مـــؤامـــــرة ؟تم الاسترداد من صحيفة المدينة: https://www.al-madina.com/article/337691
مسعدة إليامي، و أحمد الغر. (2018). الذكاء الاصطناعي نعمة أم نقمة؟!: هل تحل الروبوتات محل البشر؟ تم الاسترداد من مجلة اليميامة: http://sites.alriyadh.com/alyamamah/article/1164827
منظمة الصحة العالمية. (15 04, 2020). مرض فيروس كورونا (كوفيد-19): سؤال وجواب. تم الاسترداد من منظمة الصحة العالمية: https://www.who.int/ar/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/q-a-coronaviruses
المراجع الأجنبية
Kissinger, H. A. (2020). The Coronavirus Pandemic Will Forever Alter the World Order. Wall Street Journal.
Wikipedia. (2020, 04 27). Thomas Robert Malthus. Retrieved from Wikipedia, the free encyclopedia: https://en.wikipedia.org/wiki/Thomas_Robert_Malthus
مقال رائع جدا