في تجربة استثنائية فرضتها علينا ظروف غير طبيعية محفوفة بالمخاطر من كل اتجاه، ظهر بشكل مفاجئ وغير متوقع على المدى القريب التعلم عن بعد وبدأ تطبيقه بلا مقدمات ولا تجهيزات منزلية تستطيع استيعاب ومتابعة عدة طلبة في كل بيت في عدة مراحل دراسية من التعليم الأساسي ولغاية المرحلة الجامعية. وقد ترافق مع هذا التوجه موجة واسعة من التذمر من قبل الأهالي والهيئات التدريسية.
كما بدأ الحديث عن مخاطر متعددة للتعلم عن بعد على الطلبة أو أولياء أمورهم ومعلميهم. وتتجلى مخاطر التعلم عن بعد في عدة مجالات منها الصحية والنفسية والاجتماعية وتتخللها مخاطر خاصة بمنظومة القيم والمبادئ المثلى لدى طلبتنا. ويستطيع المتأمل لواقع التعلم والتعليم في هذه الظروف الحالية ملاحظة عدة أمور أصبحت ضمن سياق هذه المرحلة وتفرض نفسها بقوة:
على مستوى الطلبة:
- نقص التواصل بين المعلم والمتعلم عبر منصات تعليمية تخضع للمراجعة والتطوير باستمرار.
- اعتياد الطلبة على البعد عن المدرسة والتعلم المنظم.
- عدم انتظام عملية التقييم وعدم وجود علامات للطلبة على الاختبارات الإلكترونية مما أضعف الاهتمام بالاختبارات وكان سببا في تدني مستوى النزاهة والأمانة العلمية عند الطلبة والأهالي.
- اعتياد الطلبة على ساعات النوم الطويلة تتبعها ساعات من ممارسة الألعاب الإلكترونية.
- اعتماد الطلبة على الوالدين أو الإخوة الأكبر سنا أو الأقارب في تأدية الواجبات المدرسية وحل الاختبارات الإلكترونية.
- فقدان بعض الضوابط السلوكية واحترام النظام.
- فقدان الدافعية نحو التعلم والرغبة في الإنجاز بسبب عدم الانتظام وعدم وجود معلم يعزز ويقيم ويشجع.
على مستوى أولياء الأمور:
- ازدياد نسبة المشاكل بين الآباء والأمهات بسبب تدريس الأبناء.
- حالة من الإحباط بسبب عدم القدرة على متابعة بعض الدروس التي تتطلب معلما متخصصا كالرياضيات والفيزياء واللغة الإنجليزية.
- فقدان السيطرة على الأبناء للخضوع لبرنامج متابعة منظم.
- الشعور بعدم الاستقرار لكثرة القرارات المتعلقة بوقف التعليم الوجاهي والتحول للتعلم عن بعد وذلك بسبب عدم استقرار الحالة الوبائية.
كل ما سبق يعتبر ملاحظات هامة وواقعية لمرحلة التعلم عن بعد وما رافقها من تحديات ولكن نتمنى أن ننظر إلى هذا الموضوع من جانب إيجابي لنتمكن من تعزيز قدرات الطلبة نحو التعلم للمستقبل البعيد وليس التوقف والبعد عن التعلم، ولندعم جهود الجهات التعليمية المختصة نحو تعلم أفضل.
بما أن الظروف الحالية فرضت علينا هذا النظام ولا مخرج إلا الاستجابة، فلماذا لا نجعل من هذه التجربة خيارا تعليميا فريدا. لبثنا سنوات طويلة ندرب معلمينا و أبناءنا في المدارس على توظيف التكنولوجيا في التعليم وتفعيل وسائل التواصل الإلكترونية ودمج التعليم بالتكنولوجيا والصفوف الافتراضية والرحلات المعرفية….إلخ، والآن حان وقت القطاف فلماذا كل هذا التذمر.
بعيدا عن كل الإجراءات الروتينية، هناك نقطة جوهرية يجب العمل عليها لتعزيز منظومة التعلم عن بعد وتحقيق أقصى فائدة بحيث تكون النتائج حقيقية ويمكن ملاحظتها وليست حبرا على ورق أو دراسات وهمية. إنها القناعة التامة بأنه علينا كمسؤولين عن الأبناء أن نساعدهم ونغرس في عقولهم أن أساس النجاح هو إدراك قيمة العلم وأن التعلم عن بعد أمانة في تأدية الاختبارات وقيم الجد والمثابرة والاعتماد على النفس… ستكون النتائج عظيمة إذا توقفنا عن مقارنة التعليم المدرسي بالمنزلي ونظرنا إلى التعلم عن بعد كفرصة ذهبية لن تتكرر لتجربة نوع جديد من التعلم، ولتعزيز ثقة أبنائنا بأنفسهم ومساعدتهم على اتخاذ قرار بمتابعة التعلم وتحدي المعيقات والإستفادة من كم المعلومات الهائل المتوفر على شبكة الإنترنت المدعوم بخبرات معلمين وتربويين متميزين.
نصائح لتعلم أفضل
بما أن الطلبة في هذه المرحلة يتعلمون عن بعد فهناك مسؤولية مضاعفة تقع على عاتق أولياء الأمور ويتوجب عليهم الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور لنجاح هذه التجربة التعلمية الفريدة:
- صياغة برنامج يومي بالاتفاق مع الأبناء يحدد أوقات النوم ومراجعة الدروس وأوقات خاصة لممارسة الهوايات المختلفة لتعزيز ثقتهم بأنفسهم وقدرتهم على تحمل المسؤولية.
- تحديد أوقات خاصة للدروس الأساسية كاللغة العربية والإنجليزية والرياضيات وتمكين الطلبة منها عن طريق الألعاب وبعض البرامج الإثرائية.
- تجزئة الدرس واتباع استراتيجية الدروس المصغرة، وهي ببساطة تقسيم مواضيع الدرس حسب قدرة الطلبة على التركيز والاستيعاب وعدم اتباع أسلوب ضغط الدروس من أجل استثمار الوقت لأن النتيجة ستكون سلبية.
- مراعاة النوع الاجتماعي للطلبة ( ذكور وإناث) من حيث وقت التعلم وبيئته وظروفه وقدرتهم على الاستيعاب وتجنب المقارنة بينهم لأن الطالبات أكثر التزاما وانضباطا من الطلبة.
- تنظيم جلسات حوار قصيرة مع الأبناء لتعزيز مفهوم التعلم من أجل الحياة وليس من أجل العلامات.
- التواصل الفاعل مع المعلمين والمعلمات وإدارات المدارس من أجل تجويد عملية التعلم.
- اتباع أسلوب التعزيز المستمر حيث أن عدم وجود الطلبة في الغرف الصفية أفقدهم متعة التعلم والتعزيز وإثارة الدافعية من قبل معلميهم.
- ضرورة مشاركة الآباء في عملية تعليم ومتابعة الأبناء.
- ضرورة خفض مستوى التوتر في المنازل بسبب الظروف الحالية وتراكم المواد الدراسية وصعوبة متابعة الطلبة واتباع أساليب أكثر تنظيما وفاعلية حسب مستوى الأبناء وقدرة تحملهم واستيعابهم.
هناك مجموعة كبيرة من الطلبة لا يمتلكون أدوات التكنولوجيا الحديثة ولا تتوفر لديهم خدمات الإنترنت، ومنهم من لا يستطيع استخدامها ومنهم من يعاني الفقر فلا يستطيع امتلاك الأدوات ولا استخدامها، ومنهم من أهله لا يستطيعون متابعتهم لأسباب مختلفة. ويبقى تعلم هؤلاء مسؤولية يجب أن تضطلع بها المدرسة بالتعاون مع المجتمعات المحلية من خلال توفير ملخصات مبسطة وميسرة تصلهم لمنازلهم بهمة المعلمين المخلصين والإدارات الفاعلة.
وتبقى النتيجة المرجوة هو أن نتجاوز هذه الأزمة قد يخرج أبناؤنا على إثرها بحصيلة معرفية ومهارية تعينهم على إكمال مسيرتهم في السنوات المقبلة محققين بذلك التعلم للحياة.
موضوع رائع
تحيّة شكر للكاتبة إيمان الرواشدة على هذه المقالة
المفيدة، وأنصح بقراءتها لتعميم الفائدة.