هذا المقال هو المقال الثاني من سلسلة مقالات ” حلول في ظل طوارئ و أزمات التعليم ” للكاتبة الأستاذة “ أروى بنيان ” و التي ستنشر حصريا على مدونة تعليم جديد، يمكنكم قراءة المقال الأول بعنوان: مهارات التفكير الشمولية
مقدمة:
توصلنا في مقالنا السابق إلى الحاجة الملحة للاهتمام بتعليم مهارات التفكير الشمولية كواحدة من أهم الدروس في كل فصل تعليمي حتى نجعل من المتعلم ” متعلما ذاتيا” قادرا على تحصيل تعلمه في أي ظرف كان. ولكن يتعين علينا في البداية ضبط البوصلة التي تقودنا إلى تعليم تلك المهارات بحيث تكوِّن مهارات التعلم الذاتي الوظيفية.
لذا يجب أن نفكر في أجوبة للأسئلة الآتية:
- هل هناك ما يمنع تعليم مثل هذا النوع من المهارات؟
- ماهي العوائق التي قد تواجهنا في تعليمها؟
- كيف نرسم خطة العمل بدءاً من تحديد الأهداف و وصولاً إلى تحقيقها بنجاح؟
ما هو أول شيء تفكر فيه عندما تواجهك مشكلة ما ؟
تنبيه : عزيزي القارئ أجب عن السؤال السابق قبل أن تتابع القراءة.
حسناً؛ بالتأكيد ستقول: أُعَرّف المشكلة أولاً … أُجزئ المشكلة …. أفكر في أي نوع من الحلول يمكن أن تناسبها…
أو بشكل كوميدي ستجيب كما يجبني بعض الطلبة عندما أسأل سؤالا إشكاليا حول موضوع مطروح : اسأل عمو غوغل… المقصود طبعاً البحث عبر محرك غوغل.
ولكن بصراحة سأجيبك بأنك لن تفعل أي شيء مما سبق … لأن الشيء الأول الذي يقوم به معظم الناس عندما يواجهون مشكلة هو محاولة تجاهلها ويتصرفون و كأن المشكلة غير موجودة، هنا وضمن هذه النزعة دليل هام على مرونة التفكير الماهر.
لأننا عندما نقوم بتجاهل مشكلة هذا ليس مؤشراً على الكسل أو الخمول ( فهم خاطئ) ولكنه فعلياً يُعبر عن “نزعة النجاة الذكية “، فالجنس البشري كائن محدود المصادر والطاقة، والحياة مملوءة بالمشكلات، و إذا حاول حل كل مشكلة تواجهه فإنه سيستنزف طاقاته بسرعة.
وكما يُقال:
نسبة كبيرة من الصعوبات التي نلاقيها (عندما يتم تجاهلها) تذهب بعيداً في حالها وهي طريقة رائعة ينادي بها علم النفس.
متوالية الحل:
إذن نحن نقوم أولاً بتجاهل المشكلة فربما تذهب بعيداً، ولكن بعض المشكلات تبقى بإصرار فتستنبط ردة الفعل التالية، وهي ببساطة الاعتراف بالمشكلة، ونشتكي ونعود محاولين تجاهلها مرة أخرى، و إذا استمرت بالتفاقم نقوم باستدعاء استراتيجية ليست غريبة عن أي شخص قام بتربية الأطفال، ألا وهي ان نشتكي لشخص ما، أو نحاول إحضار شخص آخر لحلها لنا، ولكن إذا لم يكن هناك أحد لمساعدتنا والمشكلة مازالت باقية، سنجلس أخيراً لنواجه المشكلة فعلياً ونفكر فيها.
الفكرة من هذه المتوالية هي أن توظيف العقل بشكل مدرك ومنتبه يكاد يكون آخر ما نلجأ إليه وليس الأول. إذن نحن بحاجة إلى أن نفهم هذه السيكولوجيا إنها:
سيكولوجيا العقل المعياري:
فقد تدرب العقل على استبعاد التفكير أو تفاديه… لماذا ؟ وكيف عرفنا ذلك؟
أولاً: لأن الشخص يمتلك نزعة لا واعية ضد استخدام و توظيف مهارات التفكير.
ثانياً: لأن الشخص يمتلك حافزا وظيفيا للاقتصاد في الجهد فيطلب أكبر قدر ممكن من الحاجات مع توظيف أقل من الطاقة.
ثالثاً: هناك – فهم خاطئ – للتفكير بحيث يُعتقد أنه نوع من الفطنة اللامعة تحدث داخلنا دون الحاجة لإظهارها، فيجب علينا عندما نفكر أن : لا نحرك شفاهنا – لانعد بأصابعنا – لا نطلب إعادة السؤال – لا نطيل التفكير – نسرع في الإجابة ( فأجوبتنا حاضرة دوماً).
وغيرها من الطرق التي ضللتنا و قادتنا إلى رفض استخدام المهارات الوظيفية.
خطوة على طريق تعديل مسار العقل وتخليصه من نزعة المقاومة:
ما التوجه العام للمدرس؟… النقاش الآتي سيؤدي إلى استنتاج الإجابة.
التوجه العام للمدرس مشابه كثيراُ لتوجه المدرب الرياضي:
كما نعلم هناك نوعين من المدربين : النوع الأول يعتمد على استبعاد اللاعبين الغير ماهرين سلفاً، النوع الآخر لديه موهبة في تحويل اللاعبين غير ماهرين أو الذين لديهم مقاومة وعدم ثقة بالنفس إلى لاعبين بارعين.
فيكون توجه مدرس مهارات التفكير مشابه لتوجه المدرب الثاني بحيث يُظهر بوضوح عناصر ومكونات الأداء الفعال الذي يطور الفئة المستهدفة من خلال مجموعة من الخطوات مع مراقبة دقيقة لكل خطوة.
سبعة قواعد في هيئة أهداف:
فيما يلي مجموعة من الأهداف التي ينبغي أن يقوم المدرس بتكييفها وربطها وتطبيقها بطرق عدة وتقنيات متنوعة يتم ابتكارها أو اختيارها عند التخطيط لتدريس مهارات التفكير.
الهدف الأول لمدرس مهارات التفكير هو أن يبني ثقة الطالب بقدراته في التفكير
حيث يحتاج الطالب لهذا النوع من الثقة ليستطيع النجاة و الاستمرار (النجاة من الأخطاء).
الهدف الثاني: أن يجعل التفكير صريحاً وواضحاً وليس خفياً
يجب أن يقوم المدرس بفتح نافذة إلى العمليات الفكرية للطالب بحيث يمكن ملاحظتها من قبل المدرس والطالب نفسه والطلبة فيما بينهم. ومهمة المدرس هنا في جعل الطلبة يتآلفون مع محاولاتهم في التفكير بشكل وظيفي، وبذلك يجعل البعد الضمني صريحاً بالنسبة للطالب، وهذه العملية ليست صعبة أبداً، وعندما يتم القيام بها يكون من المقبول أن تناقش عادة التفكير وعيوبه ومشكلاته ونقاط القوة ونقاط الضعف حتى يستطيع الطالب أن يعي سلوكه الفكري ويعدله.
الهدف الثالث: أن يركز المدرس بشكل تام على آلية تفكير الطالب وليس على النتاج
لأن الجواب الصحيح لا يضمن أنه ناتج عن تفكير متمكن، فأحياناً التذكر و التخمين أو التحزير يمكن أيضاً أن يولدوا إجابات صحيحة.
فمثلاً: قد يقوم اللاعب برمية جيدة وقد يفرح بها المدرب وبهذا يكون قد ركز على النتاج وليس الآلية التي لعب من خلالها اللاعب حتى حقق تلك النتيجة.
الهدف الرابع: أن يحافظ المدرس على التقدم مع الطالب ولكن بسرعة حذرة لنقل المهارات لمستوى أعلى بحيث يتم العمل على حل مشكلات متزايدة في التعقيد و الغموض والإرباك.
الهدف الخامس: أن يبتعد المدرس عن التفكير عوضاً عن الطالب
ففي تدريس أي فرع من فروع العلم هناك حاجة لترتيب المعلومات والأفكار والقيام بإيصالها إلى الطالب، ولكن المشكلة أننا نبالغ في ذلك، فمن الأفضل أن نبعثر الأشياء (لا أن نرتبها) بشكل كاف لكي يتوجب على الطالب بنفسه القيام بالعمل على تحليلها والتفكير فيها.
“أينما استطعنا يجب أن نسأل بدلاً أن نخبر، و لا نعطي أجوبة إنما نحرضها ” عاصم رمضان
مثلاً: كثير من المدرسين يقومون بوضع خط تحت الجمل المفتاحية في نص معين لكي يقفز لها المتعلم عند الدراسة بينما يحاول قلة منهم السماح للطلبة أن يجدوا بأنفسهم جمل مفتاحية خاصة بهم.
فالحالة الأولى فيها تجنب لمهارات التفكير الشمولية بينما الثانية تستحضر تلك المهارات وتعززها.
الهدف السادس: أن لا يتم الخلط بين تعليم التفكير والتعليم حول التفكير
فإذا أردت أن تطور أداء الطلبة فإن إلقاء محاضرة حول نظرية المهارات سوف لن يطور مهارات التفكير عند الطالب.
“كل ما يمكن أن تقوم به هو الابتعاد حتى عن عنونة المهارات إلى ما بعد مرحلة التمرين عليها وإدراكها ثم تُخلق الحاجة عند الطلبة إلى المصطلح المناسب والذي يمكن تقديمه في مرحلة لاحقة”
Gary A. Woditsch
الهدف السابع: أن يقوم المدرس بإظهار تفكيره بشكل صريح بالتمثيل (النمذجة)
يجب المحافظة على نافذة مفتوحة إلى عمليات التفكير لديك كمدرس، لذا يجب أن تقوم بإظهار تفكيرك والتصريح عنه في حل المشكلات بشكل منتظم. فما تقوم به في الصف سيؤثر على الطلبة ويسيطر على سلوكهم بشكل كبير. علاوة على ذلك، عندما تقوم بالتمثيل (النمذجة) ولكن بصدق.
فمثلاً: يقضي مدرس الجبر ساعتين في المساء لحل مسألة أو إثبات قضية، ثم يقوم في اليوم التالي بحلها بكل بساطة. في هذه الحالة سيسعى الطلبة لأن يقرؤوا هذا التصرف على أنه السلوك المعياري وبعد أن يحبطوا من محاولة تقليد أو تكرار ما قام به مدرسهم يقومون بالاستسلام.
وفيما يلي مجموعة من الحالات التي يمكن عدها كأمثلة للنمذجة:
- ارتكب الأخطاء بشكل مقصود وتجاوزها خلال الصف.
- ارسم مخططات حتى تحصل على الجواب.
- حرك شفاهك، عد على أصابعك.
- فكر بصوت عالٍ مما يجعلهم يتعلمون طريقتك في الوصول إلى الدقة والتركيز.
ختاماً، إن كنا نريد للأنشطة أن تنمي مهارات التعلم الذاتي بالإضافة إلى تفعيل مهارات التفكير العليا لابد لنا من تنمية المهارات الشمولية ( التركيز الانتقائي – التحليل المركز- القياس- التريث في الإغلاق – الرقابة التلقائية)، لأنه حتى لو تمكنا من تحفيز الطالب إلى النشاط فإن عملية السير فيه تتطلب تلك المهارات.
سنقوم في المقال القادم إن شاء الله بسبر وصفة بسيطة تعكس برنامج تعليمي لمهارات التفكير مناسب لأي متعلم.
المراجع:
– The Thoughtful Teacher’s Guide to Thinking Skills , Gary A. Woditsch with John Schmittroth
– DEVELOPING AND ASSESSING THINKING SKILLS, by Robert Swartz
– https://blogs.worldbank.org/ar/education/managing-impact-covid-19-education-systems-around-world-how-countries-are-preparing
– محاضرات من دورات التدريب على (دليل المدرس الفكري إلى مهارات التفكير) – ترجمة وتدريب عاصم رمضان