لا بد للتغيير من قيادة لجعله ناجحاً وممكناً، “لا يستطيع الفرد وحده التغيير، بل يمكنه أن يقوده”. إن قادة التغيير في إدارة القرن الواحد والعشرين مهمتهم الرئيسة هي النظر إلى التغيير باعتباره فرصة سانحة، حيث سيكونون في عملية بحث مستمر دؤوب عن كل الفرص الممكنة بل والعمل على صناعتها لجعلها فعالة داخل مؤسساتهم وخارجها، وذلك يتطلب منهم خطوات حقيقية أهمها: وضع السياسات المناسبة للمستقبل، وإيجاد منهجية منتظمة للبحث عن التغيير وتوقع حدوثه، واختيار الأسلوب الأنسب لإدخال التغيير داخل المنظمة وخارجها، والعمل بخطى حثيثة لإيجاد سياسات لضمان توازن التغيير واستمراريته.
ولعل التغيير وتطوير المنظمة وتنميتها أصبحت مسألة مصيرية بالنسبة لكافة المؤسسات التي تسعى للتطور والبقاء. فكان لا بد من التغيير والتطوير والتحسين المستمر لمسايرة التغيير الحاصل في البيئة الداخلية والخارجية على حد سواء.
إدارة التغيير والتطورات
إن منظمات الأعمال تواجه اليوم تحديات ومفاجآت في البيئة المحلية والعالمية لما أفرزته العولمة من تنافسية واضحة وتطور في المجالات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية حتى في عالم المستفيدين والمستثمرين والمستهلكين وغيرهم، ناهيك عن صعوبة التنبؤ بتلك المتغيرات؛ الأمر الذي يتطلب جهدا مضاعفاً لرصدها ومحاولة التكيف السريع معها، إلا أن الدراسات الحديثة تظهر أن النظم التقليدية لم تعد صالحة لمواجهة تلك التغييرات، فالإدارة التقليدية والبيروقراطية أو المركزية ليست الحل القادر على مواجهة التغييرات المعاصرة والسريعة، إذ لا بد من العمل على تنمية شاملة للمنظمة ترتكز على تطوير العاملين وتنمية قدراتهم ليتمكنوا من تطوير المنظمة في كافة الأبعاد التنظيمية والهيكلية والتكنولوجية.
إن التطور التكنولوجي والتنمية والتغيير وزيادة الجودة والأرباح ورضى المستهلك لا يمكن تحقيقها إلا من خلال تطوير كفاءة المنظمة وتنميتها والعمل على رعاية العاملين ومعرفة احتياجاتهم، كما أن التطوير وتنمية المنظمة يحتاج إلى جهود متكاملة ومتعاونة ومتناسقة والمشاركة من الجميع.
إن تزايد التنافر بين العولمة الاقتصادية والانقسام السياسي جعل الاقتصاد حول العالم يتجه نحو اتخاذ الصبغة العالمية بشكل متزايد، وأصبحت الحدود القومية تمثل معوقات ومراكز تكلفة، وذلك لأن المال والمعلومات باتت”تتخطى الحدود القومية” علماً بأن هناك (عولمة اقتصادية حقيقية، واقتصاديات إقليمية، وحقائق قومية ومحلية ذات صلة بالاقتصاد). وهذا هو الواقع المتشابك والذي يجب أن تبنى عليه الإستراتيجية، لأن المنظمة لا بد وأن تكون مؤسسة على الشراكة بدلا من الامتلاك والأوامر والسيطرة. كما ستبنى الإستراتيجيات على أساس افتراض التأقلم مع وجود التغيير المستمر وانعدام الاستقرار.
كما أن التربية بمفهومها المعاصر عملية تغيير وتطوير اجتماعي. في هذا الصدد، يعتبر دور الإدارة قيادياً تشاركياً مهماً في إحداث التطوير للتكيف مع الألفية الجديدة، كما يقع على عاتق الإدارة مسؤولية التغيير ونتائجه بشكل عام، ويتطلب ذلك تنمية الأجهزة الإدارية وتطوير قدرات إدارية قادرة على تأدية مهامها بجودة وسرعة تتلاءم مع التغيير، وهذا يستوجب امتلاك الكفايات اللازمة التي تحتمها أدوارهم القيادية لتمكينهم من القيام بمهامهم.
أهمية وأهداف إدارة التغيير
لقد أصبحت الفكرة الأكثر هيمنة على نظرية الإدارة الحديثة هي فهم وخلق التغيير والعمل على التكيف معه ومواكبته، بل اعتبر التغيير مفتاحاً لنجاح أو فشل أي منظمة. وعلى المديرين أخذ زمام المبادرة وإدارة التغيير ضمن مجموعات العمل الخاصة بالمنظمة، حيث تبرز إدارة التغيير في تمكين المديرين على التعامل مع محركات التغيير بإيجابية، وتطوير منهجية علمية، وصناعة نسيج فكري إداري إبداعي، وتطوير تقنيات إدارية وفكرية حديثة ومبتكرة لإدارة التغيير، بما يتناسب مع أهداف المنظمة وإمكانياتها.
كما تكمن أهمية إدارة التغيير في مواكبته لكل ما هو جديد في مجال المعرفة والتقدم التكنولوجي وتحسين الأداء وزيادة الجودة، ومساعدة الأفراد في الاندماج وانتاج أجيال قادرة على حل المشكلات بشكل إبداعي والتكيف مع متطلبات المستقبل وتلبية حاجات المجتمع المتجددة.
وقد أجملت إدارة التغيير في خمسة جوانب رئيسة هي:
- الحفاظ على حيوية المنظمة والأفراد لزيادة الجودة.
- تنمية قدرة الأفراد على الابتكار.
- زيادة الرغبة في التحسين والتطوير وزيادة الجودة.
- الوصول لأفضل المعايير في الممارسة العملية في المنظمة.
أما الأهداف الأخرى من إدارة التغيير، فهي متباينة ومتنوعة ومختلفة وذلك حسب نوع التغيير ومكانه وزمانه والظروف المحيطة التي أدت لحدوثه، لذلك نجد من الصعوبة بمكان تحديد أهداف عامة لكل أنواع إدارة التغيير، فهي في الغالب إما تغيير في الاتجاهات أو السلوك أو كلاهما، أو في المعايير والقيم والثقافة السائدة في المنظمة.
فوائد إدارة التغيير
وأضاف الزهراني عدداً من الفوائد المترتبة على إدارة التغيير ومن أبرزها :
- إيجاد بيئة تنظيمية تتميز باللامركزية في صناعة القرار وانخفاض في المستويات التنظيمية العمودية.
- التركيز على جودة الإنتاج أكثر من التركيز على كميته.
- توفير المعلومات الضرورية لحل المشكلات في كافة المستويات التنظيمية.
- التزام العاملين نحو أهداف المنظمة وتطورها ونموها وزيادة جودتها.
- اعتماد الاتصال الأفقي أكثر من العمودي بصيغة نصائح وتوجيهات بدل أوامر وتعليمات.
- السمعة الطيبة للمنظمة واحترام المجتمع المحيط والمستفيدين والعاملين.
أهداف التغيير
وضع بعض الباحثين أهدافاً لإدارة التغيير في المؤسسات التربوية تحديداً ومن أبرز تلك الأهداف:
- إحداث التغيير الذي يحمل قيماً علمية وتربوية وإنسانية لزيادة جودة المخرجات التعليمية.
- إثراء الواقع بكل ما هو جديد وحديث وتكنولوجي وفكري.
- مساعدة الإدارة على مواجهة وحل المشكلات الإدارية وتلبية متطلبات التجديد والحداثة.
- مساعد الإدارة على تلبية حاجات المجتمع واستيعاب معطيات العصر.
كما تهدف إدارة التغيير إلى الوصول للمعارف والمهارات والاتجاهات والأنماط السلوكية وثقافة المؤسسة والعمل على تحسينها وتطويرها، والعمل على استيعاب الثقافة السائدة والمتغيرة عالمياً، وتلبية احتياجات السوق ومواجهة المشكلات الإدارية وإدارتها بطريقة تتناسب مع التقدم التكنولوجي وزيادة الجودة. ولا يتم ذلك إلا من خلال استراتيجيات مدروسة بشكل واع وعقلاني، والعمل المشترك لصناعة واتخاذ القرار الرشيد، مع الاعتراف بحاجات الأفراد داخل المنظمة، والقيم الموجودة، الأمر الذي يدفع باتجاه عملية إعادة التعلم وإحلال قيم جديدة تتلاءم مع الأهداف.
ولعل بعض المنظمات قد تلجأ لإحلال التغيير بالقوة والقهر، إلا أن قائد التغيير لا بد وأن يقوم بإدارة التغيير بقوة الإقناع لا الإجبار والفرض، بل عليه ضمان قبول العاملين للتغيير ليكونوا فاعلين في اختيار القرار الرشيد ونجاح عملية التغيير.
المراجع:
بيتر. ف. دركر (2004)، ترجمة إبراهيم بن علي الملحم، مراجعة مساعد بن عبدالله الفريان، تحديات الإدارة في القرن الحادي والعشرين، مركز البحوث.
الخضيري، محسن أحمد(2003)، إدارة التغيير، دار الرضا للنشر، دمشق.
الزهراني، سعد عبدالله، (1995)، نماذج واستراتيجيات تخطيط التغيير وإدارته في مؤسسات التعليم العالي، المبادىء والأسس- مدخل تطويري، مجلة أم القرى، السنة التاسعة، العدد 12.
عطوي، جودت عزت (2008)، الإدارة التعليمية والإشراف التربوي أصولها وتطبيقاتها. عمان، دار الثقافة.
فيلة، فاروق، السيد، محمد، (2005) السلوك التنظيمي في إدارة المؤسسات التعليمية. دار المسيرة، عمان، الأردن
Kouzes, J., and Posner, B (1988), The Leadership Challenge , Success, April, p. 68