لا تهتم بسرعة العمل بل بجودته، لأن الناس لا يسألون كم استغرقت حتى فرغت منه بل ينظرون إلى إتقانه وجودة صنعه. – أفلاطون –
يعاني العالم المتقدم من “شيخوخة سكانية”، تلك الظاهرة الديموغرافية التي تشغل تفكير الدول المتقدمة حيث تدنت معدلات المواليد في أوروبا واليابان لأدنى مستوياتها، ومن المتوقع خلال الثلاثين سنة القادمة هيمنة المشكلات السكانية على سياسات الدول المتقدمة، الأمر الذي يتطلب إستراتيجيات إدارية ودراسة للمشكلات السكانية في ظل انهيار معدل المواليد. وتعتبر اليابان الدولة الرائدة التي أدركت أن العنصر الأساسي لبناء وتطوير قدرة الدولة على الأداء يتركز في إدارة الجودة الشاملة وتحديداً في التعليم، وبالتالي يعتبر معلم المرحلة الابتدائية في الواقع هو الفرد الأكثر أهمية في العملية التعليمية.
جذور مفهوم الجودة
إن إدارة الجودة الشاملة هي إحدى نظم الجودة الشاملة وتطبيقاتها المستخدمة في عدد من المؤسسات ومنها التعليم حيث لكل نظام منها فلسفة يتبناها ودور في التحسين والتطوير، وهذه النظم هي نظام مراقبة الجودة، توكيد الجودة، وضبط الجودة، وحلقات الجودة، وبيت الجودة، وإدارة الجودة الشاملة.
إن لمفهوم الجودة جذوراً تاريخية قديمة جداً، حيث ارتبط مفهوم الجودة بالحضارة الإنسانية. ففي الحضارات القديمة كالحضارة البابلية، نجد حمورابي الذي حكم في الفترة (1670-1710) ق.م، قد سن قوانين صارمة لمن يقدم خدمة أو سلعة ليست بالجودة المتفق عليها، وهو ما دفع بجميع مقدمي السلع والخدمات في ذلك الوقت إلى تحسين أدائهم وإتقان صنع منتجاتهم.
وقد فسر جيمس هارينغتون (1611- 1677) والذي يعتبر أبا الفلسفة السياسية الإنجليزية مفهوم “السلطة تعقب الملكية” على أنه الانتقال في الملكية من النبلاء العظماء إلى ملاك الأرض الرئيسيين. وعلى ضوئها، فسر الثورة الإنجليزية التي جاءت في عام (1640). فقد فسر الأداء السياسي بالتحول السكاني الديموغرافي وظهور الطبقة الوسطى من العمال الميسورين. وعليه فإنه على المؤسسات التفكير بروية عما يعنيه الأداء، وما مفهوم الجودة، فالإستراتيجية بشكل متزايد يجب أن تبنى على المعنى الجديد لجودة الأداء. فعلى الرغم من كثرة تداول المصطلح في العقد الاخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين كنتاج للتغيرات العالمية المعاصرة التي جعلت الجودة مطلبا ضروريا في التعليم، إلا أن الجودة مفهوم معروف منذ القدم.
المفاهيم المرتبطة بالجودة
وقد تباينت وتعددت مفاهيم الجودة، فيذهب البعض الى أن الجودة تعني الكفاءة والفعالية، وقد عرفها البعض على أنها تحقيق رغبات وتوقعات العميل. ويرجع ذلك لكون الجودة مفهوماً متعدد المداخل يرتبط بأحكام تقديرية عن ماهية الجودة ومكوناتها، ويختلف باختلاف المستفيدين، والاستخدام والسياق المطبق لها (الصناعة،الإدارة، التعليم) لأن الاسس التي تتحكم بالقياسات والمواصفات لكل منها مختلفة، وبهذا لا نجد إجماعاً على مفهوم واحد يحدد العناصر المكونة للجودة إلا انه يمكن حصر مفهوم الجودة في خمسة مداخل على أساس: المنتج، المثالية، التصنع، القيمة، الزبون.
إدارة الجودة الشاملة
إن مفهوم إدارة الجودة الشاملة من أحدث المفاهيم الإدارية التي تقوم على مجموعة من المبادئ والأفكار التي يمكن لأي إدارة أن تتبناها من أجل تحقيق أفضل أداء ممكن، بل يعتبر مفهوم إدارة الجودة الشاملة أحد السمات المميزة للعصر الحاضر، حيث أصبح العالم جزءاً من سوق تنافسي مشترك بكل متغيراته التكنولوجية والمعلوماتية والإلكترونية والاتصالات، والتي تفرض بدورها استراتيجية فعالة تجاه جودة الخدمات المقدمة من المؤسسات ومن ضمنها التعليمية، كما أن عنصر الجودة أحد أهم العناصر المؤثرة في مستقبل المنظمات.
إن التحديات التي تشهدها منظمات الأعمال في المجتمع الإنساني المعاصر تقترن بالجوانب المتعلقة بالنوعية على الصعيدين السلعي والخدمي، كما تعد النوعية سلاحاً تنافسياً رئيسياً، وعليه لا بد من الاهتمام بالإطار الفسلفي والفكري لإدارة الجودة الشاملة، والتركيز على مرتكزات ثلاثة رئيسة: (تحقيق رضا المستهلك، مساهمة العاملين في المنظمة، واستمرار التحسن والتطوير في الجودة. كما ينظر إلى الجودة من منظار نوعية البرامج والخبرات المميزة والمعاصرة المقدمة للمديرين والعاملين والمستفيدين على حد سواء، كذلك العاملين أنفسهم من حيث التخصصات الملائمة، والشخصية والثقافة، وخبرة العامل ومدى تطوره المهني.
ويمكن القول أن أول استخدام لمفهوم الجودة في التعليم كان عام (1992)، حيث قامت المؤسسة البريطانية للمعايير بتطبيق معايير المؤسسة في مجال التربية والتعليم والذي قدمه إدوارد ديمنج، والذي وُجه في البداية لخدمة البيئة الإنتاجية والإدارية للمؤسسات والمنشآت التجارية والصناعية بالقطاع الخاص تحديداً .
المراجع:
أبو بكر محمود الهوش (2018): إدارة الجودة الشاملة في المجالين التعليمي والخدمي، دار السحاب، القاهرة، ص 101. دار ا لمسيرة بيتر. ف. دركر، ترجمة ابراهيم بن علي الملحم، مراجعة مساعد بن عبدالله الفريان، تحديات الإدارة في القرن الحادي والعشرين، مركز البحوث، 2004.
الجلامدة، فوزية.(2015). الإدارة والإشراف في التربية الخاصة في ضوء معايير الجودة. (ط1)، عمان، الأردن
حسونة، محمد السيد؛ كمال، جيهان محمد (2010): مداخل الإصلاح المدرسي في مصر في ضوء متطلبات تحقيق الجودة، المركز القومي للبحوث والتنمية، شعبة بحوث التخطيط ، القاهرة.
حروش، رفيقة. (2016). إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التعليمية. (ط1) .القاهرة، مصر:دار الكتاب الحديث.
الزاوي، خالد محمد (2003): الجودة الشاملة في التعليم وأسواق العمل في الوطن العربي، مجموعة النيل العربية، القاهرة.
Desimone, L.,M.& Long, D.: Teacher Effects and the Achievement Gap: Do Teacher and Teaching Quality Influence the Achievement Gap Between Black and White and High- and Low- SES Students in th Early Grades, 2010 .Teachers College Record, Vol.(112), No.(12), p .3024.