تقديم:
لا أحد يشك في التأثير الذي مارسته التحولات القيمية والاجتماعية والثقافية على القضايا التربوية، وعلى الممارسات التعليمية في جميع أطرافها وعناصرها، وفي مكوناتها الأساسية، وهو التأثير الذي مس البرامج والمناهج التعليمية، بحيث تم إعداد المنهاج الجديد المنعوت “المنهاج الجديد بالمنقح للتعليم الابتدائي “، استجابة لمجموعة من التحولات التربوية والاقتصادية والفكرية التي أثرت بقوة على المنظومة التعليمية في المغرب. فجاء هذا المنهاج مستجيبا ومتفاعلا مع أهم المستجدات المعرفية والتربوية والعلمية التي يعرفها العالم اليوم في جهة المعارف والعلوم، والقيم.
توصيف المنهاج الجديد
يتحدد المنهاج الجديد للتعليم الابتدائي في كونه منهاجا تعليميا جديدا يحمل هندسة جديدة تركبها مجموعة من المرجعيات، والدعامات والمواصفات منها ما هو بيداغوجي ،ومنها ما هو تربوي، ومنها ما هو مؤسساتي ومنها ما هو قيمي ، ويتأسس هذا المنهاج الجديد على الأقطاب بدل المواد والمكونات، ويأخذ بهذا المبدأ التربوي، وهو السعي نحو التخفيف من الغلاف الزمني لزمن التمدرس بالنسبة للمتعلم، و تعويض هذا الزمن المدرسي بالأنشطة الصفية المندمجة، أو الأنشطة الخارج الصفية، قصد الاستجابة والتفاعل مع شعار التربية المعاصرة التي تأخذ بمبدأ التعلم الذاتي الخارجي، والتركيز على الأنشطة والأعمال التطبيقية الخارجية، أكثر من الأعمال النظرية، مع تبني هذا الخيار التربوي والبيداغوجي، وهو أن المتعلم هو الذي يجب أن يكون السباق والمبادر في بناء التعلمات، وليس المعلم، وهو مبدأ بيداغوجي معتمد، فضلا عما حمله هذا المنهاج من إصرار ملح على البحث عن غير الفضاء المدرسي المألوف والمعتاد في تحصيل التعلم واكتساب المهارات، لتحقيق إثارة المتعلم، و تحفيزه على مبدأ التعلم الذاتي.
ومما دعا إليه الإصلاح التربوي هو ضرورة الانفتاح على اللغات الحية، وتوسيع أدائها، لما لها من دور على المعرفة بثقافة الآخر.
وقد مر هذا المنهاج بالمرحلة التجريبية التي بدأت سنة: 2015، ثم مرحلة التعميم: التي كانت مع بداية سنة 2018، ليتم تعميم هذا المنهاج على جميع مدارس المغرب.
سياق المنهاج الجديد
لقد جاء المنهاج الجديد في القسم الابتدائي في سياق خاص يتحدد في الاستجابة والتفاعل مع ما حملته التدابير ذات الأولية من توصيات عاجلة، ولاسيما التدبير الأول الذي نص على ضرورة تجديد المنهاج الدراسي والبرامج التعليمية في القسم الابتدائي في بنائه وهندسته، حتى يكون هذا المنهاج أكثر استجابة وتفاعلا مع حاجيات المتعلم، في عالم يعرف تحولات كبيرة وعميقة على جميع الأصعدة والمرافق الحيوية.
ومما جاء محمولا في هذا المنهاج، هو تضمنه لهندسة جديدة في التخطيط للتعلمات، هندسة تتأسس على تقسيم السنة الدراسية إلى قسمة سداسية، أي إلى ستة أقسام كل قسم بوحدة دراسية، حسب ما يظهر في هذه الخطاطة.
ومن السياقات الأخرى التي كانت باعثة لظهور المنهاج المنقح، هو إخفاق وتراجع المنظومة التعليمية في المغرب، وهي التراجعات التي تحضر في مكتسبات المتعلم، وهذا ما عبرت عنه مقدمة التدابير ذات الأولوية:
“بناء على نتائج مختلف التقويمات المنجزة وطنيا ودوليا، والتي تكشف عن تدني ملحوظ للمكتسبات الدراسية للتلميذات والتلاميذ، والذي يعزى من بين مسبباته الأساسية إلى عوامل بيداغوجية أبرزها عدم ملاءمة المقررات الدراسية، والطرائق التعليمية المعتمدة مع الحاجيات التربوية الأساسية للمتعلمين من جهة، ومع المستجدات التي يعرفها حقل التدريس من جهة أخرى. بل إن من البحوث التربية المنجزة في مراكز التكوين من كشف عن واقع التراجع في مكتسبات المتعلم في محور بحيث أصبحنا نعايش متعلما بدون لغة غير متحكم في المهارات اللغوية، فهو لا يجيد لا الكتابة ولا القراءة، ولا يقدر على التواصل الشفهي، وغير مؤهل لممارسة الأنشطة الكتابية المتعلقة بإنتاج النصوص باللغة العربية.”
أهداف المنهاج الجديد
تعددت وتنوعت أهداف المنهاج الجديد المنقح ، وعليه يمكن اختزال هذه الأهداف ، في العناصر الآتية:
- الأخذ بمبدأ التخفيف من الحصيص والغلاف الزمني للزمن المدرسي للمتعلم، وتعويض هذا الغلاف بالأنشطة سواء أكانت صفية مندمجة خادمة للتعلمات الأساس، أو أنشطة خارج صفية.
- مراعاة الإيقاع الزمني، والخصوصيات النفسية والاجتماعية والبيئية والقيمية للمتعلم.
- مراعاة خصوصية المتعلم اجتماعيا ونفسيا وبدنيا ونفسيا وعقليا.
- مراعاة المحيط المجتمعي والبيئي الذي يعيش فيه المتعلم.
- السعي نحو تنمية مهارة التعلم الذاتي عند المتعلم.
- اختيار الطّرائق والأساليب التي تناسب وتتوافق مع مستوى المتعلّم.
- الانفتاح على الطرائق البيداغوجية الجديدة في التعلم.
- اعتماد هندسة لغوية منسجمة تراعي مبدأ التناوب في مختلف المستويات، مع مراعاة الواقع اللساني واللغوي الذي يعيشه المتعلم في بيئته.
- استثمار الموارد الرقمية في التدريس، وفي بناء التعلمات من خلال الاستفادة من المجال الرقمي وتقريبه إلى المتعلم.
- التدريس بطريقة الأقطاب المتكاملة والمنسجمة، بدل المواد المتنافرة والمتباعدة [1].
- جعل المعارف المقدمة للمتعلم تغطي، وتستوعب المجال الوجداني والمعرفي والمهاري.
- استثمار التحولات السريعة التي عرفتها المجتمعات في السنين الأخيرة في المجال المعرفي، و بالأخص ما تعلق بالثورة التواصلية والرقمية.
المداخل الكبرى في المنهاج الجديد
المنهاج الجديد تحكمه ثلاثة مداخل ومرجعيات كبرى وهي:
- مدخل التربية على القيم.
- مدخل التربية على الاختيار.
- مداخل المنهاج الجديد.
استنتاج:
رغم ما بذل من جهد مادي ومعنوي، ومصاحبة من ذوي الخبرة في إعداد المنهاج الجديد للتعليم الابتدائي المنعوت بالمنقح، فمازال هذا المنهاج الجديد يحمل كثيرا من من الإكراهات على مستوى التطبيق، و يطرح عددا من الأسئلة على المدرسين والممارسين، تتوزع بين الأسئلة الديداكتيكية، والأسئلة البيداغوجية، بحيث مازال الإرهاق، وكثرة المواد تلاحق المتعلم، بحيث لم يتم بعد تفعيل مبدأ التخفيف من الغلاف الزمني للأنشطة الصفية والمدرسية، وتعويضها بالأنشطة غير الصفية المحفزة للمتعلم والفاعلة في التعلم، بل يذهب ذوو الخبرة إلى أن هذا المنهاج الجديد هو عودة مضمرة وخفية إلى بيداغوجيا المضامين، بحيث تم إثقال هذا البرنامج الجديد بالمعارف والمضامين على حساب الأنشطة والمهارات ومهارات التنشيط التي تتصل بأنشطة التعليم، ما يلزم بإعادة النظر في الهندسة المركبة لهذا المنهاج الجديد في أقطابه ومكوناته.
إحالة:
[1] -دليل المستجدات للتعليم الابتدائي إصدار مديرية البرامج والمناهج التعليمية السنة :2018 ص: 3