مقدمة
تعتبر إدارة الجودة الشاملة إحدى الركائز الأساسية لبرنامج الإدارة التربوية الجديد فهي فلسفة إدارية عميقة انبثقت لمسايرة التغيرات الهائلة في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية والتقنية، مع فهم عميق للتغير وعملياته، فالجودة في عصر الجودة لم تعد أمرًا اختياريًا أمام المؤسسات وليست بدعة أو موضة، بل أصبحت من الضرورات المُلحة التي تطلبها الحداثة على منطق ” إن لم تتقدم تتقادم”.
الجودة الشاملة في التعليم
لعل الاهتمام بالتعليم وتطويره مع تجويد عملياته والعمل على تميز مخرجاته وتحقيق أعلى مردود تربوي تعليمي ممكن؛ يجعلنا في أمس الحاجة لتطبيق الجودة الشاملة التي تمكننا من التعامل وإدارة التغيير التربوي على كافة مستويات المؤسسات التربوية مع مواجهة مدروسة لمجمل أنواع المشكلات الجاثمة على خط التعليم.
وقد عرف (الزهيري، 2006 :26) الجودة الشاملة في التعليم بأنها نتاج إرضاء المنظومة بشكل مستمر توقعات المستفيدين من معلمين وإداريين وطلاب وأولياء أمور وغيرهم، مع إشراك الجميع في التحسينات المستمرة. أما (الميمان، 2007: 88) فقد عرفت الجودة الشاملة في التعليم بأنها: ترجمة احتياجات وتوقعات المستفيدين من العملية التعليمية الداخليين والخارجيين إلى مجموعة خصائص محددة تكون أساسا في تصميم الخدمات التعليمية وطريقة أداء العمل في المؤسسة التعليمية من أجل تلبية احتياجات وتحقيق وتوقعات المستفيدين ورضاهم عن الخدمات التعليمية التي تقدمها المؤسسة التربوية. وجاء (العدواني، 2013 :3) ملخصا بقوله بأن الجودة الشاملة في التعليم هي تفاعل المدخلات (المناهج، المسـتلزمات الماديـة، الأفراد، الإدارة) في العملية التعليمية لتحسين نوعية المخرجات بصفة مستمرة.
ومن وجهة نظري كباحثة أرى أن إدارة الجودة الشاملة هي أسلوب شامل متكامل يتم تطبيقه في مؤسسة تعليمية بحيث يعتبر تحقيق أهداف المؤسسة بأقل التكاليف وأكفأ الطرق من أبرز مخرجاته. مما سبق إذن يمكننا استنباط عناصر إدارة الجودة الشاملة والتي تمثل أساس لبناء هرم الجودة:
- اقتناع القيادة بالجودة الشاملة نظاما ومنهجا
- التركيز على المخرج والمستفيد الأساس وهو الطالب
- التركيز على الحقائق مع شفافية مطلقة في التعامل مع نقاط القوة والضعف
- التحسين والتطوير المستمر
- إشراك جميع العاملين في المؤسسة في نهج الجودة مع احترام إنسانيتهم وتحسين ظروف عملهم.
قد يتبادر إلى ذهن القارئ لماذا هذا النوع من الإدارة بالذات؟ وماهي الفائدة المرجوة من تطبيقه؟ وهذا ينقلنا إلى الحديث عن نتائج تطبيق إدارة الجودة الشاملة في مؤسساتنا التربوية وعظيم تلك الفوائد العائدة من هذا التطبيق: (زرقان، 2014: 141).
- الاستخدام الأمثل للموارد المادية والبشرية المتاحة.
- التحسين المستمر لمخرجات العملية التعليمية حتى تحقيق الأداء العالي في جميع الوظائف الإدارية والأكاديمية
- تقديم الخدمات بما يشبع حاجات المستفيد الداخلي والخارجي.
- توفير معنويات أفضل لجميع العاملين حيث تتم دراسة احتياجات الموظفين والعمل على تلبيتها.
- توفير أدوات ومعايير لقياس الأداء حيث يساعد ذلك على الحصول على بعض الشهادات وخصوصا الاعتماد المؤسسي.
- تخفيض التكلفة مع تحقيق الأهداف التربوية في الطلب الاجتماعي دون التأثير على جودة التعليم
- تكوين ثقافة تنظيمية تشجع على رفع كفاءة الأداء والتحسين المستمر.
- الوقوف على المشكلات على أرض الميدان حيث الكشف عن القصور في النظام التعليمي في الجامعة وكيفية الطرق لعلاجه.
ومع عظم هذه المخرجات، يبقى السؤال؛ كيف نحقق الجودة الشاملة في مؤسساتنا؟ وبمعنى أدق ماهي متطلبات تحقيق الجودة الشاملة وكيف نستدل على وجودها وأثرها؟ ;يأتي اختيار القيادة القادرة على تيسيرالمهام في ظل مفاهيم إدارة الجودة الشاملة على رأس المتطلبات؛ حيث يعتبر اقتناع القيادة بالجودة الشاملة أهم الأولويات، يتبعه تجديد ثقافة المؤسسة مع ضرورة تغيير المفاهيم والأساليب والقيم والاتجاهات والمعايير بما يتماشى مع مفاهيم إدارة الجودة الشاملة وتهيئة مناخ العمل والثقافة التنظيمية لكافة العاملين قبل التطبيق (هنداوي وآخرون، 1997: 214)، مع ضرورة إشراك كافة العاملين في جميع مجالات العمل وخاصة اتخاذ القرارات وحل المشاكل، كما وتعتبر شمولية واستمرارية المتابعة من أبرز أسس تحقيق الجودة. وفي تفصيل أوسع مع رؤية أعمق وأكثر إجرائية؛ قسم (عبد الوهاب، 2020، 66-68) متطلبات تطبيق إدارة الجودة الشاملة إلى:
1- متطلبات تتعلق بالقدرة المؤسسية وتشمل
أولا: قدرة المؤسسة على إعداد رؤية ورسالة تنسجم وتتواءم مع توجهات وقدرات المؤسسة.
ثانيا: قدرة المؤسسة على القيادة والحوكمة متمثلا في نجاح المؤسسة في التوجيه الأمثل لكل الموارد البشرية والمادية نحو تحقيق الأهداف مع إشراك كافة العاملين وتحفيزهم لإطلاق طاقاتهم الإبداعية، مع تبني القيادة فكر التطور والسعي نحو التميز مع وضع السياسات اللازمة في إطار زمني ملائم يضمن كفاءة وفاعلية الإدارة.
ثالثا: قدرة المؤسسة على التوفير النوعي للإمكانات المادية والبشرية بحيث يكون لدى المؤسسة عدد كاف من العاملين والإداريين مع زيادة كفاءة هؤلاء من خلال التطوير المهني المستمر خاصة في التعامل مع التطورات التكنولوجية الحديثة، كما ويجب توفير تجهيزات من قاعات ومختبرات ومعامل ومكتبات ومساحات ونظام معلومات وبيانات لجمع الحقائق من أجل اتخاذ القرارات السليمة.
رابعا: قدرة المؤسسة فيما يتعلق بالمشاركة المجتمعية، ويقاس ذلك بمدى التعاون والتلاحم مع قوى المجتمع والبيئة المحيطة بالمؤسسة التعليمية وقوة جسور العلاقات والثقافات والمفاهيم النهضوية المشتركة المتبادلة.
خامسا: قدرة المؤسسة على الإيفاء بمتطلبات الجودة والمساءلة ويعني ذلك بناء فرق العمل مع التقويم المستمر واستخدام أدوات الجودة والتقييم الذاتي والتحفيز المعنوي والمادي وتفعيل الهيكل التنظيمي المناسب.
2- متطلبات تتعلق بالفاعلية التعليمية وتشمل
أولا متطلبات خاصة بالمتعلم؛ على اعتبار أن الطالب هو المستهدف والناتج الحقيقي من العملية التعليمية، وتتعلق المتطلبات الخاصة به بمجموعة المعارف والمهارات والقيم التي يجب أن يكتسبها المتعلم ليتمكن من ممارسة التفكير الناقد والإبداع والتعلم الذاتي والمهارات الحياتية.
ثانيا متطلبات خاصة بعضو هيئة التدريس؛ وتشمل استخدام استراتيجيات مناسبة تراعي الفروق مع تطوير وتنفيذ عمليات التقييم المناسبة والاتصاف بالكفاءة في التدريس وخدمة المجتمع وتشجيع الطلاب على التطبيق والمرونة والابتكار.
ثالثا متطلبات تتعلق بالمنهج المدرسي؛ ومنها أن تكون أهداف المنهج وموضوعاته واضحة مواكبة للمتغيرات الحديثة في العلم والمعرفة، مع غلبة الجانب التطبيقي على الجانب النظري مراعيا في الوقت ذاته الطلبة من ذوي الحاجات الخاصة.
رابعا متطلبات خاصة بالمناخ المدرسي؛ حيث يعتبر توافر بيئة ومناخ مناسبين من أكثر المتطلبات إلحاحا ويتمثل ذلك في تعاون الإدارة مع كافة الجهات الداخلية والخارجية، وإزالة كافة الأعمال التي تعوق تطبيق الجودة مثل عدم ثبات القيادة وغياب المواصفات والمعايير الموضوعية للقياس.
معوقات تطبيق إدارة الجودة الشاملة في المؤسسات التربوية
انطلاقا من مفهوم المعوقات والذي يعبر عن جميع العوائق المادية والإدارية والفنية والاجتماعية والشخصية التي تعيق عمل المدير أو المسؤول، عن تحقيق أهداف برامجه وخططه الإدارية التي تعمل على تطوير عملية التعليم والتعلم؛ يمكن حصر المعوقات التي تحول دون التطبيق الكامل لإدارة الجودة الشاملة؛ فبحسب نتائج دراسة (أبو صاع وآخرون، 2019: 87) تبدأ هذه المعوقات من كثرة البيروقراطية في العمل، مع ضعف العلاقات الإنسانية داخل أسوار المؤسسة، وقلة وعي أعضاء الهيئة التدريسية بثقافة الجودة وأهميتها، مع الاعتماد على التلقين في العملية التربوية نتيجة كثرة أعداد الطلبة داخل الغرف الصفية والتي تعتبر معوق كبير أمام الجودة كنوعية، واعتماد المقررات كمصدر وحيد للمعرفة، وكثرة الأعباء التدريسية على عضو هيئة التدريس، وقلة توفر المختبرات العلمية وتجهيزاتها، مع ضعف مسايرة أنظمة وقوانين المؤسسة التربوية لمتطلبات العصر الحديثة. كما ويمكن تصنيف المعوقات كالتالي: (ربايعة وعبيد، 2015)
الجوانب القيادية
- عدم قناعة بعض القيادات الأكاديمية لتطبيق إدارة الجودة الشاملة
- غموض استراتيجيات وسياسات تطبيق إدارة الجودة الشاملة
- عدم اكتراث بعض القيادات بتطبيق إدارة الجودة الشاملة
- عدم وجود دائرة تعمل بصورة مستمرة على ضمان جودة العمليات الأكاديمية
- عدم توفير مناخ تنظيمي يشجع على التميز في الأداء
- عدم إطلاع أعضاء الهيئة التدريسية على النتائج المرتبطة بعملهم الأكاديمي
- عدم وضوح معايير اختيار القيادات الأكاديمية
خدمة المجتمع
- ضعف برامج التعليم المستمر
- ضعف معايير قياس رضا العملاء الداخليين والخارجيين.
- ضعف العلاقة بين الجامعة وسوق العمل
- الافتقار إلى آليات تتلمس مشكلات المجتمع
- ضعف الاتصال بمؤسسات التوظيف لمعرفة احتياجاتهم
- تدني مستوى ملاءمة برامج التعليم واحتياجات سوق العمل.
البحث العلمي
- تدني عدد المكتبات العلمية المتوفرة
- ضعف قنوات الاتصالات بين أقسام وإدارات الجامعة
- قلة مشاركة أعضاء هيئة التدريس في المراكز البحثية العالمية والمحلية
- ضعف الدعم المالي المقدم للأبحاث العلمية
- صعوبة تحديد الاحتياجات البحثية التي تضمن أولويات التميز
- محدودية الوسائل البحثية لعضو هيئة التدريس
- ندرة الموارد البشرية المؤهلة العاملة في مراكز الأبحاث
- ضعف الثقة في أعضاء هيئة التدريس
- زيادة العبء التدريسي على حساب البحث العلمي
الجوانب التنظيمية
- قلة مشاركة أعضاء هيئة التدريس في الجوانب الإدارية
- ضعف الحوافز المادية
- ضعف الحوافز المعنوية
- غلبة الطابع البيروقراطي
- محدودية برامج التنمية المهنية لعضو هيئة التدريس
- الافتقار إلى المساواة في الفرص بين أعضاء هيئة التدريس
- تقادم أساليب اختيار أعضاء هيئة التدريس.
- قلة الوسائل التعليمية الحديثة المناسبة للعمل الأكاديمي
- قلة الخدمات الاجتماعية المقدمة لعضو هيئة التدريس
- طول إجراءات ترقية عضو هيئة التدريس
- مركزية الخدمات الإدارية المقدمة لأعضاء هيئة التدريس
- الافتقار إلى ظروف عمل مناسبة
الجوانب المعرفية
- ضعف إدراك مفهوم التعليم المستمر
- إهمال تشجيع الطلاب على التطور المعرفي الذاتي
- تقييد حرية التعبير والتفكير النقدي لدى الطلاب
- الافتقار إلى آليات لتنمية سلوكيات المعرفة لدى الطلاب
- الاعتماد في إيصال المعرفة على الطرق والتلقين التقليديين
توصيات للتغلب على العقبات
- مراجعة المؤسسة التربوية للإجراءات التنظيمية التي تتبعها لتنظيم عملها، وبالتحديد العمل على إشراك أعضاء هيئة التدريس في جوانب العملية الإدارية بصورة أكبر، واستحداث نظام حوافز مادية يشجع الموظفين على المشاركة في إجراءات العمل وتنظيمه بشكل فعال مع العمل الحثيث على نشر ثقافة الجودة بين العاملين.
- إيلاء اهتمام أكبر بالبحث العلمي من خلال التركيز على دعم الأبحاث العلمية بالحوافز لأعضاء الهيئة التدريسية، مع تحقيق مبدأ العدالة والمساواة في الفرص المتاحة، إضافة إلى ضرورة توفير قواعد بيانات والمكتبات العلمية المتخصصة ليستفيد منها أعضاء الهيئة التدريسية.
- زيادة اهتمام المؤسسة بمتطلبات المجتمع المحلي والتعرف على احتياجات تنميته وذلك من خلال تعيين لجنة مختصة تقوم بالتعرف على هذه الاحتياجات، وتفعيل مركز التعليم المستمر التابع للجامعات وتحسين الخدمات التي يقدمها للجمهور
المراجع
أبو صاع، جعفر، وهبي، ديانا، كلوب، محمد، معوقات تطبيق إدارة الجودة الشاملة في جامعة فلسطين التقنية –خضوري، المجلة الدولية لضمان الجودة، 1(2)، 81-90، 2019
ربايعة، سائد، عبيد، شاهر، معوقات تطبيق إدارة الجودة الشاملة في الجامعات الفلسطينية، مجلة البحث العلمي في التربية، ع16، 307-323، 2015
الزهيري، إبراهيم، إدارة الجودة الشاملة في التعليم “رؤى عالمية، مجلة تواصل، ع3، 24-41، 2006
زرقان، ليلي، الجودة الشاملة في التعليم العالي: معاييرها ومتطلبات تطبيقها، مجلة عالم التربية، 15(48)، 133-175، 2014
عبد الوهاب، رضا، متطلبات تحقيق الجودة والاعتماد بالمدارس الثانوية التجارية بمصر، مجلة البحث العلمي في التربية، ع21، 57-80، 2020
العدواني، خالد، الجودة الشاملة في التعليم، بحث مقدم لإدارة الجودة والاعتماد بوزارة التربية والتعليم، الأردن، 2013
الميمان، بدرية، الجودة الشاملة في التعليم العام المفهوم والمبادئ والمتطلبات (قراءة إسلامية)، اللقاء السنوي الرابع عشر: الجودة في التعليم العام، 73-125، 2007
هنداوي، حافظة وآخرون، الجودة الشاملة في التعليم العالي، مجلة دراسات تربوية واجتماعية، 3(2)، 211-213، 1997