مقدمة
إن من أهداف أنظمة التعلم العالمية إعداد جيل واعِ ومتمكن وواثق من مهارته وقدراته، قادر على إظهار سلوك تربوي يعكس عمق وواقعية المفاهيم التي تعلمها داخل الصف، فالأنظمة التعليمية تعي تماماً أن ذلك الجيل هم رواد البناء المجتمعي؛ لأنهم الأمل الذي يُعوّل عليها طموح الدول نحو التقدم والمنافسات العالمية في مختلف مجالات الحياة، والعقول التي ستقف بمرونة وتحدي أمام المتغيرات المتجددة، والتطورات المتتابعة، والمشكلات المستعصية.
ومما لاشك فيه أن الطموح والآمال التي يسعى نحوها المتعلم بإصرار واجتهاد أثناء ممارسة أنشطة التعلم الصفية واللاصفية تعكس احتياجاته، وتكشف عن مهاراته وميوله ونمط تفكيره ومستوى قدرته على تحمل المسؤولية، الأمر الذي يساعد المربي على تصميم أنشطة تعلم موجهة شاملة متنوعة مستمرة ومترابطة؛ لتغذية عقول المتعلمين وصقل مهاراتهم وتوجيه اتجاهاتهم وتطويرقدراتهم في أجواء علمية اجتماعية ثقافية آمنة تزيد من دافعيتهم نحو التعلم وتزيد من حماسهم نحو تصور موقعهم المهني والوظيفي المستقبلي، فالجيل الواعد في الوقت المعاصر لن يكتفي بالحصول على الوظيفة أو ممارسة مهنة ما بغض النظر عن مدى ملاءمتها لميوله ومستوى طموحه قاصراً هدفه في الحصول على راتب شهري يُلبي احتياجاته الشخصية والأسرية، ولن يرضى أن يكون مواطناً مجردا من مفهوم ومعنى المواطنة المرجوة، وهو ما أصبح محور اهتمام وتركيز المهتمين بالأنظمة التعليمية العالمية، حيثُ بين فترة زمنية وأخرى تُحدّث وتُطوّر أهدافها وتُغير مسار خططها التربوية حتى تُصبح أكثر مُلاءمة لشخصية المتعلم ومتطلبات عصره وتطلعات دولته.
من هذا المنطلق سيتناول هذا المقال أهمية تعليم ريادة الأعمال للمتعلمين في التعليم العام ودورها في تحقيق المتطلبات المعاصرة…
وبما أن الاتجاهات العالمية التربوية المعاصرة غايته استثمار الموارد البشرية استثماراً يعود بأرباح علمية واقتصادية واجتماعية وثقافية يُستدل على أثارها من مظاهر وعي وتحضر وانفتاح وثقافة أفرادها وقدرتهم على إدارة المعرفة بشكل واقعي وإبداعي وابتكاري يعكس مستوى تقدم وتطور دولهم في مختلف جوانب الحياة، ومدى استعدادها للخوض في المنافسات العالمية، وذلك من خلال الخطط الاستراتيجية التربوية وطرقها وأساليبها المتنوعة، كالتعلم المتمايز ومهارات القرن الحادي والعشرين؛ لتمكين المتعلمين (الموارد البشرية الواعدة) من المهارات النفسية والاجتماعية اللازمة لتلبية الاحتياجات والطموحات الشخصية والوطنية، فإن معظم الأنظمة التعليمية أضحت تبحث عن خطط تدعم جهودها، لاسيما بعد ظهور الاتجاهات الحديثة على المستوى المحلي والدولي والإقليمي، كاتجاه متطلبات سوق العمل، اقتصاد المعرفة، واتجاه التنمية المستدامة… فالمهارات التي اكتسبها المتعلم الواعد خلال فترات تعلمه في مراحل التعليم المختلفة لا تكفي لمواجهة التغيرات المتباينة والمستحدثة، وعلى إثر ذلك عمقت تلك الأنظمة نظرتها، ووسعت دائرة اهتمامها بالأهداف التربوية التي تُعزز لدى المتعلم (المورد البشري الواعد) مهارات المبادرة والتفكير الخلاق التي تمكنه من اختراع وابتكار حلول للمشكلات الراهنة، وتقديم مبادرات ومشاريع خلاقة؛ تعود على مستقبلهم المهني أو الوظيفي بالكثير من النفع، وعلى مجتمعاتهم بالنمو والتقدم.
ومن هذا المنطلق توصل المهتمون في مجال التربية إلى أن التنمية المستدامة هي لبنة المستقبل البشري، وأن الإنسان هو لبنة التنمية المستدامة، أما تحقيق الارتباط بين اللبنتين وإظهاره على أرض الواقع، فيتطلب اعتماد مدخل تعليم ريادة الأعمال ضمن أهداف العملية التعليمية، حيث يُعد من المداخل المعاصرة التي توفر للمتعلمين فرص عمل واقعية مصغرة، ترفع مستوى ثقافتهم المهنية وتُثري شخصياتهم بالكثير من المهارات المهنية، كالوقوف على متطلبات سوق العمل وإدارة المهام وأدائها والمخاطرة واقتناص الفرص وإدارة الأموال واستشراف مستقبل المنتج أوالخدمة المقدمة للمجتمع وتحدي التهديدات، إضافة إلى تطوير مهاراتهم النفسية كالثقة بالنفس وتقدير الوقت والتنظيم والعمل ضمن الفريق والتواصل الفعال وإدارة الحوار، وذلك في أجواء منظمة آمنة وأنشطة تربوية هادفة.
وذلك ما فطنت إليه وزارة التربية والتعليم المصرية ( 2018،ص8) حين سلطت الضوء على تعريف تعليم ريادة الأعمال موضحة بأنها عملية تستهدف تعزيز ثقافة البحث والابتكار وتنمية الأفكارالريادية، إضافة إلى إسهامها في احتضان ورعاية قدراتهم ومهاراتهم اللازمة لريادة الأعمال ودعمها.
وفي ذات السياق أكد مجدي عوض مبارك (2014، ص18)على أهمية وضع خطط وأهداف بمعايير تربوية تتناسب مع المفهوم الواقعي لمتطلبات سوق العمل لمناهج التعلم؛ لدورها في إيقاظ إحساس المواطنة الصالحة في نفس المتعلم، وما يتبعه من إحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعه ووطنه؛ لأن تعليم ريادة الأعمال من العوامل التي تسهم بشكل فعال في تنمية مهارات وإمكانيات المتعلم، وتصنع منه فردا إيجابيا نشطا قادرا على التعامل مع مختلف الأنماط البشرية بأسلوب أخلاقي واجتماعي متحضر رفيع، وتؤهله ليُصبح من الرواد القادرين على العمل في مختلف الوظائف التي تلبي الطموحات التنموية المرجوة لمجتمعه ووطنه.
ومن ثم فإن تعليم ريادة الأعمال من الأهداف الحيوية المحورية الحاسمة؛ لأنها من أهم مرتكزات التقدم الاقتصادي والاجتماعي المعاصر، فالأنشطة الريادية بقدر اعتبارها حاضنة للابتكار التقني، فإنها تُعدّ من أهم السبل التي يتعرف عن طريقها المتعلم على فرص العمل، ويتشرب من خلالها المفاهيم الاقتصادية كمفهوم القدرات التنافسية في مجال المال والأعمال، ومفهوم إدارة المشاريع ورعايتها من نقطة البداية إلى نقطة النهاية مروراً بما تستوجبه من تطوير أو تعديل أو توسع أو الدخول في منافسات، وذلك من خلال تسخير معرفته ودمجها مع مهارته وخبراته التعليمية المتراكمة (204 ، 2013 ، Kibas & Otuya،Otuya).
وبناء على ما سبق يمكن استخلاص:
أهداف تعليم ريادة الأعمال في عدة نقاط منها:
ـ تطوير معارف ومهارات واتجاهات المتعلمين لتعزيز ثقتهم بأنفسهم ودعم علاقاتهم الإنسانية، وغرس مفهوم الولاء والمواطنة في وجدانهم.
ـ تحقيق التعاون بين المدرسة والمجتمع المحلي لتوطيد مفهوم الشراكة المجتمعية.
ـ تنمية ثقافة الالتحاق بالمهن والأعمال.
ـ ترجمة أنشطة التعلم الصفية واللاصفية إلى مشاريع حرة مصغرة، تستهدف إكسابهم مفاهيم اقتصادية عالمية، كمفهوم التنافسية والمالية والتجارية؛ لإثراء عقولهم بالمهارات القانونية والاجتماعية والثقافي والاقتصادية، التي تسهم مستقبلاً في مساعدتهم على الاختيار الصحيح لمهنة المستقبل.
متطلبات تعليم دراسة الأعمال:
ـ تغيير المفاهيم المهنية التقليدية السلبية، إلى مفاهيم إيجابية تحفز الرغبة الذاتية وتشجعها على البدء في المشاريع الخاصة بدل من الاعتماد على الآخرين وانتظار الوظيفة.
ـ إعادة هيكلة مناهج التعلم بأهداف وأساليب واستراتيجيات وتقنيات وأنشطة تعكس مستوى قابليتها لعمليات التعديل والتطوير؛ لتكون أكثر ملاءمة وتكيفا مع التغييرات العالمية المعاصرة في المشاريع الريادية.
ـ تأهيل المعلمين وتطوير معارفهم ومهارتهم من خلال دورات تدريبية مهنية مستمرة تساعدهم في أداء مهمتهم بأسلوب قيادي تشاركي ملموس، وتساعدهم على تصميم أنشطة تعليمية علمية تطبيقية تدعم تعليم ريادة الأعمال في جميع المواد.
ـ اختيار القيادات الإدارية التي تتبنى رؤية ورسالة تؤكد إيمانها بتعليم المتعلمين ريادة الأعمال، وتُظهرحرصها واهتمامها من خلال توفير احتياجات المتعلمين وتتابع مشاريعهم.
الخلاصة
يتوقف ظهور ملامح خطوات المتعلم الريادية المستقبلية على إعادة صياغة خطط واستراتيجيات النظام التعليمي وتعزيز التعاون مع المؤسسات المالية بالطرق والأساليب التي تعكس قدرة المتعلم على اقتحام سوق العمل العالمي بجدارة والمنافسة بثقة.
المراجع
ابراهيم، د. ح. ا. ا. م.، د. حسام الدين السيد محمد، النـافعـي، & أ. تــرکـي بـن خـالـد بـن سعيـد. (2020). دور المشاريع التربوية المشارکة بجائزة السلطان قابوس للتنمية المستدامة في تنمية مهارات ريادة الأعمال لدى طلبة مدارس التعليم ما بعد الأساسي بمحافظة شمال الشرقية في سلطنة عُمان. The role of educational projects participating in the Sultan Qaboos Prize for Sustainable Development in developing entrepreneurial skills among students of post-basic education. دراسات عربية في التربية وعلم النفس ، 123(123)، 59-92.
قرني، ح. ع. ا.، حمادة عبد المنعم، قرني، أسامة محمود، أحمد، & عزام عبد النبي. (2022). آليات تعليم ريادة الأعمال في مراحل التعليم العام بماليزيا وإمکانية الافادة منها في مصر. مجلة کلية التربية، 19(113)، 207-244.