يزخر هذا العالم بأفكار جديدة ومُتنوعة في جميع المجالات وأُطروحات عديدة، كسُقراط وأفلاطُون وغيرهم، ولكن لم ينل الكثير من الفلاسفة مكانة فريدة وشُهرة عظيمة مثلما كان الحال مع أفلاطُون، حيثُ كان السبب في ذلك محاوراته التاريخية التي مثلها في كتابه (الجمهورية)، وقد كانت تمثل الدراما الفلسفية الحقيقية، حيث وضع فيها أفكاره حول (المدينة الفاضلة) على لسان الشخصية الرئيسة فيها (معلمه سقراط) الذي تمّ إعداده أمام عينيه كأول رجل في التاريخ يُعدم بسبب أفكاره.
1- نشأة أفلاطُون:
أفلاطُون هو فيلسوف إغريقي، يُعد أعظم الفلاسفة الأقدمين دون مُنازع، وكانت أعماله هي الشرارة الأولى التي أشعلت جميع المسائل والأفكار الفلسفية في العالم الغربي حتى اليوم، وكانت أيضًا الحافز الأول لظهور علم النفس والمنطق والسياسة، وقد تركت تلك الأعمال تأثيرات عميقة على الحياة العلمية في مُختلف عصور التاريخ، كان أفلاطُون أحد الذين
حبتهم السماء بكُل هبة يُمكن أنْ يتصف بها الإنسان، فقد اجتمع له نبل الأصل وعراقة
المحتد وثراء الوالدين، وجمال الصُورة ورجاحة العقل وقوة الجسم حتى لقد لقبوه بأفلاطُون، ومعناه باليونانية “عريض”، كناية عن عرض كتفيه، أما اسمه الأصلي فكان أريستوكل،
على أنَّ أهم ما اتسم به شغفه الشديد بالحكمة والمعرفة، ذلك الشغف الذي قاده في سن العشرين إلى التتلمذ على يد المُعلم الأكبر سُقراط الذي كان وقتئذ في الثانية والستين من عصره (الميناوي، 2009م، ص15).
2- التربية أداة جُمُود واستقرار:
يرى أفلاطُون أنَّ تكوين شخصية المُواطن تتحقق بتحقيق الانسجام بين عناصر الشخصية الإنسانية المُختلفة، فالشخصية الإنسانية في نظره تتضمن القُوى العقلية والقوى العصبية والقوى الشهوية، وهذه كُلها قوى مُتنافرة لا بُدَّ من تحقيق الانسجام بينها، على أنَّ تحقيق هذا الانسجام لا يُمكن أنْ يتم إلا بالقُوة، فالقُوة العاقلة تستعين بالقُوة الغاضبة لإخضاع القوة الشهوية والقضاء على رغباتها، وهذا الانسجام بين مُكونات النفس الإنسانية لا يعني تحقيقًا لتكامُلها وعناية بمكوناتها المُختلفة على قدم المُساواة، إنما معناها أنْ تُسيطر قوة على قوة أُخرى مُستعينة بقوة ثالثة، وعلى هذا الأساس يكون هذا الانسجام في نظر أفلاطُون بمكانة اتجاه للزهُد والتصوف، إذ تقضي القوة العقلية على القوة الشهوية مُتمثلة في ملذات البدن، وهكذا يقترب أفلاطُون من تعاليم التراث المسيحي في هذا الجانب، ولكن هذا الاتجاه إلى الزهد ليس هو الاتجاه الوحيد عند أفلاطون، إذ إنه يهتم بنواحي جسمية في مواضع مُختلفة من “الجُمهورية” كتنظيم الدولة لاحتفالات تجمع بين الشباب والشابات من الحراس في مُناسبات مُعينة، وكمُكافأة المُحارب الشُجاع بمزيد من فُرص الاتصال الجنسي، وكتركه الاتصال الجنسي بين جماعة الفلاسفة الحُكام وبين النساء على هذا المُستوى دون ضابط أو رابط؛ بل إنَّ الشُبان في المُجتمع الأثيني كانوا يُمارسُون الجنسية المثلية، حيث كانت متفشية بينهم، وقد شجع أفلاطُون هذا الاتجاه واستحسنه، كل هذا في الوقت الذي أدانت فيه المذاهب الأخلاقية هذه النواحي الشاذة، إذن ففكرة الانسجام عند أفلاطُون هي انسجام الطاعة والخُضُوع؛ أي أنها تنطوي على الكبت من ناحية وعلى الانطلاق من ناحية أخرى، ولعل هذا أن يكُون تناقُضًا آخر من تناقُضات أفلاطُون، أما من ناحية الأهداف الاجتماعية فهُو يرى أنَّ المُجتمع الذي يُريد تحقيقه مُجتمع تقُوم فيه كُل طبقة بالعمل الذي حدد طبقته لا يتعداها، ويحكم المُجتمع الفلاسفة المُلُوك، وللوصُول إلى هذا الهدف تُسخر التربية لتحقيق هذه الطبقية ولتريبة الحراس ولنشر أُسطُورة المعادن بين الناس، بحيث يرضى كُل فرد بنصيبه، أما من ناحية القيم، فلقد كان أفلاطُون حامل لواء النظرة المُطلقة إلى القيم في العالم القديم؛ أي أنَّ القيم موضوعية، فأحكام الناس هما خير أو شر، صواب أو خطأ، جميل أو قبيح، ينبغي ألا تخضع لمقاييس مُتغيرة تغير تجاربهم؛ أي أنَّ القيم لا تخضع للتغيير أو التطور، باقية أزلية، وبذلك يُحاول أفلاطُون أنْ يتجاوز نطاق الغايات المُباشرة كاللذة والشرف والتكريم والمال ليصل إلى المبدأ الكامن من ورائها، على أنَّ بوادر الأخلاق المُطلقة تظهر لدى أفلاطُون بوضوح في مطلع الكتاب الثاني من الجُمهورية، إذ نراه يًصنف الأشياء الخيرة إلى أشياء تطلب لذاتها، بغض النظر عن نتائجها وأخرى تطلب لذاتها ونتائجها، وقد فصل أفلاطُون القسم الثاني فجمع بين الأخلاق المُطلقة والأخلاق الغائبة، على أنَّ أفلاطُون عندما دافع عن موضوعية القيم فصل بين القيم الأخلاقية وبين المُجتمع الذي تُوجد فيه؛ ذلك لأنَّ هذه القيم لا يُمكن أنْ تتحقق إلا في عالم آخر، وبهذا فصل بين الإنسان وعالمه؛ مما أدى إلى أنْ يعيش الإنسان في مجتمع، ويرتبط بقيم أخلاقية بعيدة عنه لا يُمكن أنْ تتحقق في عالمه، وهذه النظرية الأخلاقية تعتمد على مبدأ إنتولوجي ينتمي إلى مجال الميتافيزيقا؛ أي أن المُثل العُليا مُستقلة عن الجزئيات التي تتجسد هذه المُثل فيها، وهُنا
حين يُصبح الخير مبدأ أنتولوجيًا يكُون معنى ذلك أنَّ الكون يتجه بالضرورة نحو الخير، أما الفضيلة فلا تعرف سيدًا، فالمرء يحصل منها المزيد أو الأقل على قدر ما يُكرمها أو يزدريها، واللوم يقع على مَن يختار أما السماء فلا لوم عليها، وهكذا يرى أفلاطون أنَّ الإنسان صانع (النجيمي، 1981م، ص75-76).
3- أهداف التربية عند أفلاطُون:
يُمكن تلخيص أهم أهداف التربية التي تشتق من كتابات أفلاطُون فيما يلي:
- العمل على تحقيق وحدة الدولة؛ نظرًا لما رآه أفلاطُون من تفشي روح الفردية في أثينا في عهده على تحقيق هذا الهدف بتنمية روح الجماعة أو الإحساس بالشُعُور بالحياة الجماعية، فالدولة في نظره تفوق الفرد، ولذلك يجب أنْ تدرب كل مواطن على تكريس نفسه بدون تحفظ لخدمة الدولة، وأنْ يغفل مصالحة الخاصة.
- تنمية المواطنة الصحيحة في الأفراد، هذه المواطنة التي تتجلى في الفضيلة، والتربية في رأي أفلاطون تصل إلى هدفها هذا على نحو حرفي عن طريق غرس صفات الاعتدال والشجاعة والمهارة العسكرية في الشباب، فقد كانت هذه هي الفضائل المعروفة، وهي على أهميتها لم تعد كافية لإعداد المواطنين لحاجات الحياة العامة وحاجات الحياة الاجتماعية المُتطورة، فبتعقد شؤون الحُكُم وظُروف الحياة السياسية والاقتصادية ظهرت الحاجة إلى الحُصُول على مهارات في نواحٍ مُتعددة، وكان رأي أفلاطُون أن إمداد الشباب بالمعرفة الدقيقة عن طبيعة الحُكُم وطبيعة الحق المٌطلق يُساعدهم على مُمارسة الأعمال الرئيسة في الحياة المدنية والاجتماعية.
- نتيجة للسنوات العديدة في التأمُل، كان أفلاطُون يرى أنَّ العقل هو جوهر الكون، وأنه موجود بطبيعته في روح الطفل، ووظيفة التربية هي إعلاء العقل على الأمُور الحسية، والروح على البدن، وذلك عن طريق إيقاظ القوة العاقلة فيه، أو بمعنى آخر هدف التربية ووظيفها توطيد حكم العقل في الحياة النامية للطفل.
- تنمية الإحساس، فالتربية لا بُدَّ وأنْ تهدف إلى أنْ يحب الفرد الحق والخير والجمال، ويجب لذلك أن تتعلم الروح السامية للفرد أنْ تضع المثال فوق الواقع، وأنْ تهتم بالأُمُور الخالدة العابرة، فالطفل بطبيعته مُحب للشهوات الوضعية، وعلى التربية واجب إثارة اهتمامه اهتمامًا بالغًا بالحقيقة المثالية.
- تتطلب طبيعة الإنسان وحياته المُعقدة ضرورة التوفيق بين عناصرها المُعقدة، ولكي تكون هذه العناصر كلًا مُوحدًا يجب التوفيق بين مطالب الجسم والعقل، والحياة التي تقُوم على العادة، وتلك التي تقُوم على التفكير، والمصالح الفردية، ومصالح الدولة، وواجب المُربي الكبير في هذه الحالة هو محاولة حصول الفرد على التناسق في شخصيته.
- إنتاج أطفال قادرين على حُكم أنفسهم ويستطيعون بتفكيرهم التصرف في المسائل المُتعلقة بسلُوكهم، وبذلك يُوفرون على الدولة عبء تعليمات وقوانين تفصيلية في مثل هذه المسائل.
- العمل على أن يعيش الأطفال بانسجام، على أنْ تكُون المدرسة أعظم الهيئات الاجتماعية والإنسانية، فالتربية الحقة يجب أن يكُون هدفها الأعظم تمدين الأطفال وتهذيب علاقاتهم بعضهم ببعض وعلاقاتهم بالذين يحكمونهم (علي، 2010م، ص324).
4- نظرية أفلاطون في التربية:
غلبت على آراء أفلاطون التربوية آراؤه في علم النفس التي تصف الروح البشرية أو الشخصية، وآراؤه عن المجتمع البشري وعن الفرد والمُجتمع، والعلاقات بينهما، وعلى أساس نظرة أفلاطون السيكولوجية أعطى أفلاطون نظامًا لتدريب الأفراد، وهو كالتالي:
أولًا:
يجب أن يخضع المسؤولون عن الحكومة في المدينة لنظام تربوي يتكون من خمس مراحل، وهي:
- من الميلاد إلى سن السابعة عشرة، وتنقسم هذه المرحلة إلى قسمين، ويربى الأطفال على أيدي اختصاصيين في دور الحضانة العامة بعيدًا عن الآباء. وفي الحضانة يهتم المُشرفون بالنمو الجسمي للأطفال مستغلين اللعب والرياضة في ذلك، ومن خلال القسم الثاني يتعلم الأطفال القراءة والكتابة، ويتدربون على التذوق الموسيقي (وتشمل الموسيقى واللغة، والأدب بالمفهوم الحديث)، وإلى جانب ذلك يتعلم الأطفال والعُلماء العلوم والتمرينات البدنية، وتخضع المناهج التي يدرسها المُتعلمون لرقابة الدولة خضوعًا كاملًا في محتواها وشكلها.
- من سن السابعة عشرة أو الثامنة عشرة إلى سن العشرين، في هذه المرحلة يدرب الشباب تدريبات عسكرية وجسمية شديدة.
- المرحلة الثالثة من سن العشرين إلى الثلاثين يُدرب فيها الشباب على العلوم كالحساب والهندسة والفُلك وغيرها، إلى جانب دراسة الموسيقى.
- المرحلة الرابعة من سن الثلاثين إلى الخامسة والثلاثين، وتتميز بطريقة المناقشة والحوار في دراسة عن العالم وطبيعة الخير.
- المرحلة الخامسة من سن الخامسة والثلاثين إلى سن الخمسين، وفيها يعين الناجحون في المرحلة الرابعة في مناصب حُكُومية، وفي سن الخمسين يختار المبرزون في المناصب الحُكومية ليرفعوا إلى المناصب الحكومية العُليا.
ثانيًا:
يجب أنْ يخضع أصحاب الإرادة إلى نظام تربوي خاص بهم، ولكنه مع ذلك يجد مانعًا من خضوعهم للمنهج الدراسي لأصحاب العقل، والتفكير، ويلوح أنه من الضروري لطبقة الجند من دراسة عسكرية تُؤهلهم للمناصب الحربية، وتبث فيهم نوعًا من الشجاعة والقدرة على تقبل أوامر وتوجيهات أصحاب العقل، وإلا فقد يندفعون إلى أعمال يثيرها الطمع لتحقيق مكاسب اقتصادية خاصة بهم، وبذلك يُصبحون مصدر خطر دائم في مُجتمع مُتدين.
ثالثًا:
يجب أنْ يخضع أصحاب الشهوات إلى نظام التربية نفسه في المرحلة الأُولى، وهي من الميلاد إلى سن السادسة عشر أو السابعة عشر، وسوف تُساعدهم هذه التربية على الخضوع لطبقة الجُند وبالتالي فئة المُفكرين، كما أن تربيتهم سوف تسعدهم في اتجاهاتهم الاقتصادية، وينتظر أفلاطون من نوع التربية الذي يخضع له أصحاب هذه الطبقة أنها سوف تكبح جماح شهواتهم (الكسواني وآخرون، 2003، ص58).
5- أكاديمية أفلاطُون:
كان أفلاطُون يطمح إلى إنشاء مدرسة تقام في مكان مُعين، يُباشر فيها مهنة التربية والتعليم بعيدًا عن الضجيج والصخب، فاختار قطعة من الأرض، تقع خارج أثينا من جهة الغرب، اشتراها من شخص يُدعى أكاديموس، ومن هذا الاسم الأخير أخذت المدرسة اسمها “الأكاديمية” ثُم أدخلت هذه الكلمة في جميع اللُغات الأُوروبية تقريبًا، وقد أقبل الطلاب على أكاديمية أفلاطُون من أقاصي الأطراف وآدانيها، ولم يكن يعني أفلاطُون تعليم القراءة والكتابة وعلم الحساب، إذ كان هدفه أسمى من هذا بكثير، لقد كان يُريد أن يُثقف طلابُه، ويُزودهم بحُب المعرفة والحكمة ليجعل منهم فلاسفة، فكان يقوم بتعليم أُصُول المعرفة والتربية، والأخلاق والسياسة، والمنطق والرياضيات، إنَّ الأكاديمية لم تكن مدرسة أنشأتها الحُكُومة لتسد حاجاتها الإدارية، بل كانت مدرسة عُليا مُستقلة عن الحُكُومة لتدريس الفلسفة والسياسة، ويُمكن اعتبارها أول معهد للتعليم العالي، ولم يأتِ إليها الطُلاب لكي يحصلوا على درجات علمية تُعطيهم الحق في وظيفة، فكانوا لا يجتازون امتحانًا، ولا ينالون عن طريقها أي امتحان كان، إلا ما كانت تنطوي عليه روح الخير عن مُعلميهم، فكان هذا هو أحسن مظاهر الأكاديمية، وكان المُعلمون والطلاب يتصفون بالنزاهة التي يُمكن أن تتوافر للعُلماء (النباهين، 1996م، ص79-80).
6- نظام التعليم عند أفلاطون:
تصور أفلاطون في كتابه “الجُمهورية” دولة مثالية تبدأ بتربية الأطفال دون العشر سنوات، تربية بعيدة عن تأثير آبائهم؛ لأن بناء هذه الدولة في نظره لا يقوم في ظل أطفال صغار أفسدهم الكبار، ويجب أنْ يمنح كل طفل منذ بداية تربيته مساواة تامة في فرص التعليم؛ لأنَّ أحدًا لا يعرف من أين يلمع ضوء العبقرية، ويجب أنْ نبحث عن هذا الضوء في كل مكان وفي كل نوع وجنس، ونقطة البداية في نظره هي تعميم التعليم لكل الأطفال، وفي العشر سنوات الأولى من حياة الطفل ينبغي أنْ يكون التعليم مُهتمًا بالدرجة الأولى بتربية أجسام الأطفال، ولهذا يجب أن يُقام في كُل مدرسة ملعب وساحة رياضية، ويجب أنْ يشغل اللعب والرياضة البدنية حيزًا من الاهتمام في مناهج التعليم، لكن مُجرد الرياضة البدنية، والتدريب الجسدي لا يكفي للطفل؛ لأن ذلك قد يجعله خشنًا، فكيف السبيل إذن إلى تلطيف طبيعته، قد يكُون ذلك عن طريق المُوسيقى؛ لأنها تُؤدي إلى الإيقاع والانسجام والتناسق، وتحمل الجمال إلى الروح (هذا رأي أفلاطون)، ويُقدم لنا أفلاطون مبدأ تربويًا سليمًا على أساس تقديم عناصر التعليم إلى عقل الطفل بغير إكراه، أو إرغام؛ لأنَّ الرجُل الحُر ينبغي أنْ يكُون حُرًا أيضًا في حُصوله على المعرفة، والمعرفة التي تتأتى بالإرغام لا تبقى في العقل، وقد تصور أفلاطون نظامًا في جُمهوريته قسمه إلى المراحل الآتية:
- مرحلة الحضانة: يتفق تصور أفلاطون لمرحلة الحضانة مع فكرته عن شُيوع الملكية، وتملُك الدولة لكل شيء بما في ذلك الأفراد، ولذلك رأى أنَّ مرحلة الحضانة تبدأ منذ ولادة الطفل حتى سن السادسة، وفي السنوات الثلاث الأوُلى منها يكُون الاهتمام بتغذية الطفل ورعايته وتعريفه بمقدار ببعض المشاعر كالسُرور والألم، ويجب البُعد عن تخويفه، أما السنوات الثلاث الأخيرة فهي أهم فترات التعليم في حياة الطفل، وما يجب أنْ يتعلمهُ الطفل في هذه المرحلة هو اللعب والتسلية والاستماع إلى القصص الخيالية وقصص الآلهة، ويجوز في نظر أفلاطُون عقاب الطفل في هذه المرحلة.
- المرحلة الأولية (الابتدائية): تبدأ هذه المرحلة من سن السادسة حتى سن الثالثة عشرة، ويتعلم الأطفال فيها في المدرسة الأولية، ويعيشون في المساكن الداخلية التي تعدها الدولة مع فصل الأولاد عن البنات، وفي هذه المرحلة يدرس الأطفال الدين والأخلاق والمُوسيقى والرياضيات، ويُمارسون اللعب والرياضة ومبادئ التدريب العسكري ورُكُوب الخيل، وقد عدل أفلاطون عن رأيه الأول في تدريس القراءة والكتابة، فذكر في كتاب “كتاب القوانين” أنه يجب تأخير تعلمُها حتى سن العاشرة، ويستمر في دراستها حتى آخر المرحلة.
- المرحلة المُتوسطة والثانوية: تمتد هذه المرحلة من سن 13-20، تخصص الثلاث سنوات الأُولى منها من سن ( 13-16) لمواصلة دراسة مواد المرحلة الأُولى إلى جانب تعليم العزف على القيثارة التي أصرّ أفلاطُون على أنْ يتعلمها التلميذ طوال ثلاث سنوات سواء رضي أم كره، والفترة من سن ( 16-18) تخصص ممارسة الألعاب الرياضية العنيفة، والتدريب العسكري، ولا تدرس فيها أي مواد عقلية.
- المرحلة العالية: ويختار لها الصالحون من البنين والبنات في سن العشرين لإعدادهم ليكونوا فلاسفة وحُكامًا، ومدة الدراسة في هذه المرحلة عشر سنوات تخصص للدراسات العلمية التي حددها أفلاطُون بالحساب والهندسة والفلك والمُوسيقى دراسة علمية مُنظمة، وهذه المواد الأربعة هي التي كوّنت الرباعية التعليمية في الفُنون الحُرة، التي اتخذت أساس المنهج المدرسي طيلة العُصُور الوُسطى وامتد تأثيرها على المنهج حتى العُصُور الحديثة.
- الدراسات العُليا: يُوجه الشباب بعد سن الثلاثين حتى الخامسة والثلاثين لدراسة الجدل والفلسفة، ودراسة نظرية الأخلاق وعلم النفس، ونُظم الحكم والقوانين، ومن سن 35-50 يقومُون بخدمة الدولة في مرافقها المُختلفة، ويُوضعون موضع الاختبار، وعند سن الخمسين يُعفى هؤلاء المُوظفون من الأعمال الرسمية ويوجه اهتمامهم لدراسة الفلسفة ونظام الحُكُم (النباهين، 1996، ص 99-100).
7- أفلاطُون والتربية الفنية:
يرى أفلاطُون أنَّ التربية الفنية عُنصُر أساسي، ويكون ذلك أنْ يبتعد الشُعراء عن جمهوريته، وأن يقيموا خارجها بكل إجلال وإكبار واحترام؛ لأنَّ أعمالهم الفنية المُعبرة عن العادات الإنسانية الشريفة هي التي تدعو الناس إلى احترامهم وإجلالهم، كما يهتم أفلاطُون بالفنون ويُعيد إليها الفضل في تكوين الأخلاق، حيث يعتبر أفلاطون أن الأدب وممارسة المُوسيقى والرقص أُمُور مهمة ومُدخل للكمال الخلقي، وهي تربية فنية قبل كل شيء، أما التربية الفكرية لطبقة المحاربين في جُمهورية أفلاطُون مقصورة على التربية الأدبية والجمالية، أما التربية الفكرية لطبقة الحكام فهي تربية علمية فلسفية بجانب كونها أدبية وجمالية (ناصر؛ وظريف، 2009م، ص105).
نلاحظ أنَّ التربية والتعليم عند أفلاطون كانت عبارة عن نظام وليس قضية إيصال للمعلومات والمعارف والخبرات للمتعلمين فقط؛ بل ترتبط بصحة العقل والبدن والنفس، وذلك من أسمى المذاهب الأفلاطونية، إذ يقول عن الموسيقى مَن حسنت ثقافته الموسيقية فله النظرة الثاقبة الحكيمة من خلال التغذي بالموضوعات الموسيقية الجميلة، فينشأ النشأة الصالحة الشريفة، أما صحة البدن فغذاؤها المتين الرياضة البدنية التي تعطي الصحة والعافية لشبابنا وتحميهم وتحفظهم.
المصادر والمراجع
علي، سعيد. (2010). أُصُول التربية العامة، ط2، عمان، الأردن: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة.
الكسواني وآخرون. (2003). مدخل إلى التربية، عمان، الأردن: دار قنديل للنشر والتوزيع.
الميناوي، أحمد. (2010). جمهورية أفلاطون، ط1، دمشق: مكتبة رياض العلبي.
ناصر، إبراهيم؛ وطريف، عاطف. (2009). مدخل إلى التربية، عمان، الأردن: دار الفكر ناشرون وموزعون.
النباهين، علي. (1996). تاريخ الفكر التربوي، ط1، غزة: جامعة الأزهر.
النجيمي، محمد. (1981). في الفكر التربوي، ط2، دار النهضة للطباعة والنشر.