مقدمة
ساهم علم “السلوك التنظيمي” بشكل كبير في التعرف على أبرز المشكلات والظواهر المتعلقة بسلوك الأفراد والجماعات في المنظمات و التي تعاني منها العديد من منظمات الأعمال والمنظمات الحكومية على حد سواء، وتأتي ظاهرة ” الصمت التنظيمي ” أو كما يسميه بعض المهتمين في السلوك التنظيمي ب “سلوك الصمت” أو “صمت العاملين” كأحد المشكلات والظواهر التي أصبحت تؤرق المنظمات، وتؤثر سلبا على فاعليه وكفاءة أدائها وتحقيق أهدافها. (القرني، 2015) هذه الظاهرة نجدها بشكل واضح وملحوظ في سلوكيات الموظفين، حيث نجد العديد منهم يميلون إلى عدم التعبير عن آرائهم ومخاوفهم بما يتعلق بمنظماتهم، ويميلون إلى العزلة عن بيئة العمل، وعدم مشاركة آرائهم مع زملائهم ورؤسائهم، تعتبر تلك العزلة والانطوائية وعدم إبداء الرأي والمشاركة في المعلومات واتخاذ القرار سلوكيات سلبية يمكن أن تلحق الضرر بالمنظمات، سببا في إعاقة وتطوير المنظمة (السيد، 2021). هذه السلوكيات وصفت بظاهرة تسمى ظاهرة ” الصمت التنظيمي ” أو ” صمت العاملين “.
في الآونة الأخيرة بدأ الاهتمام بهذه الظاهرة السلوكية الجديدة، ومن دواعي الاهتمام بها ما تشهده منظمات الأعمال في وقتنا الحاضر من مظاهر العولمة و الانفتاح والمنافسة الشديدة، الأمر الذي يتطلب منا ضرورة الحداثة والتنافسية و الديناميكية في الهيكل الإداري، وزيادة المسؤولية الملقاة على عاتق المرؤوسين من خلال الحاجة إلى مبادرات العاملين و إبداعهم في العمل للتعامل مع المتغيرات المحيطة، كل ذلك لا يتحقق إلا من خلال ضرورة الاتصالات الفعالة بين المستويات الإدارية القائمة على التشاور والمشاركة لا على فرض الأوامر والتعليمات، وتشجيع العاملين على المبادرة وتوفير المناخ الملائم لإظهار وزيادة إبداعهم. فنجاح المنظمات لا يتوقف فقط على جهود الرئيس بل يتطلب الأمر معاونة الرئيس من قبل مرؤوسه من خلال المبادرة في حل المشكلات وطرح الأفكار والمعلومات المتعلقة بالمشكلات التنظيمية، و بالتالي اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها (أحمد، 2017).
ومن الدواعي الأخرى للاهتمام بدراسة هذه الظاهرة السلوكية باعتبارها قضية سلوكية وتنظيمية تعكس عدم فعالية المنظمة (السيد، 2021)، كما تعد إحدى المعوقات التي تواجه المنظمة في تحقيق أهدافها وتشكل تأثير خطير على المنظمات هذه الظاهرة تؤثر سلبا على عدة جوانب في العملية الإدارية ولا تقتصر هذه التأثيرات على المستوى الفردي بل يتعداه إلى المستوى الجماعي والتنظيمي، لتصبح إحدى القضايا والمشكلات التي باتت تؤرق المنظمات بصفة عامة التي تؤثر سلبا على فاعلية وكفاءة أدائها وتحقيقها أهدافها المنشودة (الصوفي، سلامة، 2021).
ومن هنا مفهوم أصبح هذا المفهوم في الآونة الأخيرة من المفاهيم السلوكية و الحديثة نسبيا في علم الإدارة التي جذبت انتباه الباحثين والمهتمين بسلوك العاملين في المنظمات، لتصبح جزءاً من اهتماماتهم البحثية التي تهدف إلى إحداث تغيير إيجابي في المنظمات (اسماعيل، 2012). ولتكون إحدى التحديات والقضايا التي تواجه المنظمات الفلسطينية وقادتها في كافة القطاعات ومعالجة هذه الظاهرة والتعامل معها تقع على عاتق القائد الذي له الدور الأكبر في الحد من مظاهر الصمت التنظيمي السلبية والتغلب عليها وعلى آثارها ومسبباتها من خلال عدة متغيرات تنظيمية بالشكل الذي يضمن نشر حرية التحدث وإبداء الرأي بصوت عال دون أي خوف أو تردد من ردود الفعل السلبية من القادة. هناك العديد من الدراسات الحديثة الفلسطينية التي أشارت إلى انتشار هذه الظاهرة في المنظمات الفلسطينية، وسنتطرق في هذا المقال إليها ونتعرف على مؤشراتها وإشكالها وكيفية مواجهتها.
مفهوم الصمت التنظيمي
الصمت التنظيمي من المفاهيم الحديثة والغير مألوفة لأول وهلة، لاسيما وأنه من الصعب تحديد مفهوم له. مر هذا المفهوم بثلاثة حقب زمنية، الحقبة الأولى كانت في الفترة ما بين (1970 حتى منتصف 1980) وكان تركيز الأبحاث حول مفهوم الصوت، أما الفترة الثانية كانت (من منتصف 1980 حتى 2000) كان تركيز البحوث حول (الكلام)، أما الفترة الحالية والتي تمتد من (2000 حتى الآن) فقد كان تركيز البحوث حول مفهوم الصمت.
كانت التعريفات خلال هذه الفترات الزمنية الثلاثة يشوبها العديد من الاختلافات و القواسم المشتركة، حيث قدمت وفقا لمستوى تحليلها مفاهيم مختلفة للصمت، سنحاول طرح آراء بعض الباحثين في سبيل التوصل الى عناصر مشتركة لهذه المفاهيم (عبود، حسين، 2016):
اسم الباحث | التعريف |
Morrison & Milliken, 2000 | ظاهرة اجتماعية من خلالها يحجب العمال آرائهم واهتماماتهم حول مشكلات المنظمة المحتملة نتيجة الاعتقاد أن آرائهم ذات قيمة في منظماتهم وخوفهم من النتائج السلبية. |
Tulubas & Celep, 2012 | الحجب المتعمد للمعرفة والأفكار والاقتراحات والآراء والمشورة المتعلقة بالقضايا التنظيمية وتجنب التعبير عنها لفظيا أو تحريريا. |
المصدر (خليل، 2019)
اسم الباحث | التعريف |
عبود، حسين، 2016 |
هو تردد الموظف في الحديث عن القضايا التي تحدث في العمل خوفا من تفسيرها بشكل خاطئ من قبل مسؤوله المباشر وبالتالي تأثيرها السلبي على العلاقات بينه وبين زملائه العاملين. |
الطائي، صكر، 2018 |
عدم مشاركة الأفراد العاملين بالمعلومات والمقترحات والأفكار مع بعضهم البعض او مع الإدارة لأسباب مختلفة قد تكون ذات مردود سلبي حسب اعتقادهم. |
المصدر (الرحمان،2020)
أسباب الصمت التنظيمي
أشارت الباحثة (مستورة، 2020) إلى العديد من أسباب الصمت التنظيمي تم تصنيفها ضمن ثلاث تصنيفات وهي “إدارية، و تنظيمية، وشخصية- فردية”
أسباب إدارية
- التغذية العكسية السلبية المستمرة من قبل المشرفين، فعندما يتقدم الموظف باقتراح معين للمشرف ويقوم الأخير برفض الاقتراح أو يقابله برد سلبي فإن الصمت التنظيمي سوف يزيد ويتطور داخل المنظمة.
- مجموعة المعتقدات الغير معلنة التي غالبا ما يبقيها المدراء غير ظاهرة بخصوص الأمور المتعلقة بالموظفين.
- فشل المشرفين في معالجة المشكلات الفعلية التي توجد في المنظمات، إذ أن البحث عن حلول السريعة أو تجنب هذه المشكلات يجعل الأمر أكثر سوءا ويؤدي بالموظفين للاعتقاد بأن ليس هناك أمل لإيجاد حل.
- عدم ثقة الموظفين في قادتهم وسخريتهم منهم مما يؤدي إلى حدوث الصمت.
الأسباب الشخصية الفردية
من الأسباب الفردية التي تتسبب في إحداث الصمت:
- الخوف: من التوبيخ، ومن العقوبة، ومن خسارة المكافآت أو حتى من الإقالة.
- العزلة: وهي من أكثر الأسباب الرئيسة في ظهور الصمت التنظيمي، وتعني الخوف من التعرض للرفض أو البقاء وحيدا، فلذلك عليهم اختيار واحدة من السلوكيات إما التعبير عن أفكارهم، أو البقاء صامتين، وفي معظم الحالات يفضلون البقاء صامتين.
أسباب تنظيمية
- إجراءات صنع القرار؛
- دفع الظلم وعدم الكفاءة التنظيمية؛
- الأداء التنظيمي الضعيف.
ويمكن تلخيص أسباب الصمت التنظيمي في الشكل الآتي: (الكعبي، 2018)
أشكال الصمت التنظيمي
اتفاق الكثير من الباحثين ومنهم (مستورة، 2020) (العنزي، العطوي،2016) على ثلاثة أشكال للصمت التنظيمي مصنفة حسب دوافع العاملين وهي: (صمت الإذعان، الصمت الدفاعي، والصمت الاجتماعي) والتي سيتم توضيحها:
- الصمت الإذعان – والاستسلام: هو إخفاء أو حجب المعلومات والآراء رغبة في الاعتزال أو الاستسلام، ويتبع الموظف هذا السلوك بناء على اعتقاده بكون التعبير عن آرائه لا فائدة منه، وأن حديثه عن المشكلات أو الإبلاغ عنها سيحدث تغييرا أو سيلقى أي اهتمام من قبل مرؤوسيه. (سلامة، صوفي، 2021).
- الصمت الدفاعي -الخامد:وصف الصمت الدفاعي بمصطلح “الصمت الهادئ” وهو الوضع المتعمد والإغفال على أساس الخوف الشخصي من عواقب الكلام والتعرض للمساءلة، وحجب الأفكار أو المعلومات أو الآراء ذات الصلة والذي یعد شكلا من أشكال الحماية الذاتية على أساس الخوف من فقدان السمعة والثقة. (رحمان، 2020).
- الصمت الاجتماعي – الإيجابي: هو سلوك هادف ومقصود من قبل العاملين متمثلة في حجب المعلومات والأفكار المتعلقة بعملهم لحماية اشخاص آخرين أو المنظمة على أساس دوافع تعاونية، يعد اختياريا نابعا من الوعي على النقيض من الصمت الدفاعي يكون نابعا من الخوف من العواقب السلبية. (الرحمان،2020 ) والصمت الاجتماعي يحدث بطريقتين الطريقة الأولى هو أن يبقى الموظف صامتا مع الدافع لحمایة فوائد التنظيم، والثانية هو أن یبقى الموظف صامتا مع الدافع لحمایة منافع الموظفين الآخرين. (عوجه، 2019).
واستخدمت هذه الأشكال المذكورة كأبعاد رئيسية لقياس مستوى الصمت التنظيمي في العديد من الدراسات ومنها دراسة (حمودة، 2021) المحلية التي أجريت في الجامعات الفلسطينية لدى العاملين في الاقسام الإدارية بالجامعات الفلسطينية في قطاع غزة، وتوصل إلى نتيجة بأن نسبة الصمت التنظيمي بأبعاده (الصمت الدفاعي، الإذعان، الاجتماعي) بلغت نسبة(%53.6)، وهذا يدل على وجود أنواع من الصمت التنظيمي يمارسها الإداريون داخل الجامعات بنسب متفاوتة، حيث حاز بعد الصمت الإيجابي نسبة بلغت (88%) وهي الأعلى مقارنة مع الأبعاد الأخرى، في حين حازت الأبعاد الأخرى نسب ضعيفة حيث حاز بعد الإذعان نسبة (50.07%) وبعد الدفاعي (51.2%)، ويعزو الباحث هذه النتيجة إلى انتهاج الإداريين النوع الاجتماعي من الصمت الذي يعكس الانتماء والولاء، وأن النهج السلوكي لدى الإداريين هو التعامل مع قرارات و بيئة العمل بإيجابية وممارسة حرية الرأي والتعبير عما يجول في خاطرهم دون تردد و خوف أو إلحاق الضرر بالآخرين .
أبعاد مناخ الصمت التنظيمي
الأبعاد الرئيسية لمناخ الصمت التنظيمي (السيد،2021)
- العزلة: وتتخذ مظهرين: العزلة الاجتماعية التي تشير الى انخفاض مستوى التفاعل الاجتماعي مع شعور الفرد بالوحدة، والمظهر الثاني هي العزلة العاطفية أو الوجدانية التي تعبر عن شعور الفرد بعدم الرضا مع محدودية اتصالاته الاجتماعية مع الآخرين. (السيد،2021)
- ضعف إسناد الإدارة العليا: قد يصدر المدير تعبيرات سلبية مختلفة على سلوك المرؤوسين عندما يتعرض لتهديد أو عند رغبته في تحقيق مكتسبات شخصية أو المحافظة على موقعه الوظيفي، وينشئ حالة من الصمت لدى مرؤوسيه خاصة إذا تزامن مع ذلك أهداف غير واضحة، وبالتالي لا يثق المرؤوس برئيسه ويبقى صامتا خوفا من عقاب رئيسه إن كشف تلك الأخطاء.
- الخوف من ردود الأفعال السلبية: يخشى الافراد من ردود أفعال الآخرين عندما يجدون مشاكل فلا يتحدثون عنها خوفا من تعرضهم للخطر من قبل الزملاء أو حتى لا يتم وصفهم بأنهم مثيري مشاكل، كما يخشى الموظفون من فقدان علاقتهم مع زملائهم في الوقت الذين يرون أن تلك العلاقة هامة بالنسبة لهم فيحرصوا على عدم خسارتها.
- مخاوف ترتبط بالعمل: خوف الموظفين من تقديم الرأي أو طرح أي أفكار ممكن أن تلقى تجاهلا فيعتقدون بأن السلوك الإيجابي يتطلب منهم عدم طرح الأفكار او إبداء الرأي. كما قد يصمت الموظف خوفا من فقدان الوظيفة، أو تعرضه للظلم من قبل الإدارة العليا، أو ربما سوء معاملة.
- ضعف أو قلة الخبرة: تعد الخبرة القليلة سببا في الصمت، فعندما لا يعرف الموظف كيف يتصرف عندما يواجه مشكلة معينة فإنه يلجأ للصمت تفاديا للمشاكل. نفس الشيء عندما يتلقى الموظف من زملائه نصائح وتجارب شخصية سلبية، فالموظف ذو التجربة السلبية يحرص على تفادي المشاكل رغم أهمية الحديث عنها مع الرؤساء و يلجأ إلى الصمت.
استخدمت هذه الأشكال المذكورة كأبعاد رئيسية لقياس مستوى الصمت التنظيمي في العديد من الدراسات، ومنها دراسة (السيد،2021) المحلية، كما تم استخدامها أيضا لقياس مسببات هذه الظاهرة في وزارة الداخلية والأمن الفلسطيني وتوصلت إلى نتيجة مفادها بأن نسبة الصمت التنظيمي بأبعاده (العزلة، ضعف إسناد الادارة العليا، الخوف من ردود الأفعال السلبية، مخاوف ترتبط بالعمل، ضعف أو قلة الخبرة) بلغت (50.4%) وهي نسبة منخفضة، وهذه النسبة تم تبريرها من قبل الباحث بعدة أسباب منها ما يعود إلى المؤسسة أو للأفراد العاملين، فمن جهة قد يكون السبب طبيعة عمل في وزارة الداخلية والأمن الوطني الذي يتضمن أعمال متفاوتة وقد لا يكون العاملين على اطلاع كامل على تفاصيلها وبالتالي يمكن لنقص المعلومة أن يكون سببا في صمتهم، خاصة عندما يتسم العمل بالبيروقراطية، كما فسر تفسير آخر بأن حالة الصمت لدى العاملين قد تعود إلى ارتفاع مستوى الولاء للوزارة نفسها، حيث تحرص الوزارة نفسها عند اختيار المشرفين أو ترقيتهم على ضمان الولاء والانتماء لنهج الوزارة والفهم العميق لرؤيتها ورسالتها وبالتالي يوجد حالة من الانضباط والالتزام التنظيمي، كما توصلت إلى المسبب الرئيسي والأكبر من بين هذه المسببات، حيث كانت نسبة بعد ضعف إسناد الإدارة العليا هي الأعلى حيث بلغت (54.40%) ثم بعد الخوف من ردود الأفعال السلبية بنسبة (51.40%)، يليها ضعف التجربة بنسبة (50.04%)، يليها بعد المخاوف المتعلقة بالعمل بنسبة (48.80%)، وأخيرا بعد العزلة بنسبة (%48.20)
بعض المسببات الفرعية لظاهرة الصمت التنظيمي لدى الموظفين العاملين في المجتمع المبحوث، جاءت بمتوسطات حسابية مرتفعة ما يعني أنها تتطلب جهودا واضحة من قبل صناع القرار للتعرف عليها عن قرب واتخاذ الخطوات الجادة لعلاجها. ومن هذه المسببات نجد:
- رؤية الموظفين بأن الوزارة لا تناقش بجدية آرائهم ومقترحاتهم ولا تعبر عن شكرها لهم.
- اعتقاد الموظفين بأن الإدارة العليا في الوزارة دورها مقتصر على تنفيذ التعليمات.
- خشية الموظفين من تأثر علاقتهم بالآخرين سلبا عند حديثهم عن المشاكل.
- شعور الموظفين بأن المستقبل لن يكون مشرقا وسيكون محبطا للمعنويات.
- خشية الموظفين من خسران علاقاتهم مع رؤسائهم وزملائهم لذلك يفضلون الصمت.
- غضب المدراء عند الاستماع إلى المشكلات أو الانتقادات التي توجه لهم ذات الصلة بأدائهم في العمل.
- اعتقاد الموظفين بأن زملاءهم الذين يخبرون عن المشكلات سوف يعاملون بسوء وينظر لهم كمثيري مشاكل.
- القلق من النظرة السلبية من قبل الزملاء وغياب دعمهم عند الحديث عن مشكلات العمل.
- الاعتقاد بأن مشكلات وقضايا العمل ليست من اختصاص الموظفين، وإنما هي مسؤولية المدراء.
الآثار السلبية لظاهرة الصمت التنظيمي
توصل الباحثون والمهتمون بموضوع الصمت إلى العديد من النتائج السلبية، التي لا تؤثر على الموظف فقط بل تصل آثاره على المستوى الجماعي والتنظيمي، حيث أن انتشار ظاهرة الصمت ينتج عنه انخفاض في مستويات الأداء، وانقطاع الاتصال والتفاعل والتعاون، وفقدان الثقة والاحترام بين العاملين والإدارة، وتقليل فرص النمو والتطور والوصول إلى الأهداف على المستوى الفردي والجماعي، كما يعتبر بمثابة عرقلة أمام عمليات التطور والتغيير التنظيمي، وقصورا في عمليات اتخاذ القرارات وجودة القرارات المتخذة، وغياب للتنوع في المعلومات والقدرة على اكتشاف الانحرافات وتصحيحها في الوقت المناسب، وإضعافا لقدرة التعلم على مستوى المنظمة، وارتفاعا في معدل الأزمات التنظيمية والظواهر السلبية. (الشنيفي، 2019)
الشكل الآتي يوضح الاثار التي تسببها الظاهرة على صعيدين “الافراد والتنظيم”: (الكعبي،2018)
- على صعيد المنظمة: فقد تؤثر على زيادة دوران العاملين، وعدم الرضا بين الموظفين، والذي يؤدي إلى بعض السلوكيات غير المرغوب بها، إذ يؤدي الصمت إلى الابتعاد عن الإدارة، مما يسبب ضعف الاتصال بينها وبين العاملين.
- على صعيد الأفراد: يتضح من خلال عدم التقدير والاحترام للأفراد والاهتمام بما يطرح من قبلهم، إضافة الى ضعف الدافعية لدى الأفراد في القيام بالأعمال الموكلة إليهم ومشاركتهم بالقضايا الخاصة بالمنظمة، وكل ذلك ينعكس سلبا على سلوكيات الأفراد في عدم الالتزام، والتي من شأنها أن تتعارض مع سياسات المنظمة وإجراءاتها، مؤديا إلى ردود فعل غير مرغوب فيها من قبل الموظفين.
على مستوى الواقع المحلي أشارت الباحثة (حمودة، 2021) في دراستها المحلية الفلسطينية التي أجريت على الجامعات الفلسطينية، أن للصمت التنظيمي آثارا على المؤسسات التعليمية ومنها الجامعات الفلسطينية تمثلت في:
- طغيان المصلحة الشخصية على مصلحة العمل وخلق العداء بين العاملين في الوسط التعليمي.
- عدم القدرة على التفرقة بين الخطأ والصواب وبالتالي انتشار مبادئ خاطئة.
- فقدان الثقة والروح الإبداعية لدى كافة أعضاء الطاقم التدريسي وانتشار النمطية والروتين في أساليب التدريس.
- صعوبة في تحقيق الأهداف بعيدة المدى نتيجة وجود عقبات في وصول المعلومة والمعرفة نتيجة اتخاذ قرارات غير صائبة.
طرق الوقاية من الصمت التنظيمي ومواجهته
يمكن مواجهة الصمت التنظيمي وسلبياته من خلال عدة طرق وأساليب ومنها: (بومنقار، وادي، 2016)
- العمل على تطوير سلوك الموظفين في بيئة العمل.
- زيادة الرضا الوظيفي ورفع المعنويات لدى العاملين.
- العمل على التخفيف من مستوى مقاومة التغيير في بيئة العمل.
- فتح قنوات جديدة للاتصال جديدة وذات اتجاهين بين الموظف والمنظمة، بحيث يصبح الاتصال صمام أمان للإدارة من خلال إتاحة الفرصة للموظف لحل المشكلات في بيئة العمل.
- التحفيز الذاتي للموظفين في طرح الأفكار الجيدة والإبداعية.
- خلق ثقافة من شأنها شحذ الطاقات الذهنية والقدرات الإبداعية للموظفين لطرح الأفكار الجديدة وابتكار الحلول الإبداعية للمشكلات باستغلال الموارد المتاحة للمنظمة.
- الاهتمام بتحسين الكفاءة ورفع الإنتاجية للفرد والمنظمة.
- اعتماد مبدأ اللامركزية وتفويض الصلاحيات وتقليل الازدواجية في إنجاز العمل، من خلال تشجيع روح العمل الجماعي بين الرؤساء والمرؤوسين.
في الواقع الفلسطيني قدمت دراسة (السيد,2021) مجموعة من التوصيات يمكن من خلالها مواجهة هذه الظاهرة مسلطة الضوء على جانب نمط القيادة المناسب وسلوك القائد في المنظمة، ومن هذه التوصيات:
- تحفيز نهج السلوك التحويلي للقادة داخل الوزارة من خلال تدريب المدراء على ممارسات القيادة التحويلية وتوعيتهم بأهميتها في تخفيض مستوى الصمت التنظيمي لدى العاملين.
- تطوير سياسات عمل تحقق الدعم الكافي للموظفين من قبل الإدارة العليا، لما لذلك من دور بارز في تعزيز مشاركتهم الفاعلة ومنحهم الحرية الكافية للإدلاء بآرائهم ومشاركتهم البناءة.
- نشر ثقافة إبداء الرأي والجهر بالمقترحات وذلك في إطار قنوات رسمية ضابطة وضمن تعليمات واضحة تعظم المنفعة من هذا الاجراء.
- تعزيز سياسة الباب المفتوح في تواصل الموظفين مع الإدارة العليا وتخصيص مواعيد لهذا التواصل.
- تعزيز روح المنافسة بين الموظفين في حل مشكلات العمل، كإطلاق المبادرات الجماعية أو الفردية لتقديم أفكار من شأنها أن تعالج المشكلات المزمنة وتقديم حوافز كافية للموظفين المبدعين.
- ضرورة تفعيل فرق العمل، ودمج الموظفين للعمل في فرق لغايات التطوير.
من هنا نرى أن هذه الظاهرة السلوكية متواجدة في منظمات الأعمال الفلسطينية بكافة أشكالها، ولكن بنسب متفاوتة ولأسباب مختلفة قد تتعلق بالفرد نفسه وقد تعلق ببيئة عمله في التنظيم، وقد تكون هذه الظاهرة إيجابية تتبعها آثار إيجابية في بعض الأوقات، ولكن أرى أنها تعد بالمقام الأول ظاهرة سلبية وخطيرة تهدد حياة منظماتنا الفلسطينية والتي قد يتبعها آثار سلبية وعواقب وخيمة سواء على الأفراد أو على التنظيم على حد سواء، مؤدية إلى خلق أفراد غير مبالين تجاه منظماتهم ووظائفهم وأعمالهم وبالتالي ضعف الأداء العام للمنظمة والذي قد يتسبب بخسائر مادية علاوة على عدم الابلاغ عن أية أخطاء يتم ملاحظتها.
كما أن المنظمات الصامتة تعج بالأذكياء وأصحاب العقول والقدرات العالية، ولذلك فلابد من رصد هذه الظاهرة من قبل صناع القرار والإدارات العليا في منظماتنا الفلسطينية ومحاولة الكشف عن أشكالها ومسبباتها، والتفكير بأساليب واستراتيجيات مناسبة تساعد في التعامل مع هذه الظاهرة السلبية، وتفعيل الصوت التنظيمي والمشاركة الفعالة التي تسهم في دفع عجلة التحديث التطوير و بالتالي زيادة كفاءة وفاعلية المنظمات.
المراجع:
- احمد. محمد احمد امين (2017)، أثر الصمت التنظيمي على سلوك المواطنة التنظيمية، دراسة تطبيقية على العاملين بالكادر العام التابعين لقطاع التعليم بجامعة المنصورة، مجلة دار المنظومة، المجلد (2)، العدد (2)، ص 208-158
- إسماعيل. عمار فتحي (2018)، “محددات الصمت التنظيمي وأثرها على الاحتراق الوظيفي لأعضاء الهيئة المعاونة بجامعه مدينة السادات، دراسة تطبيقية“، مجلة الدراسات التجارية المعاصرة، العدد (4)، ص 51-1
- بومنقار. مراد، وادي. امين (2016)، “ظاهرة الصمت التنظيمي بالمؤسسات العمومية الجزائرية”، مجلة رؤى الاقتصادية (١٠)، ص ٢٢١-٢٣٥
- حمودة. مجد (2021)، “اثر الصمت التنظيمي في التوافق المهني لدى العاملين في الأقسام الإدارية بالجامعات الفلسطينية”، أطروحة ماجستير غير منشورة، جامعه الأقصى، غزة.
- خليل. اريج سعيد (2019)، “التلازم بين ابعاد الصمت التنظيمي وجودة الحياة الوظيفية- بحث استطلاعي لاراء عينة من العاملين في المركز الصحي-الصليخ“، مجلة العراقية لبحوث السوق وحماية المستهلك، المجلد(1)، العدد(1)، ص 25-09
- الرحمان. نهايت سعدي (2020)، “دور القيادة الروحية في الحد من الصمت التنظيمي دراسة تحليلية لاراء القيادات الاكاديمية في كليات جامعه صلاح الدين، أربيل”، مجلة زانست العلمية، المجلد(5)، العدد (2)، ص 972-921
- السبعي. تهاني (2019)، “القيادة الأخلاقية وأثرها على الصمت التنظيمي لدى العاملين في المدارس الابتدائية في دولة الكويت، منطقة العاصمة التعليمية“، مجلة العلوم التربوية، كلية التربية بالغردقة، جامعة جنوب الوادي ،المجلد(2)، العدد (4)، ص (422-394).
- سلامة. اشرف عبد العزيز، الصوفي. اشرف سليمان(2021)، “القيادة التحويلية وعلاقتها في سلوك الصمت التنظيمي في الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة ، مجلة البحوث الاقتصادية والمالية، المجلد (8)،العدد (1) ص 193-169.
- السيد. علاء الدين خليل (2021)، “مسببات الصمت التنظيمي ومدى تأثرها بالسلوك القيادي، دراسة تطبيقية على الوزارة الداخلية والامن الوطني الفلسطينية في قطاع غزة”، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات الاقتصادية والإدارية، المجلد(30)، العدد (1)، ص1-33
- الشنيفي. نجلاء بنت ابراهيم (2021)، “الصمت التنظيمي في جامعه الملك سعود وعلاقته بالأداء الوظيفي“، مجلة جامعه الملك سعود العلوم الإدارية، المجلد (29)، العدد (2)، 138-119
- عبود. زنيب عبد الرازق، حسين. ظفر ناصر(2016)، “أسباب الصمت التنظيمي وأثرها في أداء العاملين“، مجلة جامعه بابل للعلوم الصرف والتطبيقية، العدد (1)، المجلد (24)، ص 259-233
- العنزي. اميرة خضير، العطوي. مهند حميد) 2017)، “دور القيـــادة التشاركيـة في الحــــد من الصمت التنــظيمي دراسة تطبيقية في الشركة العامة للإسمنت الجنوبية” مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية، المجلد (19)، العدد (3)، ص 160-144 .
- عوجه. ازهار مراد (2019)، ” الصمت التنظيمي وتأثيره في سلوك المواطنة“، مجلة دراسات الكوفة، (53), ص 561-598
- القرني. علي صالح (2015)، “محددات سلوك الصمت التنظيمي لدى أعضاء هيئة التدريس بجامعه الملك عبد العزيز وعلاقته ببعض المتغيرات التنظيمية والديمغرافية”، مجلة دار المنظومة ، مجلد (22)، العدد (96)، ص 384-297
- الكعبي. حميد سالم (٢٠١٨)، ” دور التماثل التنظيمي في الحد من الصمت التنظيمي”، مجلة جامعه الانبار للعلوم الاقتصادية والإدارية، ١٠،(٢٣)، ص ١٤١-١٦١ .
- مستورة. بثينة (2020)، ” اثر الثقة التنظيمية غي التخفيف من ظاهرة الصمت التنظيمي، دراسة ميدانية بالوكالة للتسيير والتنظيم العقاري الحضري“، أطروحة ماجستير غير منشورة، جامعه محمد خضير، الجزائر.
من المواضيع الهامه جدا وقد تناولتها الباحثه بكل دقه وتسلسل… وقد استفدته منها الكثير الي الامام دوما ومزيد من التقدم