الجزء الأول: منهج الدراسات اللغوية (إعداد كتاب النحو)
إشارة: مقترح ورؤية تربوية أتقدم بها لإضافة مادة متميزة على المنهج الليبي بالمرحلة الثانوية، وذلك من خلال بعض الملحوظات التي رأيتها على كتاب الدراسات اللغوية للسنة الأولى بالمرحلة الثانوية.
من الأولويات في كل مرحلة دراسية؛ أن يكون المنهج مناسبا كيفا وكما وأداء، لتحقيق الرسالة التربوية التي من أجلها سهر الباحثون وربطوا ليلهم بنهارهم حتى يأتوا بمخرجات جيدة لإعداد مناهج تتكيف وطبيعة المتعلم، وبالتالي طبيعة المجتمع والمحتوى العام الدراسي، فقديما كان يوضع المنهج بغض النظر عن المحيط العام، بل كان منشأ الوضع هو المحتوى العلمي وما فيه من قيمة علمية ذات تأثير واضح في المتعلمين، فليس الغرض السهولة بل الدسامة والتركيز مع عدم حشو زائد، مع التركيز على الكثافة والشمولية، وكان المتعلمون آنذاك ذوي استيعاب أقوى وتحصيل جيد.
واليوم مع هذا الكم الهائل من التقدم التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، والتفكير الرقمي، أصبح من الصعب أن نضع وحدات منهجية تقليدية كلسيكية، في شكل قوالب جامدة، تحتاج إلى معلم عملي يستطيع تفكيك الفكرة وتوظيفها في شكل علمي يقربها ويبسطها ويجعلها في صور فنية تتماشى وطبيعة العصر.
منهج اللغة العربية، وطرائق الإعداد
يذكر أغلب الباحثين أنه من أصعب المناهج في كيفيات الإعداد والوضع(منهج اللغة العربية). وذلك لأن للغة العربية فروعا كثيرة ومتشعبة في عدة وحدات، فمنهج اللغويات غير منهج الأدب والبلاغة، بالإضافة لفنون الكتابة بأنواعها الإملاء والتعبير(الإنشاء).
وإن شئنا أن نحدد على سبيل التبسيط؛ فإن منهج اللغة العربية على سبيل المثال (المنهج الليبي الدراسي بالمرحلة الثانوية ) ينقسم إلى:
1- الدراسات اللغوية وتشمل داخل الكتاب المنهجي في المقرر العام :
القواعد النحوية، الصرف، المعاجم، القواعد الإملائية.
2-الدراسات الأدبية، وتشمل داخل المنهج المدرسي المقرر:
الأدب والنصوص، البلاغة، الإنشاء والتعبير، (المطالعة).
هذا التقسيم دارج في المراحل الثانوية العامة، ويضاف للقسم الأدبي كتاب (النقد والبلاغة).
فمنهج اللغة العربية له تفرعات كثيرة لا تتوقف عند وحدة معرفية معينة، أو لا تأتي في صورة جزء من كل، بل هي أجزاء وكليات بعضها يكمل البعض وبعضها الآخر يتفرد مشكلا دارة واحدة ومنهجية معرفية ذات وحدة خاصة، والناظر في هذه التقسيمات سيشعر بعمق المسافات وتباعدها، حتى أن منهج القواعد النحوية يستقطع دروسا معينة، ليرسمها في شكل قواعد(قوالب) جامدةـربماـ تُعطى بطريقة يتغلب فيها الجانب النظري أو الإنشائي أكثر من الجانب العملي والتطبيقي. وهذا أمر لا يحقق الهدف التعليمي الذي من أجله وضعت الأهداف ورسمت الخطط.
فالقواعد النحوية هي قواعد عملية تطبيقية لا يمكن أن تصنف بطريقة نظرية، أو تعرض بطريقة إلقاء وتلقين، فإذا كان منهج النحو بهذه الطريقة فإننا نعمل على تكوين حفظة متلقين وعاجزين بالتالي عن التطبيق.
إن الإعداد المنهجي اليوم يعمل على تكوين عقول “تحفظ وتمتاز بالتركيز الذهني من أجل التثبيت”، لا عقول تعمل وتطبق الذي تستشفه من الدروس والمفاهيم، ومن أخطر الإعدادات المنهجية هو التركيز النظري الذي يعتمد النقل والحفظ والتثبيت. فما فائدة العمل على متعلمين أو جيل يمتاز بخاصية الحفظ والتثبيت، بهذه الطريقة نعمل على إعداد آلة- أكرم الله الجميع- تمتاز بخاصية حفظ+تثبيت، وينطلق هذا الفعل إلى تكوين حزمة أو روابط متصلة تؤكد على أن يكون الإعداد المنهجي بطريقة الحشو والامتلاء بالكلام الكثير، الذي يكرر نفسه وفي كل موسم اختباري يطلب من المتعلم أن يلصق ما نسخه في ذهنه، وهذه المثلبة والقصور، لا يمكن أن يتم تحقيق الأهداف الاستراتيجية المنوطة التي من أجلها تكونت القاعدة الهرمية العريضة( المعلم- والمتعلم- والكتاب المدرسي).
ومن المعلوم أن الكتاب المدرسي هو أساس عملية البناء المفهومي، وأساس عملية التعلم والتعليم، وهو مجموع المعارف والخبرات المكتسبة التي تؤهل الطالب أن يكون منتجا فعالا لتقديم ما لديه مستقبلا للمجتمعات الإنسانية، فكيف لنا أن نحصد ما زرعناه” مجموعة من المتعلمين لا يملكون أدوات الإملاء والإنشاء والكتابة الصحيحة، إلا ما حفظ من قواعد مرصوفة بطريقة آلية.
ففي كل عام يذكر الطالب أنه تعلم الإملاء لكنه لا يتقنها ! وكم من المتعلمين ـاليوم ـ هم أصحاب شهادات عليا حتى في تخصص اللغة العربية ذاته، ولكنهم يعجزون عن تطبيق قواعد الإملاء في نصوصهم ويخفقون كثيرا أمام الكم المعجمي الهائل من الكلمات، أضف إلى ذلك العجز الحقيقي أمام بناء جمل متينة نحويا وموظفة توظيفها مثاليا؛ فهذا (العجز) ينبئ عن (عدم) إتقان حقيقي لعملية التعليم والتعلم على أساس منهجي متين.
الرؤية العملية لإعداد منهج النحو
إن منهج النحو ليس مجرد قواعد تكتب وتحفظ، وتظل في صورة قوالب جامدة نسحبها لنذوبها وقتما تعترضنا مسألة ما. فالقواعد النحوية يفترض بهاـ داخل المؤسسات التعليمية أن تكون مرنة، سهلة التطبيق كأي تطبيق يستعمله الطالب في حياته العادية، وطريقة الوضع العام لمنهج النحو يزيد الهوة بين المتعلم ومنهج النحو، فقليل من نراهم يكتسبون مهارات
الإعراب من المتعلمين، أو يستطيعون توظيف قالب القاعدة على الأمثلة والجمل اللغوية، والغالب أن باقي المتعلمين وعلى المستوى العام؛ فإن منهج النحو بقواعده يُشكل عليهم ويرونه معقدا وصعب التطبيق، ولا يفضلونه كـ(مادة) ربما يبرعون في القراءة والتعبير ولكنهم يعجزون أمام تطبيق قواعد النحو، والسبب الرئيس في ذلك يرجع إلى (الكيفية) التي صيغ بها منهج النحو؛(أي كيفية الوضع) فأصبح عبارة عن حشو مكثف مظلل بظلال قاتمة، تلف حول قواعد متراكبة ومصمتة، تحتاج إلى وقت طويل حتى يستوعبها ذهن المتعلم وهي في حقيقة الأمر بسيطة وسهلة فيما لو تم توظيفها التوظيف الجيد، ونحن أمام هذه المعايير يتعين علينا تنفيذ الطرائق التي ينبغي أن يُبنى عليها منهج النحو، وبالتالي يصبح المنهج
سهلا وميسرا للمتعلمين، والمعلمين حين العرض والتطبيق . بالإضافة إلى الاستفادة الكبيرة التي ستكون من وراء الطرائق والبدائل التي يعمل عليها أهل الخبرة والدراية.
أسس التنفيذ والإخراج المنهجي
1-معيار الوضع.
2-معيار طريقة الأداء لدى المعلم.
3-الوسط الكلي والبيئة الملائمة.
-أما معيار الوضع؛ فإنه يكمن في طرائق الإعداد المتنوعة، وألا يكون المنهج محشوا بقواعد تفتقر إلى البساطة واليسر والمرونة وسهولة التناول، بل وكأن المنهج قيمة أثرية وضعت برمتها كما هي ، وهذا ما نستطيع وصفه بالعرض التقليدي القديم الذي يستوحي ذات الطريقة التلقينية الجافة في زمن يستدعي البساطة والسرعة، لهذا نلاحظ كثيرا من المناهج المعدة في تأسيس المادة العلمية اللغوية(النحوية) تتشابه في الطريقة التقليدية القديمة ذات السمت الواحد، ونحن هنا لا ننتقد التقليدية في حد ذاتها، بل هي ركن استوت عليه كثير من العمليات التعليمية وكان نقطة انطلاق لكثير من العاملين في المجال المعرفي، و تعد طريقة معهودة لأزمنة سابقة لها مخرجاتها، ولها الكثير من العاملين في المجال المعرفي، إلا أن الأزمنة والأذهان تتغير بتغير الزمان، لهذا
طلاب اليوم يستشكل عليهم أن يحفظوا كثيرا ولا يطبقون ما يحفظونه مستقبلا، بينما طلاب الأمس كان يتميزون بتوقد الذهن وسرعة البديهة والحفظ؛ فيحفظون ويطبقون ما يحفظون.
أما المتعلم اليوم فإنه يريد المعلومات بعروض سهلة ميسرة، مثلا أن تأتي
القاعدة في شكل متميز من الألوان والقوالب التعليمية بوسائل متنوعة
ومجسمات محسوسة، وإشارات… فهو اعتاد على أن يرى المعلومات بوسائط إلكترونية؛ نظرا لحمله واستعماله لأجهزة الاتصال والتواصل
الاجتماعي، تصور له العالم في أصغر صورة وأقربها، فكيف يتأتى له الأمر
والحالة هذه أن توضع له قواعد بشكل نمطي قديم، ثم نطالبه بالتطبيق؟!
إن إعداد منهج النحو يتطلب من الواضعين أن يكون الإعداد بطرائق
الإبداع المتنوعة، وهناك العديد من الاستراتيجيات التربوية والعروض المتنوعة التي تجعل الطالب مقبلا على المنهج بروح إيجابية وواثقة من نفسها؛ لأن أغلب المتعلمين اليوم لا يثقون في معلوماتهم اللغوية السابقة ويعجزون عن تأليف جملة من التراكيب، تكون مبنية على قواعد نحوية سليمة من حيث البناء والتركيب والوضع، وهذا يعود للمنهج الذي درسه وتم عرضه على الطالب بطريقة جافة مستهلكة للمعلومة وطاردة للمتعلم بحيث لا يستطيع أن يستوعب تلك المعلومات بكل سهولة وأريحية، ولذا -فإنني – أقترح بعض الأمور وهي في الواقع أشرت إليها في أكثر من مقال ودراسة، إلا أنني أؤكد على تطبيقها وتفعيلها ومن أهمها:
1-أن يكون منهج النحو سهل العرض، والتطبيق، باستراتيجية الخرائط الذهنية، والتركيز على التوظيف في الجمل والأمثلة.
2-توظيف الألوان والمؤثرات على المنهج النحوي في الكتاب المدرسي، حتى تصبح دراسته ممتعة ومثيرة لشهية الطالب.
3-لا مانع من إضافة الصور المحكية التي تحول القاعدة لحكاية وبقالب قصصي أو النحو التصويري، بأن تكون الصورة ذات قيمة تعليمية توضيحية كبيرة للمتعلم، وإعانة للمعلم الذي يخوض هذا المضمار ويحتاج فيه للكثير من البرامج ذات الفاعلية التاثيرية والتغذية الراجعة،
4-المؤثرات الصوتية لها دور فعال في ترسيخ المعلومة وتوظيفها توظيفا دائما، فالنحو ليس منهجا مدرسيا ينتهي العمل به بمجرد أن يتخرج الطالب، بل هو سلسلة متصلة بحياة المتعلم ، يحتاج إليه في حياته العامة وبالأخص الوظيفية وعند كتابته لأي شيء، فيلازمه إن كان إعلاميا، أو صحفيا مدونا ، وإن كان مدونا على وسائل التواصل الاجتماعي، أو أراد كتابة تقرير، أو بحث، أو رسالة، أو حتى حوار يرتقي به عن الركاكة والسوقية ، فالنحو مهذب الألسنة، وموضح الأبنية، ومفتق القرائح ، وملزم المتعلم والعارف والمثقف، أن يبحث عن صورةجميلة لقلمه أو فكره ورسالته.
ومن تلك المنطلقات ينبغي مراجعة المناهج اللغوية، ومحاولة وضع نظام عام شامل، يكون فيه الإعداد متمشيا مع روح العصر وأيضا كنوع من التجديد في الطرائق، وتبسيط القواعد لتكون سهلة التناول والتطبيق مع الحرص على المحافظة الأصيلة لروح اللغة وأصالتها.
الصورة النمطية لمنهج النحو للسنة الأولى بالمرحلة الثانوية
الطرائق المعاصرة لتخريج قواعد النحو، بثور ملونة وذات خرائط ذهنية تستحث ذهن المتعلم
*الصور المرفقة كأمثلة مأخوذة من شبكة الإنترنت