يعد هذا المقال خطوة نحو إعادة صياغة العملية التعليمية، حيث يقدم نموذجًا جديدًا يركز على تحويل المتعلم إلى العنصر الفاعل الرئيسي في إنشاء المحتوى وتنفيذ الأنشطة التعليمية، بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي . يمثل هذا التحول استجابة للتطور التكنولوجي السريع الذي يعيد تعريف أدوار المعلمين والمتعلمين على حد سواء. كما أن التركيز على الأهداف التعليمية المحددة مسبقًا من قبل المصمم التعليمي يبقى عنصرًا حيويًا لضمان توجيه المتعلمين بشكل صحيح وتحقيق نتائج تعليمية فعالة.
مقدمة
شهد التعليم على مدار العقد الماضي تطورًا كبيرًا بفضل التقدم التكنولوجي، وخاصة في مجالات التعليم الإلكتروني والذكاء الاصطناعي (AI). هذه التطورات غيرت من كيفية تفاعل المتعلمين مع المحتوى التعليمي وجعلت العملية التعليمية أكثر تكيفًا مع احتياجات المتعلم. ومع ذلك، فإن النماذج التقليدية لتصميم التعليم لا تزال تعتمد على دور المصمم التعليمي في إعداد وتوجيه العملية التعليمية، بينما يظل المتعلم متلقيًا للمحتوى.
في ظل هذا التطور التكنولوجي، برزت فكرة التعلم القائم على الأهداف كإطار تنظيمي يستخدمه المصممون التعليميون لتحديد ما يجب أن يتعلمه المتعلمون وما هي النتائج المرجوة من العملية التعليمية. ومع ذلك، يظل المتعلم محدودًا في دوره الأساسي كمتلق لهذه الأهداف حيث يتم إعداد المحتوى والأنشطة من قبل المصمم التعليمي.
لكن مع ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)، مثل ChatGPT وDALL·E، أصبحت الفرصة مهيأة لتغيير جذري في هذا النموذج. الذكاء الاصطناعي التوليدي يتيح للمتعلمين القدرة على إنشاء المحتوى التعليمي بأنفسهم بناءً على الأهداف التعليمية المحددة مسبقًا. يمكن للمتعلمين استخدام هذه الأدوات لبناء وحدات تعليمية متكاملة، مما يُمكنهم من التحكم بشكل أكبر في العملية التعليمية وتحويلهم إلى فاعلين رئيسيين.
التعلم القائم على الأهداف (Outcome-Based Education – OBE)
يعد التعلم القائم على الأهداف إطارًا تربويًا يتم فيه تصميم العملية التعليمية بناءً على النتائج التي يُراد تحقيقها. الأهداف التعليمية تكون محددة مسبقًا من قبل المصمم التعليمي، وهي تعكس ما يجب أن يكون المتعلم قادرًا على القيام به بعد الانتهاء من التعلم. هذه الأهداف تعتبر المحور الرئيسي الذي يتم بناء باقي عناصر العملية التعليمية عليه، مثل المحتوى التعليمي، الأنشطة، والتقييمات.
أهمية الأهداف التعليمية: الأهداف توفر إرشادًا واضحًا لكل من المصمم التعليمي والمتعلم. تساعد في توجيه المتعلمين نحو المهارات والمعرفة المطلوبة وتحدد معايير النجاح مما يعزز قدرة المتعلم على إنشاء وتوفير المحتوى التعليمي من خلال أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
دور المصمم التعليمي: المصمم التعليمي يقوم بتحديد الأهداف بدقة وتطوير استراتيجيات تعليمية لتحقيق تلك الأهداف. وعادةً ما يقوم أيضًا بإنشاء المحتوى والأنشطة التعليمية بناءً على هذه الأهداف.
دور المتعلم في التعليم التقليدي
في النماذج التعليمية التقليدية، يكون دور المتعلم في الغالب متلقيا، حيث يتلقى المحتوى التعليمي من المصمم أو المعلم. يعتمد المتعلم على المواد المعدة مسبقًا ويشارك في الأنشطة المقررة، لكن دوره يظل محدودًا مقارنة بالمصمم التعليمي الذي يتحكم في جميع جوانب العملية التعليمية.
نظريات التعلم المتمركز حول المتعلم
التعلم النشط: هذا النموذج يشجع المتعلمين على أن يكونوا فاعلين نشطين في التعلم من خلال أنشطة مثل حل المشكلات، والنقاش، والعمل الجماعي. على الرغم من أن هذا النموذج يحسن من مستوى التفاعل، إلا أن المتعلم لا يزال معتمدًا على المحتوى والأنشطة المعدة مسبقًا من قبل المصمم التعليمي.
التعلم التكيفي: يعتمد على استخدام التكنولوجيا لتخصيص مسارات التعلم بناءً على احتياجات وقدرات المتعلم. ومع أن هذا النوع من التعلم يمنح المتعلم بعض المرونة، إلا أن المصمم التعليمي يبقى الفاعل الرئيسي في تصميم المحتوى.
الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI)
تعريف الذكاء الاصطناعي التوليدي: يشير الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى نماذج الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج محتوى جديد اعتمادًا على البيانات المدخلة. أشهر أمثلة هذه الأدوات تشمل نماذج مثل ChatGPT لتوليد النصوص وDALL·E لتوليد الصور.
إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم: يتيح الذكاء الاصطناعي التوليدي للمتعلمين إنشاء محتوى تعليمي ديناميكي ومتجدد دون الحاجة إلى اعتماد كلي على المصمم التعليمي. يمكن للمتعلمين إنشاء نصوص، دروس، صور تعليمية، وحتى أسئلة اختبارية بالاضافة الى الحصول على مصادر تعلم باستخدام هذه الأدوات.
فوائد الذكاء الاصطناعي التوليدي في التعليم:
- التخصيص: يساعد المتعلمين في بناء محتوى يتناسب مع احتياجاتهم الفردية.
- الاستقلالية: يمنح المتعلمين القدرة على إنشاء وتكييف المحتوى بأنفسهم.
- التفاعل المستمر: يمكن المتعلمين من التفاعل مع الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى مخصص بناءً على استفساراتهم وأسئلتهم.
التحول في دور المتعلم باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي
يشير الطرح الجديد إلى تحول كبير في دور المتعلم، حيث يصبح المتعلم هو الفاعل الرئيسي في العملية التعليمية. يتم تحويل المهام التي كان يقوم بها المصمم التعليمي سابقًا، مثل إنشاء المحتوى وتنفيذ الأنشطة، إلى المتعلم الذي يستعين بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
دور المصمم التعليمي في هذا النموذج يكون محوريًا في تحديد الأهداف التعليمية والإرشاد، بينما يتحمل المتعلم مسؤولية بناء المحتوى والأنشطة بناءً على تلك الأهداف.
التعلم التكيفي مقابل التعلم المتمركز حول المتعلم باستخدام الذكاء الاصطناعي
يختلف النموذج المقترح عن التعلم التكيفي الذي يعتمد على توجيه تلقائي للمسارات التعليمية بناءً على الأداء السابق للمتعلمين. في النموذج المقترح، يتم منح المتعلمين السيطرة على إنتاج المحتوى، وليس فقط اختيار أو تعديل المسار التعليمي.
في التعلم التكيفي، يتحكم النظام في تعديل المحتوى بناءً على أداء المتعلم.
في النموذج المقترح، يتحكم المتعلم باستخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد المحتوى وتنفيذ الأنشطة، بناءً على الأهداف التي حددها المصمم التعليمي.
المراجع:
توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير التصميم التعليمي للمحتوى الرقمي وليد صلاح الدين الدسوقي على; نجلاء محمد فارس; سحر محمد السيد; محمد خيري محمد أحمد خيري
استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي في تطوير الأداء التدريسي لمعلمات العلوم الإدارية بالمرحلة الثانوية دراسات عربية في التربية وعلم النفس 152(2):23-68
Luckin, R., & Holmes, W. (2016). Intelligence Unleashed: An Argument for AI in Education. Pearson.
Anderson, T. (2019). The Theory and Practice of Online Learning. Athabasca University Press.
Molenda, M. (2021). Instructional Design: Principles and Applications. Springer.