يحتل التعليم الإلكتروني الصدارة في أخبار التعليم في العالم، خاصة مع أزمة وباء كورونا التي اجتاحت العالم بأسره، وأصبح مألوفاً في التعليم بشكل كبير، فنراه أسلوب تعليم في المدراس والجامعات، بل وأصبح متداولاً على صعيد الشركات والمؤسسات، وأصبحت الطرق والوسائل كثيرة ومتنوعة، مما جعل من السّهل استخدامه في كل وقت وكل مكان، من خلال هواتفنا النقالة، وأجهزة التواصل المختلفة، مع وجود شبكة الإنترنت.
تعتبر شبكة الإنترنت من أهم وأبرز إنجازات العلم، والتي قلبت كافة الموازين في العالم، فمن خلالها يمكن الوصول إلى كثير من المعلومات في كافة المجالات والأفكار السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفكرية والأخبار وغيرها الكثير الكثير، بل إنها سهلت الصعب، وقربت المسافات بجعلها العالم كقرية صغيرة (الأحمري، 2015).
أ- فلسفة التعليم الإلكتروني
يشكل التعليم الإلكتروني تحوّلاً جذريّاً في نوعية التعليم من التعليم التقليدي إلى التعليم عن بُعد بشكلٍ مُيسَّر في بيئة تفاعلية بين المعلّم والطالب. ويخدم التعليم الإلكتروني عملية التعليم بشكل كبير حيثُ يَسْهُلُ على المتعلم الوصول للمحتوى التعليمي في أيّ زمان ومكان، حتّى دون الاتصال المباشر بشبكة الانترنت. كما يُمَكِّن التعليم الإلكتروني الطالبَ من التواصل مع زملائه ومُعلميه والمشاركة في النشاطات التعليمية الّتي تزيد من رغبة الطالب في الإقبال على التعليم. ويساعد التعليم الإلكتروني على تقليص العوائق أمام المتعلمين وذلك لامتيازه بالمرونة والحداثة وتوفره في كلّ زمان ومكان، وتناسبه مع الفئات العمرية المختلفة. كما يسعى التعليم الإلكتروني للمساواة بين المتعلمين باختلاف ظروفهم ومنح الحق في التعليم للجميع على حدٍّ سواء دون تفرقة بين عرق أو جنس أو لغة أو قدرة جسدية، كما يُمكِّن التعليم الإلكتروني من الوصول إلى المتعلّمين في أي بقعة جغرافية لا سيّما في التخصصات الجامعية التي يتم تدريسها عن بعد؛ الأمر الذي يزيد من فرصة التعليم للفرد والتقدم الدراسي لجميع الطلاب (عامر، 2018).
بدأ مصطلح التعليم الإلكتروني بالظهور بداية التسعينات من القرن العشرين، وبدأت تبرز إيجابياته ودوره الهام في التعليم يوماً بعد يوم، مما أدى إلى زيادة الإقبال عليه، فأصبحت تقنيات التعليم الإلكتروني تستخدم في الصفوف الدراسية، والشركات والمختبرات وغيرها بشكل يتسم بالسهولة والمرونة (عبد المجيد والعاني، 2015).
ب- التعلم المرن
مع التطور في استخدام شبكة الإنترنت، ظهر ما يسمى بالتعلم المرن، الذي يتصف بالقدرة على تعديل الوضع التعليمي ليناسب المتعلمين. بالإضافة إلى سرعة التعلم ومرونة الوقت والمكان، فقد ارتبط تطور التعليم الإلكتروني بتطور التكنولوجيا، ففي أواخر الثمانينات من القرن الماضي ظهر أول شكل من أشكال التعليم الإلكتروني وهو نظام استخدام الكمبيوتر والذي لم يتجاوز آنذاك الحدود الزمانية والمكانية، وبالتزامن معه تطورت التكنولوجيا، وظهر الإنترنت ونظام الشبكات في الولايات المتحدة، ومع بداية التسعينات أصبح من الممكن إثراء النصوص بالصّور، فالمحتوى الذي يعرض على شكل نص أقل كفاءة من ما يعرض مع رسوم وصور وفيديو، وانتشر استخدام الإنترنت سريعاً. ومع انخفاض التكلفة، ظهر نظام التعليم القائم على شبكة الإنترنت، الذي يراعي الوقت والمرحلة العمرية ووالذي يظل مناسبا في كل الظروف، فلذلك يعد التعليم الإلكتروني من أهم متطلبات العصر الحديث. ولبناء مقرر إلكتروني لا بد من اعتماد الوسائط الأكثر مُلاءمة، والتي توفر أفضل تفاعل بين أطراف التعليم، ويعتبر التعليم الإلكتروني من أكثر أنواع التعليم عن بعد، الذي يوفر تفاعلاً بين الطالب والأستاذ، وبين الطلاب أنفسهم، وبين الطلاب والمحتوى التعليمي (الهمشري، 2016).
ج- التعلم الإلكتروني في الوطن العربي
أما في الوطن العربي فلم يصل تطور التعليم الإلكتروني ما وصله في الغرب، وذلك لوجود العديد من المعوقات التي جعلت من تطوره مهمة صعبة، ومنها سوء البنية التحتية للاتصالات، وقلة توافر المهارات والخبرات في هذا المجال، ناهيك عن المعوقات الاقصادية، واحتكار بعض الحكومات لشركات الاتصالات والإنترنت، وحتى بعد ظهور الشركات الخاصة إلا أن الفجوة ما زالت قائمة، وعززها المعوقات الاجتماعية والثقافية، والتي تكمن في مخاوف بعض الحكومات والأفراد من هيمنة الإنترنت على العادات والتقاليد، والمعتقدات، والقيم المجتمعية. لكن مع انتشار الوعي حول أهمية وفائدة شبكة الإنترنت في النواحي التعليمية، بدأت تلك المخاوف بالتقهقر تدريجياً.
د- التعلم الإلكتروني في فلسطين
تسعى فلسطين بشكل دائم لتطوير الحياة العامة على جميع الأصعدة، خاصة قطاع التعليم؛ حيث تعمل على تطوير المناهج التربوية لتواكب التطور التقني على مستوى العالم. ولذلك فقد ارتأت وزارة التربية والتعليم توظيف التعليم الإلكتروني في العملية التعليمية، الأمر الذي دفع الوزارة لاتخاذ خطوات إجرائية في هذا المجال، حيث عملت على تطوير الركائز التي يُبنى عليها النظام التعليمي الإلكتروني والتي شملت: البنية التحتية، والمحتوى الإلكتروني، وتطوير شبكات الاتصالات في المدارس. وقد تم تنفيذ مشاريع عدة تهدف إلى تعزيز توظيف التعليم الإلكتروني في المدارس الفلسطينية، مثل: مشروع شبكة المدارس النموذجية، ومشروع تعزيز التعلم الإلكتروني، والتي هدفها خلق بيئة تفاعلية هادفة من خلال إكساب الطلبة مهارات تفكير إبداعي وتحسين قدرتهم على حل المشكلات (وزارة التربية والتعليم، 2015).
وتتفاوت نسبة تطبيق التعليم الإلكتروني في المدارس وفقاً للإمكانيات المتوفرة لديها، بينما تعمل الوزارة على توفير الإمكانيات المختلفة، من حواسيب وألواح ذكية، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية للشبكات، وزيادة خط النفاذ وتوفير أجهزة العرض، وخطوط الانترنت، والعمل على تدريب المعلمين على الاستخدام الفعال للتعليم الإلكتروني. كما قامت الوزارة بتطوير بوابات تعليمية إلكترونية لتسهيل الوصول إلى مصادر تعليمية تساعد المعلمين، بالإضافة إلى بوابة إلكترونية للتواصل مع أولياء الأمور وتمكينهم من الاضطلاع على سيرة أبنائهم التعليمية (وزارة التربية والتعليم، 2015).
ومن فوائد التعليم الإلكتروني خلقه لجوٍ تفاعلي بين المعلّم والمتعلم، وتطويره لقدرات الطلّاب وإكسابهم مهارات جديدة تتناسب مع البيئة الّتي يعيشون فيها وتمكينهم من خدمة المجتمع. ويتميّز التعليم الإلكتروني بتقديم فرصة للتعلُّم الذاتي في أي زمان ومكان، وتطوير قدرة الطالب على حلّ المشكلات واتخاذ القرارات وسهولة التواصل على مستوى واسع. ومن المآخذ على التعليم الإلكتروني أنّه يتطلب جهداً إضافياً من المعلّمين والوزارة على حدّ سواء، حيث يجب على الوزارة وضع خطط تحفيزية لتشجيع المعلمين على الاستخدام الفعال للتعليم الإلكتروني (وزارة التربية والتعليم، 2015).
هـ- هل التعليم الإلكتروني خيار يستحق العناء؟
تستخدم العديد من المنظمات والمؤسسات التعليم الإلكتروني لأنه قد يكون فعّالاً مثل التدريب التقليدي ولكن بتكلفة أقل، رغم أن تطوير التعليم الإلكتروني أكثر تكلفة من إعداد مواد الفصل وتدريب المدربين، خاصةً عند استخدام الوسائط المتعددة أو الأساليب التفاعلية، وبالرغم من ذلك فإن تكاليف توصيل التعليم الإلكتروني على المدى الطويل أقل بكثير من تكاليف مرافق الصفوف المدرسية، ووقت المعلمين والمحاضرين المختصين، وسفر المشاركين، ووقت العمل الضائع لحضور الجلسات والمحاضرات والاجتماعات وغيرها 2011 , Ghirardini)).
يصل التعليم الإلكتروني إلى الجمهور المستهدف أوسع من خلال إشراك المتعلمين الذين يجدون صعوبة في حضور التدريب في الفصول الدراسية التقليدية لأسباب معينة ومنها:
- التوزيع الجغرافي مع وقت أو موارد محدودة للسفر.
- الانشغال بالتزامات العمل أو الأسرة التي لا تسمح لهم بحضور الدورات في تواريخ محددة مع جدول زمني محدد.
- السكن في مناطق النزاع، وبالتالي تقييد الحركة لأسباب أمنية.
- قد يكون غير مسموح المشاركة في جلسات خاصة بسبب المعتقدات الثقافية أو الدينية مما يتطلب التعلم عن بعد، كما يمكن أن يوفر التعليم الإلكتروني طرقًا تعليمية فعالة، مثل الممارسة مع التعليقات المرتبط بها، والجمع بين أنشطة التعاون والدراسة ذاتية، وتخصيص مسارات التعلم استنادًا إلى احتياجات المتعلمين واستخدام المحاكاة والألعاب. وعلاوة على ذلك، يتلقى جميع المتعلمين نفس جودة التعليم لأنه لا يوجد اعتماد على مدرب محدد 2011 , Ghirardini) ).
المراجع
الأحمري، سعدية (2015). التعليم الإلكتروني، الرياض، السعودية: دار النشر الدولي.
عامر، طارق (2018). التعليم والتعليم الإلكتروني، عمان، الأردن: دار اليازوري 14
عبد المجيد، حذيفة والعاني، مزهر (2015). التعليم الإلكتروني التفاعلي (ط1)، عمان، الأردن: مركز الكتاب الأكاديمي.
الهمشري، يسرية (2016). تصميم التدريس الإلكتروني: مهاراته وتطبيقاته للعاملين به، القاهرة، مصر: دار الاعتصام.
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية (2015)، التعليم الإلكتروني في فلسطين.
Ghirardini, B. (2011). E-learning methodologies: A guide for designing and developing e-learning courses: Food and Agriculture Organization of the United Nations . .