لا يخفى على أحد أن هنالك تغيرا ملحوظا في سلوك أطفال هذا الجيل وخاصة الذكور منهم، حيث تجد أن معظم الأطفال أصبحوا متنمرين بالألفاظ أو الأفعال أو كلاهما معاً، حيث أوضحت دراسة نفذها برنامج الأمان الأسري الوطني بأن 47٪ من الأطفال يتعرضون للتنمر، وهذا ما لم تعهده الأجيال السابقة في سلوك أطفالهم.
وكما نعرف أن مجتمع الطفل في الأول هو الأسرة فقط، وكما هو معلوم فليس هنالك تغير كبير في مفهوم الأسرة لدينا، ولكن و مما لا شك فيه ازدادت طرق وسبل الرفاهية في العيش والحمد لله، وهنا لا بد من تغير أساليب التربية في المجتمع.
أين الخلل إذن؟
هنالك عوامل دخيلة على مجتمعاتنا أدت لهذا التغير الملحوظ في سلوك الطفل، وهذه العوامل لم يتم ضبطها بالطريقة الصحيحة من قبل الأسرة.
قَلَّ منا من يبحث عن الأسباب لمعالجة هذا السلوك، فلا علاج بلا معرفة للسبب.
ولعل من أهم هذه الأسباب:
إهمال الأساليب المناسبة لتربية الأطفال، واعتقاد البعض أن التربية بالضرب والعقاب والألفاظ النابية في جميع الأمور صغيرها وكبيرها هو الأسلوب الأمثل أو الأسلوب اللاإرادي المباشر كردة فعل (على السلوك غير المرغوب فيه للطفل) من قبل الوالدين أو الأسرة، وهنا يتولد سلوك عدائي شرس لدى الطفل، وكذلك التلقين المباشر لهذه الألفاظ أو الأقوال العدائية من قبل الوالدين والأقارب والمجتمع المحيط بالطفل، ومن أمثلة ذلك:(اضرب بابا!!، تف على عمو!!، من تحب بابا أو ماما!!، أخذ لعبتك!!) وما شابه ذلك من الأقوال والأفعال التي تفرض استجابة عدوانية لدى الطفل، وهذا تلقين وتعليم مباشر للتنمر، وهذا ما تؤكده ديانا تشاي هي موظفة اتصالات رقمية في المكتب القُطريّ لليونيسف بماليزيا حيث ذكرت “نحن جميعاً لدينا القدرة على ممارسة التنمُّر، وعلى أن نكون ضحيةً له من حيث لا نتوقع ذلك”.
وكذلك نوعية الألعاب، بحيث لا يخلو متجر للألعاب من وجود ألعاب تمثل الأسلحة القتالية إما مسدس أو سيف أو سكين أو دمى لشخصيات كرتونية قتالية، وهنا نتساءل لماذا تعج أسواقنا بمثل هذه الألعاب؟؟
وأيضاً الألعاب الإلكترونية، قد يكون جلها ألعابا قتالية وتمثيلا للقتل والإجرام.
وللإعلام أيضا نصيب في زرع العدائية لدى الأطفال، حيث يقضي الطفل أوقاتا مختلفة على قنوات أفلام الكرتون التي اختلفت كثير عن سابقتها، حيث ركزت الأخيرة على الصراع بين قوى الخير والشر، وأنه لابد من العدائية وأنها الطريق الأوحد لحماية النفس والمجتمع من الشر الذي يحدق بهم من كل جانب، حيث صورت أفلام الكرتون للطفل أنه لابد أن يكون قويا شرسا، ومن هنا نجد أن الطفل يقلد الشخصيات الكرتونية في تصرفاته.
كما أن ملابس الشخصيات الكرتونية تلعب دورها أيضاً في سلوك الأطفال، لا يمكن أن يرتديها طفل ويبقى ساكناً بل يحاول تقليد هذه الشخصية الوهمية، ملابس الشرطة مثلا، وهنا يعيش الطفل دور الشرطي ويتصور الطفل أن البقية مجرمون.
ولكن هل الطفل يعلم أنه يمارس التنمر؟
إن شخصية الطفل مرآة تعكس بيئته العائلية، يتكون وينمو التنمر لدى الطفل إذا لم يجد المربي الصالح، وأيضا يزداد التنمر لدى الطفل إذا وجد ترحيبا من الأسرة بالضحك والتشجيع لممارسة التنمر، ونتيجة لنمو التنمر في شخصية الطفل وقبوله في مجتمعه فإنه يصبح غير مدرك أو واعِ بأنه متنمر.
الحلول لتعديل سلوك أبنائنا:
بمعرفة الأسباب نجد الحلول، وقد نختصرها في بضع نقاط، ومن أهم هذه الحلول:
- التريث وعدم التسرع وإعادة التفكير في سلوك الطفل، وذلك لاختيار أنسب السبل التربوية التي تصحح هذا السلوك.
- مواجهة أفراد الأسرة أو المجتمع بتوجيه النصح والإرشاد في التعامل مع الأطفال، ووضع حد لتنمرهم على الأطفال إذا لزم الأمر.
- اختيار البرامج الكرتونية المناسبة لعمر الطفل.
- مراجعة ومراعاة وقت بقاء الأطفال على هذه البرامج سواء في التلفاز أو الأيباد أو الجوال أو غيرها من الأجهزة، وقد يسبب بقاء الطفل لوقت طويل على هذه الأجهزة إلى (التوحد أو العيش في عالم افتراضي وزيادة وزن الطفل لقلة حركته)
- يجب اختيار الألعاب التعليمية المناسبة لعمر الطفل والتي تزيد من قدرته العقلية والمهارية بالشكل الإيجابي.
دور المدرسة في انتشار ظاهرة التنمر:
يلقي البعض اللوم على المدارس الابتدائية بظهور ظاهرة التنمر لدى أبنائهم، ونحن لا نختلف معهم بأن بعض الأبناء يكتسب التنمر داخل المدرسة أو قد يكون ضحية للتنمر، ولكن تجب الإشارة إلى أن المدرسة ليست مصنع التنمر، قد تكون المدارس وبسبب تجمع الطلبة بها بيئة خصبة لانتشار ظاهرة التنمر، ولكن بداية ظهور ظاهرة التنمر لا بد أن تكون من خلال الأسرة أو البيئة المجتمعية الأولى للطفل قبل دخوله المدارس، ولذلك تعمل وزارة التعليم والهيئات والمؤسسات المهتمة بمعالجة ظاهرة التنمر من خلال الدراسات والبرامج المتخصصة، ولكن غالباً تقتصر الدراسات والبرامج على معالجة هذه الظاهرة داخل البيئة المدرسية، وبدورهم هذا كالطبيب الذي يعالج أعراض المرض بدون معالجة أصل ومنشأ المرض، لذلك يجب أن تركز برامج معالجة التنمر في البدء على الأسرة والبيئة المجتمعية الأولى للطفل، ثم الامتداد لمعالجة الظاهرة في المدارس والمجتمع، فلو عولجت ظاهرة التنمر لاختفى العديد من مشاكل المجتمع.
وأخيراً أطفالنا هم أمانة في أعناقنا وهم المستقبل، فلنعدهم لمستقبل مشرق بإذن الله.
المراجع:
أحمد صالح. (2020). آثار التنمر على الصحة النفسية للأطفال. تم الاسترداد من موقع مقال منصة مقالات عربية حرة: https://mqqal.com/?p=195327
المنيف. (2016): 47 % من أطفال المدارس يتعرضون لـ«التنمر».
تم الاسترداد من صحيفة عكاظ: https://www.okaz.com.sa/local/na/1506977
تشاي، ديانا. (2017). التنمُّر لدى كل واحد منا.
تم الاسترداد من منظمة اليونيسيف: https://blogs.unicef.org/ar
منظمة اليونيسيف. (2018). نصف اليافعين في العالم يعانون من عنف الأقران في مدارسهم أو في محيطها — اليونيسف.
تم الاسترداد من منظمة اليونيسيف: https://www.unicef.org/ar
مقال موفق يشكر كاتبه عليه فأوجز وأنجز…
الطفل صفحة بيضاء والوالدين من يخطون الأحرف والكلمات في هذه الصفحة فما يكتب بها هو طريق الطفل.
جزيل الشكر للكاتب د. ماجد بن عواد العوفي على طرح هذا الموضوع الهامّ
وهو ظاهرة التنمّر والعنف المنتشرة في عالمنا، والتي لا تقتصر على الأطفال،
ولا شكّ أنّ للأسرة دورًا حاسمًا في غرس القيم وأنماط السلوك لدى الأبناء.
ولكن دور المدارس والبيئة الاجتماعيّة ووسائل الإعلام خاصّة التلفزيون والهاتف
النقّال، والسينما وو…دور فعّال لا يقل عن دور الأسرة.
يرجى الانتباه لبعض الهفوات اللغويّة الواردة في المقال، مثل:
– تنوين الفتح لا يكتب على الألف بل على الحرف الصحيح الذي يسبق الألف:
معًا، جميعًا، قويًّا، أيضًا…
– أنّ هناك تغيير ملحوظ – والصواب: تغييرًا ملحوظًا.
– أنّ البقيّة مجرمين_ والصواب: مجرمون.
– تأكّده – والصواب: تؤكّده.
شكرا دكتور محمود، تم التصويب بناء على ملاحظاتكم الغنية.
عزيزي الأخ رشيد التلواتيّ – أحيّيكم على سرعة تجاوبكم
ونجاعتكم، بوركتم وعوفيتم ودام عطاؤكم النافع.