مقدمة
يعتبر التخطيط أهم خطوة في الإدارة وهو عملية ديناميكية مستمرة باستمرار نجاح المؤسسة وهو يسبق أي عمل تنفيذي ويكفل له الدقة في تحديد الوقت والكيفية المناسبة للتنفيذ، وله أهمية خاصة من حيث أنه أسلوب معالج لمتطلبات التطوير واحتياجات البيئة المعنية بالتطوير. وتتمثل عملية التخطيط في إعمال قدرات إدراكية عقلية وإتخاذ قرارات عقلانية لتنبؤات المستقبل.
إن الحاجة إلى التخطيط نشأت لأن معظم المؤسسات تعمل في ظروف متغيرة وغير ثابتة مما يعني أنه لو كانت الظروف ثابتة أو ضعيفة التغير فإن الحاجة إلى التخطيط ستكون أقل وحتى يكون أداء المؤسسة في اتجاهه الصحيح يجب إجراء الدراسات اللازمة التي يعرف من خلالها كيفية تطوير الأداء تمهيداً لاقتراح أنشطة تحسن من الأداء القائم وتطوره.
تبنى عملية التخطيط في المؤسسات التدريبية وتعنى باتخاذ سياسة التكامل والترابط ذلك أن تخطيط الاحتياجات لا يعمل بمعزل عن تخطيط التدريب أو رؤية وأهداف المؤسسة التدريبية، ولو أصبح كل نشاط يؤدى بمعزل عن النشاط الآخر لفقد التخطيط معناه ومغزاه.
في هذا المقال نحاول البحث في موضوع من المواضيع الهامة وهو كيفية وضع الخطط التدريبية لمؤسسات التدريب وهل يعتمد على تحديد الاحتياجات التدريبية فقط أم هو ترابط بين تحديد الاحتياجات التدريبية ورؤية وأهداف المؤسسة التدريبية ويوضح الشكل التالي طرق إعداد خطط المؤسسات التدريبية:
إن أي نشاط تقوم به المؤسسة لابد أن يكون مخططاً ومدروساً وقائماً على أساس عملي وعلمي، وذلك حتى يتحقق الهدف المطلوب منه. وبما أن التدريب أحد الأنشطة الهامة فإن الأمر يستدعي أن تخطط المؤسسة التدريبية جيداً لبرامجها وأول خطوة في التخطيط هي التحديد الدقيق للاحتياجات التدريبية التي توجد لدى أفراد معينين، يشغلون وظائف محددة ويعملون في وحدات وإدارات معينة حتى تتمكن المؤسسة من تحقيق أهدافها بفعالية.
يتعلق مفهوم الاحتياجات التدريبية ببعدين زمنيين الحاضر والمستقبل أو بعبارة أخرى الوضع الحالي، وما يجب أن يكون عليه في فترة زمنية مقبلة عاجلة أو بعيدة المدى، فأما الوضع الحالي فيعبر عن نواح معرفية أو معلومات، أو اتجاهات أو مهارات ناقصة يراد تكملتها. (عبد الباقي،2002،20)
أما فيما يتعلق بما يجب أن يكون عليه الحال في المستقبل، فهو تكملة هذه الجوانب أو تعديلها أو تغييرها، وبهذا المعنى تكون الاحتياجات التدريبية هي الفرق بين المستوى المعرفي أو المهاري المطلوب لأداء عمل معين، وذلك المستوى الواجب توافره عند الفرد الذي يؤدي هذا العمل وذلك في عنصر واحد أو أكثر من عناصر الأداء الوظيفي كالاستعداد النفسي أو القدرات الإبداعية أو تحمل المسؤولية.
على أن الاحتياجات التدريبية لن تقتصر فقط على جوانب الخلل والقصور ولكنها تمتد أيضاً إلى جوانب تطويرية معينة، فهي بذلك تعني معلومات أو مهارات أو اتجاهات يراد تنميتها في شخص أو عدد من الأشخاص أو يراد صقلها أو تغييرها وتعديلها، وذلك استعداداً لترقية شخص أو مواجهة تغيرات متوقعة – تنظيمية أو تكنولوجية أو غير ذلك من نواحي التطوير التي تخطط لها المؤسسة التدريبية.
ويمكن تعريف الاحتياجات التدريبية بأنها “مجموعة التغيرات المطلوبة لرفع كفاءة الأداء الحالية والمستقبلية بالنسبة للمؤسسة والأفراد، وذلك عن طريق إضافة معلومات وزيادة مهارات وتغيير اتجاهات بما يؤدي إلى تحسين في الأداء”.
أهمية تحديد الاحتياجات التدريبية
تعتبر مرحلة تحديد الاحتياجات التدريبية هي نقطة البداية في أي عملية تدريب منظمة ومخططة، وتعتبر الأداة الرئيسية للتخطيط السليم للتدريب، لكونها توضح من الفئة التي سيتم تدريبها، وما نوع التدريب المطلوب لها، ومكان التدريب الملائم، مما يؤدي إلى فعالية العملية التدريبية ونجاحها في تحقيق أهدافها. وتنبع أهمية تحديد الاحتياجات التدريبية أيضا من كونها عملية مستمرة تتغير وفق الظروف والمشكلات التي تواجه المنظمات والعاملين فيها. (عبد الله،2002،116)
طرق تحديد الاحتياجات التدريبية
يتم تحديد الاحتياجات التدريبية في الغالب بطريقتين كما يلي:
التحديد المبدئي للاحتياجات التدريبية: وهنا يلمس المدير أو الرئيس المباشر حاجة أو مشكلة تدريبية تستلزم البحث والتحليل وبما لا يتمكن – بالأساليب والأدوات المرجوة أو في حدود الوقت المتاح له – من التحديد الدقيق لهذه الحاجة التدريبية، كما قد يقوم الفرد ذاته بالمبادرة فينقل لرئيسه المباشر حاجته التدريبية.
التحديد المفصل للاحتياجات التدريبية: وهنا يستلم المشكلة التدريبية مخطط التدريب في المؤسسة أو مستشار خارجي – إذا لم تتوفر الخبرة أو الوسائل اللازمة داخل المؤسسة – فيقوم بدراسة الموقف وتجميع البيانات اللازمة وتحليلها والوصول إلى تحقيق دقيق للاحتياج التدريبي الموجود، وفي الغالب الأعم تتم هذه المهمة عن طريق تطبيق استمارة خاصة بالاحتياجات التدريبية يتم تصميمها من قبل المتخصصين في التدريب كل في مجاله، و تتناول الجوانب المقترحة التي تقوم المؤسسة بطرحها على الفئات المستهدفة. (إبراهيم،2007،15)
مشكلات تحديد الاحتياجات التدريبية
- عدم تحديد الاحتياجات التدريبية بالشكل العلمي.
- عدم وعي إدارات المؤسسات بأهمية تحديد الاحتياجات التدريبية.
- تعجل تنفيذ الخطط التدريبية، فلا يسمح الوقت بالانتظار لتحديد الاحتياجات الفعلية.
- الاهتمام بالكم دون الكيف في البرامج التدريبية، أي عدد المتدربين الذين يجتازون الدورات التدريبية، وليس نوع المهارات أو السلوك الذي يكتسبونه من هذه الدورات.
- إسناد عملية التدريب لغير المتخصصين أو غير المهتمين.
- عنصر التكاليف.
- عدم النظر إلى التدريب على أنه نشاط تعاوني، بمعنى أنه لكي ينجح ينبغي تعاون كل من الإدارة والمدربين والمتدربين المسؤولين عن تخطيط ومتابعة النشاط التدريبي.
ويتبادر إلى الذهن سؤال مهم لماذا لا يؤتي التدريب ثماره وتأتي الإجابة بأن الاحتياجات التدريبية التي يتم تحديدها لم توضع في شكل أهداف تدريبية محددة، وهذا أمر هام لأن تحديد الهدف التدريبي بوضوح و في صيغة كمية وزمنية ونوعية، يضمن توجيه كافة الجهود التي يتضمنها التدريب و تصميم البرامج وتحديد الموضوعات واختيار المدربين وتنفيذ البرنامج وتمويله وتقييم نتائجه نحو تحقيق هذا الهدف.
رؤية وأهداف المؤسسات التدريبية
إن الأحلام هي التي تدعونا للتفكير بالمستقبل وتدفعنا للنظر إلى الأفق لنرى دائرة أحلامنا تشرق من أقصى ما تمتد إليه أبصارنا، أما القبول بالأمر الواقع هو أن ننظر إلى ما بين قدمينا لنرى أين نقف ونرضى بالواقع الذي نقف عنده ونعتبره عالمنا ولكن إذا رفعنا رؤوسنا وحددنا خطوطاً لتحركاتنا من الواقع الذي نقف عليه الآن نكون قد عرفنا أين نتجه كل ذلك بفضل الرؤية التي من حق كل واحدٍ منا أن يراها ترتسم على أفق حياته.
وتمثل الرؤية الأفق الفكري الذى يحكم بصيرة وإدراك قادتها الاستراتيجيين بل إنها الفضاء الرحب من الأفكار والأحلام والأهداف العظيمة. وبالنسبة لوجود الرؤية الاستراتيجية في المؤسسات التدريبية فإنها تعكس طموحات المؤسسة واهتماماتها وتزودها بنظرة ثاقبة )إلى أين نذهب (وتجسد هوية المؤسسة وترسم مسارا استراتيجيا لها من أجل اتباعه. وتمثل الرؤية الاستراتيجية الخطوة الجوهرية الأولى في صياغة الاستراتيجية وهي الفكرة القريبة من الحلم التي تعكس طموحات وتوجهات المؤسسة التدريبية لتعطي إشراقات واضحة حول المستقبل المأمول وما يتطلع إليه القادة الاستراتيجيون كونها الناتج الملموس من التفكير الاستراتيجي، وهي مصدر الشعور بالولاء والانتماء للمؤسسة التدريبية. (أحمد سيد،2002،8)
والجدير بالذكر أن صياغة الرؤية الاستراتيجية ليس مجرد سباق في اختيار الشعارات المنمقة والعبارات الجذابة ولكنها مبادرة في الفكر الاستراتيجي الخلاق حول مستقبل المؤسسة التدريبية ونوعية أنشطتها المرغوبة ومكانتها المتوقعة التي تساعد في وضع المؤسسة على مسار استراتيجي فعال.
مفهوم الرؤية الاستراتيجية
هي صورة المؤسسة وطموحاتها للمستقبل والتي لا يمكن تحقيقها في ظل الامكانات الحالية، ولكن يمكن الوصول إليها، وهي التصور الكامل لما سيكون عليه مستقبل المؤسسة وهي الفكرة القوية والقوة النافذة التي تملأ وتستحوذ على وجدان وعقل أفراد المؤسسة وتشحذ مواهبهم وتفجر طاقاتهم لتمنحهم الإرادة والتحدي والانتصار في تحقيق أحلامهم. وتأتي الرؤية لتجيب على الأسئلة التالية: من نحن؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟ وما الصورة التي ينبغي أن تكون عليها المؤسسة في المستقبل؟ وبماذا ستتميز مؤسستنا عن غيرها؟
تطوير الرؤية الاستراتيجية
نتيجة للظروف الطارئة التي قد تمر بها بيئة المؤسسة بسبب العوامل غير المستقرة التي تحملها رياح التغيير القادمة من جميع الاتجاهات منها على سبيل المثال التغيرات في العوامل الثقافية والاجتماعية والتكنولوجية وزيادة حدة المنافسة وتطوير نوعية الخدمة أو المنتج الذي تقدمه المؤسسات المنافسة وتغيير ثقافة المؤسسة التدريبية وقيمها وغيرها من التحديات التي تمر بها المؤسسة مما يجعل رؤية المؤسسة في زمن كان. لذلك كان لابد من مراجعة صياغة رؤية المؤسسة الحالية بما يتناسب مع تلك التطورات وهو أمر لابد منه، ويمثل تطوير الرؤية جهداً جماعياً مشتركاً بين الإدارة العليا وبين فرق العمل )التخطيط( الذي شُكل بعناية.
مفهوم الهدف
الأهداف هي النتائج النهائية التي يصبو الفرد أو المؤسسة لتحقيقها، فهي من العناصر القابلة للقياس الكمي، كما يجب أن نعرف الهدف بشكل واضح من أجل تحقيقه بنجاح. يمكن للكثير من مؤسسات التدريب أن تبني أهدافها بطريقة منهجية محددة، حيث تبدأ العملية من خلال وضع أهداف عالية المستوى ليتم محاذاة أهدافها بشكل مثالي مع رسم بيان يوضح مدى رؤية الأهداف، و يجب أن تكون الأهداف على مستوى عال، ولا ينبغي أن تكون غامضة.
إن وضع الأهداف في خطة العمل هي أكثر الأجزاء أهمية، حيث أن تحديد الأهداف يجعل المؤسسة تنجح في تحديد النتائج والأنشطة التي يمكن أن تتبعها بسهولة. (السيد إسماعيل،2012،15)
السؤال المهم الآن هل الخطط التدريبية قائمة على الاحتياجات التدريبية فقط؟ الإجابة هي أن الخطط التدريبية يجب أن تقوم على تحديد الاحتياجات التدريبية وهي الأساس في وضع أي خطة تدريبية لمؤسسة تدريبية ولكن يجب النظر وبأهمية إلى رؤية المؤسسة التدريبية وأهدافها التي تحاول تطبيقها لترقى إلى مستوى أعلى من المستوى الموجودة فيه الآن. ولكي يتم ذلك يجب وضع الرؤية والأهداف داخل الخطط التدريبية للمؤسسات التدريبية بشكل دوري وتدريجي ليتم التكامل بينهما.
إن التكامل والترابط بين الاحتياجات التدريبية ورؤية وأهداف المؤسسة التدريبية داخل الخطة التدريبية يجعلها خطة شاملة تنظر في جميع الجوانب وتحاول النهوض بكل المستويات سواء على المستوى الخارجي أو المستوى الداخلي للمؤسسة.
إن الاهتمام بتخطيط برامج التدريب هو الطريق السليم لمعرفة الإمكانات والطاقات المختلفة التي توفر الخطط والبرامج والمشروعات حتى تحافظ المؤسسات على أعلى معدلات الأداء مع ما يتناسب وطبيعة عمل العاملين في المؤسسة، فالتخطيط يساعد في التخصيص الفعال لموارد المؤسسة، واستعدادها لدرء المجهول أو التقليل من خطره، وذلك بالتدخل المباشر والتأثير على مجريات الأحداث.
إن الأفراد والجماعات يعملون في إطار هيئة أو مؤسسة، ومن هنا فإن المؤسسات التدريبية قد تجمع الحاجات الفردية وحاجات المجموعات وتصمم برامج تدريبية وفق الموارد المتاحة للتوفيق بين حاجات الأفراد والمجموع من جهة، وحاجات الوزارة أو المؤسسة ككل من جهة أخرى. وكذلك فإن المسؤولين في الإدارة التدريبية قد يحددون الحاجات التدريبية لمعالجة مشكلات تتعلق بالمنظومة ككل مثل ثقافة العدالة، والقيم والتقاليد، والعلاقات الإنسانية، وأساليب الاتصالات واتخاذ القرار بها، وبالتالي يصممون برامج تدريبية تعالج تلك المشكلات.
قائمة المراجع
- ابراهيم بن عبدالله بن ابراهيم الفارس،(2007) أهمية التدريب المستمر داخل المنشأة، الملتقى العربي السادس للاستشارات والتدريب، الرباط.
- أحمد سيد مصطفى، (2002)، التدريب سبيل المديرين إلى تنمية الموارد البشرية والإدارية، معهد الإدارة العامة، مسقط.
- السيد إسماعيل محمد، (2012)، الإدارة الاستراتيجية مفاهيم وحالات تطبيقية، الطبعة الأولى، المكتب –العربي الحديث، الاسكندرية.
- عبد الباقي صلاح الدين، (2002)، الاتجاهات الحديثة في إدارة الموارد البشرية، المركز العالمي، القاهرة.
- عبد الله نعمان أحمد علي، (2002)، التخطيط الاستراتيجي مدخل لتنمية الموارد البشرية في الجامعات اليمنية، رسالة دكتوراه، جامعة أسيوط جمهورية مصر العربية.