يمثل تحديد الاحتياجات أحد أهم مراحل بناء البرامج التطويرية والتنمية المهنية للمعلمين، حيث أن نجاح أي برنامــج للتطويــر المـهني يقـــاس بمدى التعرف على احتياجات المعلمين وحصرها (خليفة، 2019)، إذ أنها ترتبط بصورة كبيرة بمجالات التنمية المهنية والتطوير المهني والتدريب للمعلمين، باعتبار أن تلك البرامج تسعى لسد الاحتياجات، وتصمم مكوناتها للاهتمام باحتياجات المعلم المهنية والتخصصية، كما يمكن القول أن العلاقة بين برامج التطوير المهني والتنمية المهنية والاحتياجات علاقة سببية؛ بمــعنى أنــه لا يمـكـن أن يـكون هنــــاك برنـــامج تنميــة وتطــويــر مهــني فعــال إلا إذا سبقــه تحديـــد وتقــديـر لاحتيـــاجــات المعلــمــين، مما يؤدي لنجاح برامج التطوير المهني، ونمو مستوى أداء المعلمين، ومن ثم الإنتاج بصورة أكثر فاعلية، فهي التي توجه تلك البرامج إلى الاتجاه الصحيح لتنمية القوى البشرية، كما أن تقويم برامج التطوير والتنمية المهنية والتدريب للمعلمين يكون أيضًا في ضوء تلك الاحتياجات (إبراهيم وحسنين، 2019؛ القرني، 2018).
وفيما يتعلق باللغة فإن تحديد الاحتياجات اللغوية يهتم بتحديد المهارات اللغوية التي يحتاج إليها المعلم والمتعلم لأداء دور معين، وتحديد الطلاب والمعلمين المحتاجين للتدريب على مهارات لغوية معينة، وجمع معلومات حول مشكلات معينة متعلقة باللغة يواجهها المعلمون والمتعلمون (الشيخ، 2009).
أولاً- معلم اللغة العربية
أكد خضير وآخرون (2012) أن معلــم اللغــة العربيـة الفعال يمتلك مجموعة من الخصائـــص، التي تمكنه مـن أداء دوره بصورة فاعلة، وتتمثل تلك الخصائص في: التمكن اللغوي والمعرفة اللغوية الواسـعة باللغــــة العربيــــة، والمهارات التدريسية الـلازمة لتدريس اللغة العربية، ومهارات الاتصال الاجتماعي والوجداني، والسمات الشخصية التي ينبغي أن يمتلكها ليقوم بأدواره وأدائه على أكمل وجه.
ثانيًا- الاحتياجات اللغوية مفهومها وأهمية تحديدها
عرف اللقاني والجمل (2003) الاحتياجات بأنها “مجموعة التغيرات والتطورات التي يجب إحداثها في معلومات المعلمين ومهاراتهم واتجاهاتهم لجعلهم قادرين على أداء أعمالهم التربوية، وتحسين أدائهم الوظيفي الذي يسهم بدوره في تحسين نوعية التعلم” (ص15)، وأكد الطعاني (2010) أن الاحتياجات تتشكــل في “التغيرات المطلوب إحــداثهــا في الفـــرد والمتعلقــة بمعلوماته وخبراته وأدائه وسلوكه واتجاهاته لجعله مناسبًا لشغل وظيفة وأداء اختصاصات، وأداء واجبات وظيفته الحالية بكفاءة عالية” (ص163).
وقد ارتبـط مفهـوم الاحتياجـات بمفاهيم التنمية المهنية وتطوير الأداء المهني والتدريب أثناء خدمة المعلمين، حيث أن الهدف الأساسي هو سد الاحتياجات، أي يمكن القول أن العلاقة بين برامج التطوير المهني والتنمية المهنية والاحتياجات علاقة سببية؛ بمــعنى أنــه لا يمـكـن أن تـكون هنــــاك برنـــامج تنميــة مهــنية نـاجــح وفعــال إلا إذا سبقــه تحديـــد احتيـــاجــات المعلــمــين وتقــديـرها، ممـــا يؤدي لنجــاح تلك البرامج ورفع مستوى الأداء، ومن ثم الإنتاج بصورة أكثر فاعلية، فهي التي توجه تلك البرامج إلى الاتجاه الصحيح لتنمية القوى البشرية، كما أن تقويم برامج التنمية المهنيــــة وتـــدريـــب المعلمين يكون أيضًا في ضـــــوء تــلك الاحتياجات (إبراهيم وحسنين، 2019؛ عبد الكريم وحبيتر، 2015؛ القرني، 2018).
وذكر فنيط (2008) أن الاحتياجات اللغوية تتمثل في العناصر اللغوية التي يكون المعلمون في حاجة ماسة إليها حتى يستطيعوا أداء الأدوار والأنشطة التي يرغبون في القيام بها، وبما يحقق أهداف العملية التعليمية، وأكد الشيخ (2009) أن الاحتياجات اللغوية “هي المهارات اللغوية التي يحتاج إليها دارسو اللغة العربية من أجل الاتصال الجيد في المواقف اللغوية المختلفة” (ص69).
وبصورة أخرى يمكن أن يشمل مفهوم الاحتياجات اللغوية ثلاثة مفاهيم أساسية هي (رملان وآخرون، 2013):
- الضرورات والأساسيات، وتتمثل في مطالب المستهدفين الأساسية من تعليم اللغة وتعلمها، التي تمثل الحد الأدنى لما ينبغي معرفته؛ لمواجهة مطالب الأداء اللغوي بكفاءة وفاعلية.
- أوجه القصور والتخلف، وهي مقدار ما يعرفه ويمتلكه المتعلم من اللغة، وما يلزم أن يعرفه ويجيده من اللغة.
- الرغبات، وهي ما يؤكد المتعلم أنها مهمة ومطلوبة بالنسبة إليه، وبناء على رغباته الخاصة للوصول إلى مرحلة الإتقان في المعارف والمهارات اللغوية.
ورغم أهمية تحديد الاحتياجات اللغوية إلا أن دراسة زين Zein (2017) أشارت إلى أن تحديد الاحتياجات التخصصية اللغوية لم يحظ باهتمام كاف ضمن الاحتياجات التدريبية لمعلم اللغة، مع أن تحديد الاحتياجات التخصصية ضروري لبناء الجانب المعرفي اللغوي التخصصي لدى المعلم، وتطويره الذي سينعكس على تعلم الطلاب وأدائهم، بحيث يصبح المعلمون جزءًا مهمًا في عملية تصميم التطوير المهني لهم، لتحسين أدائهم في العملية التعليمية.
كما يرى الشيخ (2015) أن تحديد الاحتياجات اللغوية يهدف إلى ما يأتي:
- مساعدة مصممي البرامج، والمناهج اللغوية على تطوير طرائق التعليم، والوسائل التعليمية، وبرامج التدريب في ضوء الاحتياجات اللغوية.
- مساعدة المعلمين على الاتصال الجيد في المواقف اللغوية المختلفة.
وأكدت دراسة أنولو وأوز Ünlü & Öz (2019) أن عملية التطوير المهني الجيدة والمستمرة لمعلمي اللغة يجب أن تكون ذات صلة باحتياجات المعلمين والطلاب، وأن يتم إشراك المعلمين في القرارات المتعلقة بمحتوى وعملية التطوير المهني واختيارهم لها، كما أن التطوير المهني وبرامجــــه ينبغي أن تقـــــدر خبرة المعلمين الواسعـــة وتجاربهــــم ومعارفهـــم المكتسبة من خــــلال ممارســاتهم، وخبراتهم اليومية في مجال التعليم والتعلم.
وتتضح أهمية تحديد الاحتياجات اللغوية بشكل عام لمعلمي اللغة العربية فيما يأتي:
- تعد الأساس الذي تقوم عليه أنشطة التدريب أثناء الخدمــــة وبرامج التطوير والتنميـة المهنية، وبرامج تعليم اللغة وتعلمها المقدمة لمعلمي اللغة العربية.
- توجه التطوير النمو المهني لمعلمي اللغة العربية في الاتجاه الصحيح.
- توفير الإمكانات والموارد المتاحة، التي يحتاج إليها المعلم المتدرب.
- تحديد الاحتياجات لمعلمي اللغة العربية بالصورة الصحيحة يؤدي لتوظيف الجهد والمال والوقت بفعالية في عملية التدريب والنمو المهني المستمر.
ثالثا- الاحتياجات اللغوية لمعلمي اللغة العربية
نظرًا لأهميــــة الاحتياجــات اللغوية، ودورهـــا في عمليـــة تعليم اللغــــة، والتطوير المهني لمعلميها، فإن بعض الدراسات حصرت الاحتياجات وحددتها. فدراسة زين Zein (2017) أشارت إلى أن الاحتياجات المهنية لمعلمي اللغة تتمثل في إجـادة الغـة، والاستخـــدام المهني للغـــة، وتطوير المحادثة، وتطوير نطـــــــــق اللهجـــات، واستخـــــدام اللغـــــة الأصليـــة. والاحتياجـــات المعـــرفــية حــــول طبيعـــــــة المتعلمين، وسياقات تعلمهم، وأصول تدريسهم. والاحتياجــات التربويـــة بشكل عام.
وأكد عبد الكريم وحبيتر (2015) أن أغلب الاحتياجات التدريبية التخصصية المتعلقة بجوانب التخصص اللغوي تتمثل في جوانب مهارات الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، وحصر الاحتياجات اللازمة لمعلمي اللغة العربية في احتياجات:
- التخطيط للدرس.
- مهارات عرض الدرس.
- طرائق التدريس.
- التخصصية اللغوية.
- التربوية السلوكية.
- التقويم.
أولاً: المراجع العربية
إبراهيم، تامر محمد، وحسنين، وفاء حسنين: “الاحتياجات التدريبية لموظفي جامعة الملك فيصل”، مجلة الخدمة الاجتماعية، 61(4)، 218-177، 2019.
خضير، رائد، الخوالدة، محمد، مقابلة، نصر، وبني ياسين، محمد: “خصائص معلم اللغة العربية الفعال”، دراسة مقارنة، المجلة الأردنية في العلوم التربوية، 8(2)، 167-181، 2012.
رملان، روسيلاواتي، حسيني، محمد هارون، وزين الدين، غزالي: “تحليل الاحتياجات اللغوية لطلبة الدراسات الإسلامية إلى إعداد منهج اللغة العربية لأغراض علمية”، كلية دار الحكمة بسلانجور نموذجا. مجلة الضاد، (4)، 124-159، 2013.
الشيخ، هداية هداية: “تحليل الحاجات اللغوية في مواقف الاتصال اللغوي لدى دارسي اللغة العربية الناطقين بغيرها [ورقة مؤتمر]”، المؤتمر العالمي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، معهد اللغة العربية، جامعة الملك سعود، الرياض، 2009، نوفمبر 2-3.
الشيخ، هداية هداية: “المهام اللغوية وإشباع حاجات الاتصال اللغوي لدى متعلمي اللغة العربية من الموهوبين لغويا”، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، (33)، 227-309، 2015.
الطعاني، حسن أحمد: “التدريب الإداري المعاصر”، دار المسيرة، ط2، 2010.
عبد الكريم، أسماء عزيز، وحبيتر، إقبال كاظم: “الاحتياجات التدريبية اللازمة لمعلمي اللغة العربية ومعلماتها من وجهة نظرهم”، مجلة آداب الكوفة، 1(21)، 423-456، 2015.
فنيط، جمال: “الحاجات اللغوية للكبار دراسة تطبيقية في مركز محو الأمية بجيجل” [رسالة ماجستير منشورة، جامعة منتوري قسنطينة]. قاعدة معلومات دار المنظومة، 2008.
القرني، محمد سالم: “احتياجات التنمية المهنية الذاتية لمعلمي المرحلة الابتدائية بمدينة الرياض”، مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، 1(177)، 344 – 399، 2018.
اللقاني، أحمد حسين، والجمل، علي أحمد: “معجم المصطلحات التربوية المعرفية في المناهج وطرق التدريس”، عالم الكتب، ط3، 2003.
ثانيًا: المراجع الأجنبية
Ünlü, N. A., & Öz, H. An assessment of the perceived professional development needs of Turkish as a foreign language teachers. Journal of Language and Linguistic Studies, 15(2), 618-632, 2019.
Zein, M. S. Professional development needs of primary EFL teachers: Perspectives of teachers and teacher educators. Professional Development in Education, 43(2), 293-313, 2017.
يتوفّر هذا المقال على كلّ شيء، عدا اللغة العربيّة. فتحريره في متناول غير الناطقين بالعربيّة. أقصد أنّ الكلام على درجة من العموم تجعله صالحا للحديث عن الاحتياجات اللغوية لمعلمي ايّ لغة مهما كانت.
طبعا هذه الملاحظة الضيّقة لا تطال إلاّ الجانب الذي أشرنا إليه.
مهم جدا الموضوع