تنعكس التغيرات المتسارعة التي يشهدها العصر الحالي على طبيعة عمل المؤسسات التعليمية في دول العالم، ما يجعلها بحاجة لتجديد ونمو مستمر في الأنظمة والسياسات لتكون مواكبة للاحتياجات المتجددة التي يفرضها هذا التغيير، ولاشك أن من أهم الجوانب التي تحتاج للتطوير هي التي تخص العملية التعليمية، إذ يعد المعلم من أهم مدخلات العملية التعليمية والمحور الرئيسي لها، وبالتالي فإن تناول قضاياه، وتحديد أدواره، وتقويم وتحديث أساليب إعداده وتدريبه، يسهم بلا شك في الإصلاح التربوي؛ لأنه المنفذ للسياسة التعليمية. وقد وجهت البحوث التربوية الكثير من اللوم للمعلم باعتباره أحد أسباب الأزمة التربوية التي تعاني منها المجتمعات (زيدان، ٢٠١٨).
وتقع هذه المسؤولية على عاتق المعلمين تحديدًا لأنهم الأكثر اتصالاً بالطلبة وأكثر تفاعلًا معهم، وبالتالي تنعكس جودة تدريس المعلمين على تحصيل طلبتهم (الحر، ٢٠١٠).
لذلك فإن من أبرز مجالات التطوير المهني للمعلمين المجالات التي تعزز العمل الجماعي بشكل مباشر، ويندرج تحتها عدة أساليب منها أسلوب “الحلقات النقاشية”، فما المقصود بالحلقات النقاشية؟ وما أهميتها؟ وماهي آليات تفعيل الحلقات النقاشية في خطط التطوير المهني للمعلمين؟
مفهوم الحلقات النقاشية
يعد أسلوب الحلقات النقاشية من أفضل وسائل الاتصال الشفوي فاعلية في تدريب الجماعات الصغيرة؛ إذ يقسم المتدربون إلى مجموعات لمناقشة موضوع أو قضية معينة أو السعي نحو حل مشكلة ما، من خلال طرح الأفكار وتبادل الآراء والخبرات، ويتطلب هذا الأسلوب قيادة حكيمة، وتخطيطًا دقيقًا (حمدان، ٢٠٠٦).
وتتمثل الحلقات النقاشية في مناقشة مجموعة من المختصين -مثل فريق من المعلمين أو المشرفين- مفهومًا تربويًا حديثًا أو قضية تربوية أو موضوعًا محددًا للوصول إلى رأي أو حلول أو قرارات مشتركة يقرها ويتبناها الجميع (دليل مجتمعات التعلم المهنية، ١٤٣٦هـ).
أهمية الحلقات النقاشية
تكمن أهمية الحلقات النقاشية في ديناميكية ما يحدث فيها من حوار وحلول مطروحة ناتجة عن خبرة وتأملات شخصية من المعلم وزملائه وملاحظة دقيقة أثناء المواقف التعليمية- التعلمية، وهذا الأسلوب له فوائد كثيرة خصوصًا في حل المشكلات التي يواجهها المعلم أو الإدارة المدرسية في تطوير العمل أو الاتفاق على أفضل البدائل للتعامل مع موضوع معين (الحر، ٢٠١٠).
فعندما يدرك الأفراد من خلال العمل المشترك أن محصلة ما تعرفه المجموعة أكبر من معرفة أي فرد في هذه المجموعة، يصبح السعي للانتماء إلى المجموعة حاجة شخصية للفرد ومطلبًا مهنيًا، وليس واجبًا يتثاقل في أداءه، ففي المجموعة يكون الإنجاز أكثر وأفضل، وتصبح الموارد أكبر والأفكار والخبرات أكثر تنوعًا (دليل مجتمعات التعلم المهنية،١٤٣٦هـ).
و قد أولت بعض الجامعات العالمية اهتمامًا كبيرًا للحلقات النقاشية أو ما يسمى بـ” السيمينارات العلمية” نظرًا لأهميتها ولما تتميز به من القدرة على كشف الواقع وتحديد المأمول، ودورها الفعّال في تطوير أداء المناقشين في الأوساط التربوية والتعليمية؛ إذ أن هناك خطورة لانعدام توفر المناقشات العلمية للتربويين والأكاديميين لسببين: أولهما انخفاض جودة القرار لإبعاد الأفراد الذين يمثلون مستويات علمية مختلفة، ثانيهما: أن عدم وجود نقاش علمي يدل على أن وجهات النظر ليس لها قيمة لدى المؤسسات التعليمية (شمو، ٢٠٠٤).
وتتطلب خطط التطوير المهني الأخذ بعدة آراء خصوصًا ممن يعملون في نفس التخصص ويعالجون نفس التحديات، ويتحقق ذلك بوجود استراتيجيات حديثة كالحلقات النقاشية. لذلك فإن مشاركة المعلمين في التخطيط والتوجيه لبرامج التطوير المهني، وتحويل دور المعلم من متلق للأوامر ومنفذها إلى مشارك في عملية صنع القرار، مع الاتفاق على أهداف تنشدها برامج التنمية المهنية للمعلم في المستقبل هو من أبرز الاتجاهات المعاصرة في مجال التطوير المهني للمعلم (زيدان، ٢٠١٨).
وقد تم تحديد ثلاث فوائد لحلقات النقاش العلمي، أولاً: أنها تعطي اعتبارا لجميع الأفراد الذين يمكن أن يسهموا في تحقيق أهداف موضوع حلقة النقاش المطروحة، حيث أنها تعتبر بيئة خصبة للاتصالات الصادقة والصريحة التي تساعد في تطوير العمل، ثانيًا: تشجع الأعضاء المشاركين وتزيد من اهتماماتهم بنشاطات المجموعة، ثالثًا: تحسن الحلقات قدرة ومهارات كل فرد على الاستماع الجيد، كما أنها تتيح الفرصة للأعضاء للتعبير عن آرائهم بصراحة وتقديم مقترحاتهم بثقة ( شمو، ٢٠٠٤).
وهذا ما تثبته نظريات تعلم الكبار حيث ذكرت نظرية كروس (Cross) أنه يجب أن يعتمد تعلم الكبار على خبرة المشاركين، وذلك يتحقق أثناء الحوار ومشاركة الآراء والتجارب في الحلقات النقاشية؛ فكلما شعر المعلم المتدرب بأهمية رأيه المستوحى من واقع تجربته؛ فإنه يصبح أكثر تواصلاً و فاعلية (الطوق، ٢٠١٧).
آلية تفعيل الحلقات النقاشية في خطط التطوير المهني للمعلمين
فيما يخص آليات تفعيل الحلقات النقاشية فهي كالتالي:
التوجيه الذاتي: وهو أن يتحكم المعلمون في طريقة تعلمهم في الحلقات النقاشية وتكون لديهم اختيارات في توجيه عملية تعلمهم.
التوجيه بالأهداف: مثل معرفة لماذا يتعين عليهم تعلم شيء معين من خلال الحلقات النقاشية، أي أن يعرف المعلمون أهداف التعلم وذلك سبب لتحفيز طاقتهم إذا أدركوا الفوائد والخسائر المترتبة على عدم تعلمه، لذا لابد من خلق الحاجة للمعرفة من خلال تحديد الأهداف.
ربط الحلقات النقاشية: حيث يتم ربط الحلقات النقاشية بمجالات عمل المعلمين واعتمادها على خبراتهم السابقة لنقل وتطبيق ما يتم تعلمه من الحلقات النقاشية في مواقف العمل والحياة الحقيقية، بالإضافة إلى التأكيد على إيجابية المشاركة في الحلقات النقاشية: أي أن تتاح الفرصة للمعلمين في وضع خطط النقاش والمواضيع وإدارة الجلسات، وفرصة للاندماج في الحوار والمشاركة في حل المشكلات.
احترام وجهات النظر والآراء: أن يظهر قائد الحلقات النقاشية أقصى درجات الاحترام، وأن تكون بيئة الحلقات النقاشية آمنة: بمعنى أن تتوفر في هذه البيئة الإيجابية والودية وأن تكون داعمة وتشجع الانفعالات الإيجابية.
التحفيز: إذ يعتبر التحفيز من العناصر الأساسية التي تؤخذ بالاعتبار أثناء تنظيم الحلقات النقاشية.
تقديم التغذية الراجعة للمعلمين: وتكون التغذية الراجعة محددة وليست عامة، وتتاح لهم الفرصة لتقييم ذواتهم (الطوق، ٢٠١٧).
ويكون تفعيل الحلقات النقاشية بحسب ما تقتضيه احتياجات وأهداف خطة التنمية لكل مدرسة، كما يمكن أن تطبق كبرنامج علاجي لسد الفجوات ومواطن الخلل في المدرسة، وبحسب دراسة شمو (٢٠٠٤) التي اشتملت على تطبيق للحلقات النقاشية العلمية وكانت كالتالي:
أولاً: وضع هدف حلقات النقاش.
ثانيًا: تحديد مواضيع الحلقات.
ثالثًا: تطبيق حلقات النقاش على النحو التالي: تقديم حلقة مصغرة لتكون مثالًا حيًا للحضور، إتاحة الفرصة لاختيار الموضوع بحسب التخصصات، تحديد عدد الحلقات بمعدل حلقة كل أسبوعين، كتابة مستخلص من الأعضاء لموضوع الحلقة وتسليمه للمنسقة، وتنظيم وعرض المستخلصات.
رابعًا: تقويم الحلقة باستبانات.
وبناءً على ما سبق فقد تناول المقال مفهوم الحلقات النقاشية وأهميتها وخلص إلى أن الحلقات النقاشية هي إحدى الأساليب الحديثة في التطوير المهني للمعلم، وهي وسيلة تهدف لزيادة فاعلية المعلم وإيقافه على أفضل الطرق التي تساعده على تأدية مهامه ورفع كفايته الإنتاجية، وتحقق مبدأ التعاون والعمل بروح الفريق، وتناول المقال أيضًا الآليات الداعمة لتفعيل الحلقات النقاشية والتي جاءت في عدة نقاط، على ضوء دراسة علمية.
المراجع:
– الحر، عبدالعزيز. (٢٠١٠). أدوات مدرسة المستقبل التنمية المهنية (ط.٢). مكتب التربية العربي لدول الخليج .
– المسكري، علياء سعيد. (٢٠١٧).تطوير برامج الإنماء المهني للمعلمين بسلطنة عمان بالإفادة من خبرة سنغافورة: دراسة مقارنة [ رسالة ماجستير، جامعة السلطان قابوس]. قاعدة معلومات دار المنظومة.
– حمدان، إبراهيم رجا. (٢٠٠٦). بناء برنامج تدريبي قائم على الكفايات في ضوء الحاجات التدريبية لمشرفي التعليم المهني في وزارة التربية والتعليم الأردنية وقياس مدى ملائمته [أطروحة دكتوراة منشورة، جامعة عمان العربية للدراسات العليا]. قاعدة بيانات جامعة الملك عبدالعزيز.
– زيدان، السيد محمد سالم. (٢٠١٨). التنمية المهنية للمعلم واتجاهاتها الحديثة سبيلنا لتطوير التعليم قبل الجامعي. مجلة كلية التربية- جامعة بور سعيد، (٢٤) ، ٤١٠- ٣٧٠. دار المنظومة
– شمو، محاسن إبراهيم. (٢٠٠٤). دراسة استطلاعية لآراء عينة من عضوات هيئة التدريس بكلية التربية بجامعة الملك عبدالعزيز حول حلقات النقاش العلمية (السيمينارات) . مجلة مركز البحوث التربوية، ١٣(٢٥)، ١٧٠-١٣٥. دار المنظومة
– الطوق، سناء عبدالعزيز. (٢٠١٧). مدى مراعاة المدربات في البرامج التدريبية المنفذة في الفرع النسوي لمعهد الإدارة العامة في مدينة الرياض لمبادئ تعليم الكبار من وجهة نظر المشاركات بها. المجلة العربية للإدارة، ٣٧ (١)، ١٢٣- ١٤٣ .
– مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام. (١٤٣٥). مجتمعات التعلم المهنية. شركة تطوير للخدمات التعليمية.