لا شك أن التقدم الرهيب في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تشهده البشرية اليوم دفع إلى التغيير الشامل في مناحي الحياة المُتنوعة بشكل عام، وفي الميدان التربوي بشكل خاص. وهذا التطور والتدفق العظيم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نتج عنه ما يُسمى (بالثورة المعرفية)، وأيضاً (ثورة تدفق المعلومات) المُتسارعة بطريقة ديناميكية من الصعب التنبؤ بمُعدلات انتشارها، وتغييرها بشكل سليم ودقيق، وهذا كُله فرض على المُعلم أن يهتم بتوفير مواقف مُتنوعة تُحاكي تطبيق المعرفة التي يتعلمها في البيئة الواقعية. ومن هُنا تُعدُّ المُحاكاة التعليمية الحاسوبية بيئةً تعلميةً حقيقيةً قائمة على خُطوط مُنظمة وإرشادية مع بعضها البعض، والتي تُؤدي إلى تطوير المواد التعليمية التي تُحاكي البيئة الواقعية من أجل تحقيق أهداف مُعينة وموجهة إلى نوع من الطلبة في ضوء مفاهيم ومبادئ التعلم النظرية.
أهمية المحاكاة التعليمية
تنبع المُحاكاة التعليمية من صُعوبة توفر عناصر الواقع لأغراض التدريب والتعليم أو لاكتساب مهارات عملية مُعينة بسبب عدم مُواءمة الوقت والمكان، أو الخُطُورة لتنفيذ عملية مُعينة، وهُناك الكثير من المُؤثرات الحديثة التي أثرت بقوة في مسار العملية التعليمية ومُحتواها، وأساليبها، والتي أدت إلى العديد من المُتطلبات التي تدعُو إلى ضرورة استخدام المُحاكاة في العملية التعليمية، والتي تتمثل في الآتي (توفيق، 2003م، ص254):
- الانفجار المعرفي: حيثُ أدى التقدم الهائل في العملية التعليمية إلى توسيع مجالات وموضوعات الدراسة مما زاد موضوعات الدراسة في المادة الواحدة. وأدى ذلك إلى تشعب مجالاتها المُختلفة؛ ولذلك كان لا بُد من التقدم في العملية التعليمية التعلمية حتى تُواكب التقدم الهائل في العملية العلمية، وهُنا جاء دور المُحاكاة في تسهيل عملية حفظ واسترجاع المعرفة بكُل سُهُولة ويُسُر.
- التقدم التكنولوجي: حيثُ جعل التقدم التكنولوجي العالم قريةً صغيرةً من خلال الأنظمة الضخمة التي ظهرت من خلال الشبكة العلمية والإنترنت والاتصالات التي سهلت تبادل المعلومات، والوُصُول إلى المعرفة. وحتى يستفيد التعليم من ذلك التقدم التكنولُوجي الهائل تأتي هُنا المُحاكاة التعليمية كي تُسخر التكنولوجيا والإمكانات الضخمة؛ ليستغلها التعليم ويُقدمها للمُعلمين ليستخدمُوها أفضل استخدام.
- الانفجار السُكاني: وذلك من خلال الزيادة السكانية التي أدت إلى الاكتظاظ في الفُصُول الدراسية بالطلبة، وازدحامها بالمُتعلمين؛ فتبرز أهمية المُحاكاة في تسهيل تعلم أعداد كبيرة من الطلبة.
- نمُو الاتجاه العلمي: وذلك من خلال ما نعيشه في الوقت الحالي من اتجاهات، وما يُسيطر على أفكارنا من فلسفات مُتنوعة قد تأثرت بشكل كبير بالعملية التعليمية وتطبيقاتها، ومن هُنا وبفضل الحركة العلمية وما كونته لدى الأفراد من اتجاهات أصبحت الخبرة الحسية هي المادة الأُولى في العملية التعليمية والتعلمية. كما أصبحت المُدركات الحسية أهم من الأفكار من أجل الوُصُول إلى الحقيقية العلمية، ومن هُنا تبرز أهمية المُحاكاة التعليمية، حيثُ إنها تُتيح للمُتعلمين فُرصاً أكبر للعملية التعليمية التعلمية، وذلك عن طريق الحواس والمُمارسة والتدريب وتوسيع مجال الخبرات التي يمُر بها المُتعلم، وبذلك تستجيب لما يُؤكده الاتجاه العلمي من أساليب ومناهج تعليمية كما تُعدُّ المُحاكاة التعليمية من أكثر الصيغ استجابة لمفهُوم الخبرة الشاملة والمُتكاملة التي تتفاعل مع النشاط الإنساني بمُختلف جوانبه المُتنوعة.
- تطور مفهوم فلسفة التعليم وتغيير دور المُعلم: حيثُ أصبح دور المُتعلم هو المحور الأساس الأصيل للعملية التعليمية، كما تحوَّل دور المُعلم من المُلقن إلى المرشد والمُوجه والمُصمم للعملية التعليمية. ونتيجة للتطورات التربوية الحديثة أصبح هدف التعليم هو التعلم. وتستجيب المُحاكاة ومُستحدثاتها التكنولوجية لُمُختلف التطورات في مفهُوم التعليم، وتُقدم إمكانات كبيرة للتعلم الفردي والجماعي حيثُ تستجيب استجابة كاملة لجعل التعليم وفقاً لقُدُرات المُتعلمين واحتياجاتهم. كما أنها من خلال ما تُوفرهُ من إمكانات تدريبية مُتنوعة تتيحُ فُرصاً أكبر بهدف تنويع طُرُق التدريس، وتتبنى استراتيجيات تعليمية جديدة. كما أنها قادرة على الاستجابة لتحقيق الاتجاه الحديث نحو الاهتمام بالعملية التعليمية (تعلم لتعرف، تعلم لتكون، تعلم لتعمل، تعلم لتُشارك الآخرين).
عناصر المحاكاة
تتكون المُحاكاة التعليمية من مجموعة من العناصر والتي تتمثل في الآتي
(بدر، 1995م، ص83):
- نموذج يُمثل تجريداً، أو تبسيطاً، أو إيضاحاً للمُوقف التعليمي.
- القواعد (القوانين) التي تحكُم سُلُوك النموذج.
- وسيلة التفاعل.
- التغذية الراجعة.
- طريقة التعقيب على القرارات.
أشكال المحاكاة التعليمية
والتي تتمثل في الآتي (أبو السعود، 2009م، ص33):
- تمثيل الأدوار: تقُوم طريقة تمثيل الأدوار في عمل نموذج لموقف علمي؛ بحيثُ يُتناوَل بواقعية تقرّبه إلى أذهان الطلبة، ويعدُّ تمثيل أحد المواقف في الحقيقة تقليدًا لهذا المُوقف ومُحاكاةً بطريقة مُحددة وبسيطة تُسَّهل على الطلبة فهمها.
- نمُوذج مُطابق للواقع: حيثُ تكون الأجهزة والبرامج مُطابقة لما يُوجد في الواقع، ولكنها تكون مُصَّغرةً نسبياً مُثل نموذج التدريب على الطيران، أو برامج قيادة المُركبات الفضائية، حيثُ تكون غرفة التدريب بها كامل التجهيزات والمواد وأدوات التحكم التي تُوجد في المركبة الحقيقية.
- المُسابقة: حيثُ يكون هُناك تنافس بين اثنين أو أكثر من المُتعلمين، وذلك حسب القوانين المُتفق عليها، وهذا يُعطي للطلبة فرصةً للتداخل أو الاندماج مع بعضهم البعض على الرغم من وُجُود عُنصُر المُحاكاة، كما يُشكِّلُوا نموذجًا مُتداخلاً شاملاً لخصائص الأنشطة.
وتضيف الباحثة لما سبق:
تُمثل برامج المحاكاة التعليمة أحد البرامج التي لها أثر واضح في إثراء العملية التعليمية حتى أن البعض ابتكر ألعاباً تُحاكي الحياة الحقيقية، وتُساعد في تنمية المهارات الحركية واللفظية والعقلية والاجتماعية. كما ابتكروا تلك الألعاب المُتخصصة والتي تخدم مناحي المعرفة المُتنوعة.
المراجع
بدر، محمود. (1995). الكمبيوتر والتربية، بنها: مكتبة شباب 2000.
توفيق، صلاح. (2003). “المحاكاة وتطوير التعليم”، مجلة مستقبل التربية العربية، العدد 9(29).
أبو السعود، هاني. (2009). برنامج تقني قائم على أسلوب المحاكاة لتنمية بعض مهارات ما وراء المعرفة في منهاج العلوم لدى طلبة الصف التاسع الأساسي بغزة، (رسالة ماجستير غير منشورة)، كلية التربية، جامعة الأزهر، غزة.
وفق الموضع الرهن والظروف التي يمر بها العالم مثل ما حدث ايام حائحة كرونا اوحتيمنجانب تسارع المعرفه فقد وجب علي المُعلم أن يهتم بتوفير مواقف مُتنوعة تُحاكي تطبيق المعرفة التي يتعلمها في البيئة الواقعيةومن هُنا تُعدُّ المُحاكاة التعليمية بيئةً تعلميةً حقيقيةً قائمة والتي تُؤدي إلى تطوير المواد التعليمية التي تُحاكي البيئة الواقعية من أجل تحقيق أهداف مُعينة وموجهة إلى نوع من الطلبة في ضوء مفاهيم ومبادئ التعلم النظرية.