تعد تكنولوجيا التعليم في مقدمة العلوم التي تبحث عن تطوير محتواها ومفهومها بين الحين والآخر، وفقا لمتغيرات العصر، وذلك لتلبية الحاجات التي تستجد في المجال العلمي بصفة عامة، ويقع في مقدمة ذلك مفهوم تكنولوجيا التعليم الذي يتطور مع الوقت ليصبح أعم وأشمل من سابقه، و يزيد من أدوار هذا التخصص في العصر الحديث الذي يتميز بالثورة المعلوماتية والمعرفية و التكنولوجية في شتى المجالات، خاصة المجال العلمي الذي أصبح يتطور بشكل يومي. و سنحاول في هذا المقال أن نوضح أحدث التعريفات لمفهوم تكنولوجيا التعليم.
1- أحدث تعريف لتكنولوجيا التعليم و عناصرها وفقا للتعريف الثالث
خلال فترة ثلاثة عشر عاماً التي تلت التعريف الثاني لتكنولوجيا التعليم (1994)، حدثت تطورات كثيرة ومتسارعة وخاصة في مجال تكنولوجيا التعليم الإلكتروني، لذلك كان لابد من إعادة النظر مرة أخرى في تعريف هذا المصطلح ليستوعب تلك التطورات فصدر التعريف الرسمي الثالث لعام 2007 كالتالي:
“تكنولوجيا التعليم هي الدراسة والممارسة الأخلاقية الخاصة بتسهيل التعليم وتحسين الأداء من خلال ابتكار العمليات والمصادر التكنولوجية المناسبة واستخدامها وإدارتها “
يتضح من التعريف الثالث أنه يركز على العمليات التي تتحكم بالتدخلات والتفاعلات التعليمية من قبل المتخصصين بهدف التعلم والإدارة المهنية والأخلاقية .
وقد أشار ريزر (Reiser) إلى أن إحدى نقاط القوة للتعريف الثالث لتكنولوجيا التعليم أنه يركز على العمليات النظامية واستخدام المصادر التكنولوجية وتكنولوجيا الأداء البشري، كما يركز على تحليل التعليم ومشكلات الأداء والتصميم والتطوير والاستخدام والتقويم وإدارة العمليات التعليمية وغير التعليمية والمصادر، لتحسين التعليم في مختلف المؤسسات. وبذلك ارتبط المفهوم الجديد لتكنولوجيا التعليم بحقل تصميم التدريس والتكنولوجيا، مما ساعد على وضوح مفهوم تكنولوجيا التعليم وتميزه عن الوسائل التعليمية.
وبكلمات أخرى، فإن معظم هؤلاء الأفراد يساوون بين مصطلح تكنولوجيا التعليم ومصطلح الوسائل التعليمية بالرغم من جميع التعريفات الواسعة لتكنولوجيا التعليم والتي ظهرت خلال فترة الـ(30-40) سنة الماضية. وبذلك أصبح من المناسب تسمية هذا الحقل بتصميم التدريس والتكنولوجيا بدلاً من تكنولوجيا التعليم.
وتعتبر تكنولوجيا التعليم في أوسع معانيها تخطيطاً وإعداداً وتطويراً وتنفيذاً وتقويماً كاملاً للعمليات التعليمية وابتكاراً للعمليات والمصادر دعماً للحلول من مختلف جوانبها، ومن خلال أدوات وبيئات تقنية متنوعة تعمل جميعها بشكل منسجم مع العناصر البشرية لتحقيق أفضل لأهداف التعلم.
2- عناصر تكنولوجيا التعليم وفقاً للتعريف الرسمي الثالث
1- الدراسة (البحث)
تشير كلمة الدراسة إلى عملية البحث الكمي والكيفي بهدف جمع المعلومات وتحليلها وتنظيمها، للمساعدة في إصدار الحكم والتحليل الفلسفي والاستقصاء التاريخي وتطوير المشاريع وتحليل الأخطاء وتحليل النظم والتقويم بهدف تكوين قاعدة معرفية تكون موجهة للجانب التطبيقي للتكنولوجيا.
2- الممارسة الأخلاقية
تشير كلمة أخلاقي في تعريف تكنولوجيا التعليم إلى أن المختصين في تكنولوجيا التعليم والمستفيدين من منتجاتها يجب أن يحافظوا على أخلاقيات المهنة؛ لذا شكلت جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا لجنة الأخلاقيات AECT التي قدمت قانون الممارسات الأخلاقية، كما نشطت في تحديد المعايير الأخلاقية AECT عند استخدام التقنيات واحترام حقوق الملكية الفكرية في مجال تكنولوجيا التعليم. ويؤكد التعريف الحالي لتكنولوجيا التعليم على أنه في غياب الممارسة الأخلاقية، فإن النجاح يكون منقوصا؛ لذا يجب أن يخضع المختصون في تكنولوجيا التعليم ممارستهم واستخداماتهم التقنية للنقد المستمر تأكيداً لتوجيهها نحو المسار الصحيح، حيث تستلزم الأخلاق المعاصرة النظر بتمعن في بيئة التعلم والاحتياجات الجديدة للمجتمع لتحسين الممارسات، كما تضع في اعتبارها تساؤلات عديدة: ماذا ستتضمن؟ ومن لديه سلطة تصميم وتطوير حلول التعليم؟ …
3- التسهيل
لقد أدى التطور في نظريات التعليم والتعلم إلى إعادة التفكير في طبيعة العلاقة بين التعليم والتعلم، ويشير التعريف الرسمي الأول ل AECT إلى طبيعة العلاقة في تصميم واستخدام الرسائل التي تحكم عمليات التعلم، بينما ركزت التعريفات الأخيرة على العلاقة المباشرة بين التعليمات المصممة والمسلمة جيداً وفاعلية التعلم، كما أن الطفرة الأخيرة في نظريات التعلم جعلت أدوار المتعلم متمركزة حول المشاركة في بناء المعرفة مما غير دور التكنولوجيا ليصبح أقرب إلى التيسير أكثر من التحكم. لذلك يجب أن تكون بيئات التعلم محفزة وأكثر دقة و واقعية، فالدور الرئيس للتكنولوجيا ليس فقط تقديم المعلومات وتوفير التدريب والممارسة (للتحكم بالتعلم)، ولكن توفير فضاء المشكلة وأدوات الاستكشاف (دعم التعلم).
4- التعلم
تؤكد تكنولوجيا التعليم على ضرورة الربط بين الدارسة و الممارس، و ضرورة أن يوظف المتعلم ما تعلمه في حياته خارج حدود المدرسة. كما أنها تؤكد على أن الهدف من التعليم اليوم أصبح ليس فقط الاحتفاظ بالمعلومات أو اكتساب المعرفة، بل انتقل إلى ما هو أبعد من ذلك، و اتجه نحو العمق، حيث التفاعل و التشارك و التعاون و الانسجام. فكلما زادت درجات التفاعل و الانسجام بين عناصر منظومة التعلم كلما زادت فرص التعلم. فالمتعلم اليوم ليس مكتسبا للمعرفة بل مكتشفا و منشئا و ناشرا لها، بما يضمن أن يصبح المتعلم أكثر إنتاجيه و أكثر نشاطا و إيجابيه في المواقف التعليمية. لذا يجب الاهتمام بتحديد مهام التعلم و كيفية قياسها في عملية التصميم التعليمي.
5- التحسين
تشير كلمة تحسين في ضوء تكنولوجيا التعليم إلى العائد و الفائدة، فمثلا عند توجهنا إلى أحد المطاعم نختار الأكثر جاذبية وأمنا و كفاءة و الأفضل غذاء. و في حالة تكنولوجيا التعليم فإن العائد يكون تحسين الأداء من خلال تحقيق الفاعلية التي تعني جودة المنتجات التي تقودنا إلى تعلم فعال يمكن تطبيقه في الواقع، و تربط الفاعلية بالكفاءة التي تعني أن نحصل على النتائج بأقل وقت و أقل جهد و أقل تكلفة. و لكن لكي نصل إلى الفاعلية يجب أن يكون لدينا أهداف محددة، فمثلا عندما نريد الانتقال من غزة إلى خان يونس في أسرع وقت ممكن ربما يكون الطريق الساحلي أقل فاعلية من طريق صلاح الدين. و لكن إن كان من ضمن الهدف التعرف على طبيعة ساحل قطاع غزة سيكون الطريق الساحلي هو الأكثر فاعلية. و بالمثل قد يختلف المصممون في تكنولوجيا التعليم على أن تصميما أفضل من الآخر إذا افتقدوا لتحديد الأهداف.
عموما، تعتبر حركة التطوير التعليمي المنظومي دافعاً للاهتمام بموضوع الكفاءة و التي عرفت بأنها مساعدة المتعلم على تحقيق أهداف محددة يمكن قياسها بطريقة موضوعية. و يختلف مفهوم الكفاءة في ضوء التعلم البنائي الذي يركز على ضرورة اختيار المتعلمين لأهداف تعلمهم الخاصة و تحديد مسارات تعلمهم و يكون التعلم هنا أكثر عمقا و خبرة و يمكن تطبيقه على الواقع. لذا يجب وضع جدول زمني للتعلم مع تحديد بعض الأهداف و الموارد اللازمة لتحقيقها.
نخلص إذن إلى أن تكنولوجيا التعليم تسعى إلى تحقيق تعلم أكثر فاعلية و أكثر كفاءة و قابلية للتطبيق على أرض الواقع، بحيث يتم الربط بين الدراسة و الممارسة.
6- الأداء
يشير مفهوم الأداء إلى قدرة المتعلم على استخدام و تطبيق القدرات التي اكتسبها، و تعتبر تكنولوجيا التعليم أن تحسين الأداء لا يعني فقط تطوير المعرفة و لكن القدرة على تطبيقها. لذا تهدف تكنولوجيا التعليم إلى زيادة الإنتاجية على المستوى الفردي و على مستوى المؤسسة.
7- الإبداع
شهد مجال تكنولوجيا التعليم تطورا واسعا في أشكال الوسائط و الاتصال و الأسس النظرية لمواد و أنظمة التعلم، حيث انتقلنا من الأفلام الصامتة إلى التعليم المبرمج ثم إلى حزم الوسائط المتعددة و التعلم عبر الويب .. الخ. و يمكن أن يتضمن الإبداع ” البناء ” مجموعة متنوعة من الأنشطة اعتمادا على نموذج التصميم المتبع. كما تتأثر عمليات التصميم و التطوير بعدد كبير من التقنيات الرقمية و التناظرية التي تستخدم في بناء أو تكوين مواد التعلم و بيئاته، فمثلا ربما تستخدم نظم المحاكاة التعليمية التي تتطلب مواد تعلم خاصة و استخدام بعض الأدوات المتعلقة بالواقع الافتراضي، كما تتطلب وجود قواعد بيانات و أنظمة مساعدة.
8- الاستخدام
يشير عنصر الاستخدام إلى شروط التعلم ومصادره من أجل تسهيله وتحسين الأداء. ويبدأ الاستخدام بالاختيار المناسب للعمليات والمصادر، والطرائق والمواد، بالاعتماد على تقييم المواد لتحديد ما إذا كانت المصادر المتوفرة مناسبة للتعلم وللغرض معاً. لذا فإن التخطيط والتنفيذ يمكن أن يدرج تحت مسمى الاستخدام وكذلك النشر حيث عند إيجاد فكرة أو مورد أو عنصر للتعلم و تجريبه، فإن الخطوة التالية تكون تعميمه ونشره، أي أنه يصبح جاهزاً للاستخدام.
9- الإدارة
تعتبر الإدارة من أهم مسؤوليات المتخصصين في مجال تكنولوجيا التعليم والتي اتخذت في السنوات الماضية شكل التوجيه. لكن مع تعقد عملية إنتاج مواد التعلم وعمليات التطوير التعليمي، أصبح واجبا على المتخصصين أن يتقنوا مهارات أعلى من التوجيه وهي مهارات إدارة المشاريع؛ حيث بعد دخول برنامج التعلم عن بعد حيز التنفيذ و الذي يعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، وجد هؤلاء المتخصصون أنفسهم تلقائياً داخل نظم إدارة التسليم (توصيل مواد التعلم).
وتهتم عمليات الإدارة بالأفراد والمعلومات من حيث التنظيم و التخطيط والتحكم في التخزين ومعالجة المعلومات في المقرر، أو إدارة وتنظيم المشروعات. ويؤكد منحى النظم للتصميم التعليمي على جودة التحكم والتوجيه لضمان متابعة النتائج واستمرارية التحرك ضمن عمليات الإدارة، مع ضرورة الانتباه إلى الجمع بين الإدارة والممارسة الأخلاقية في إطار تكنولوجيا التعليم.
وبذلك نخلص إلى أن عملية الإدارة تتضمن التحكم بتكنولوجيا التعليم من خلال التخطيط (لتحديد الأهداف والاستراتيجيات والإجراءات التنفيذية الخاصة بالمصادر والعمليات وتوفير الإمكانات المادية والبشرية وضبط الميزانية)، والتنسيق والتنظيم (تحديد الأنشطة والمهام والأدوار وتحديد الأفراد ودراسة العلاقات وضبط الجهود )، والإشراف والتوجيه (ملاحظة أداء الأفراد وتوضيح المهام والأنشطة للجميع وتقديم التعليمات والتوجيهات والإرشادات)، والمراقبة والتحكم (التحقق من الوظائف والعمليات والأداء وفقا للمعايير الموضوعة واكتشاف ومعالجة الأخطاء)، كل هذا من أجل الاستخدام الأمثل للموارد البشرية وغير البشرية و لتحقيق أهداف النظام بكفاءة وفاعلية.
10- الملاءمة
وتعني تناسب أو توافق المصادر والعمليات في تكنولوجيا التعليم، ويستخدم مفهوم التكنولوجيا الملاءمة على نطاق واسع للدلالة على الأداة أو الممارسة الجيدة والبسيطة و التي غالبا ما تقدم حلاً للمشكلة، كما ترتبط بالأفراد و الثقافات و الاستدامة. و قد أشارت ال AECT إلى أن للملاءمة بعدا أخلاقيا، حيث وردت أحكام في قانون ال ACET الأخلاقي تدل على الملاءمة مثل تعزيز الممارسات الأخلاقية، و التأكيد على ضرورة اتباع الإجراءات السليمة عند اختيار و تقييم المواد و المعدات، و حماية الأفراد من الظروف الضارة بالصحة و السلامة و تشجيع المحتوى الذي يدعم التنوع المجتمعي و لا يفرق على أساس العرق أو الدين، أي التركيز على تنوع الثقافات.
و بطبيعة الحال تعتبر المواد و العمليات ملائمة في حال أسفرت عن نتائج مرضية، و هذا ينطوي على معيار الفاعلية و الفائدة لتحقيق الهدف المقصود. و في المحصلة فإن اختيار المواد و العمليات يكون في أفضل الممارسات و هذا يعني أنه على مختصي تكنولوجيا التعليم أن يحدّثوا معرفتهم باستمرار و يحافظوا على الاتصال بواقع عملهم ليساعدوا أنفسهم على اتحاذ القرار المناسب بعيدا عن الاختيارات العشوائية حيث أن الهدف هو تحقيق تعلم جيد لدى المتعلم بأسرع الطرق و أقل التكاليف و أقل جهد.
11- العمليات
سلسلة من الأنشطة موجهة نحو تحقيق هدف معين، و تستخدم تكنولوجيا التعليم منظومة من العمليات لتصميم و تطوير و إنتاج مواد و عناصر التعلم، و تصنف ضمن عمليات أكبر هي: ” تطوير و تصميم التدريس “. لذا يعتبر التصميم التعليمي أحد مجالات تكنولوجيا التعليم و هو علم يتضمن عملية منهجية منظمة لتحسين التعليم و تحسين تعلم الطلبة وفق خطة منظمة و مدروسة لتقليل العشوائية و التخطيط أثناء سير العملية التعليمية و يتضمن التصميم التعليمي ثلاث عمليات متداخلة و هي : تصميم و تنفيذ و تقويم عمليتي التعليم و التعلم.
12- المصادر
يعتبر تعدد مصادر التعلم مركز مجال تكنولوجيا التعليم، وقد اتسعت لتشمل الابتكارات التكنولوجية والأدوات والتقنيات التي تسعى لمساعدة المتعلم على التعلم، وتتضمن المواد المصممة لمساعدة المتعلم، كما قد تتضمن المصادر أنظمة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومصادر أخرى (المكتبات، والمتاحف، والناس)، والوسائط الرقمية (الأسطوانات CDs)، و مواقع الويب، و الرحلات المعرفية عبر الويب، و أنظمة دعم الأداء الالكترونية). كما تتضمن الوسائط التناظرية مثل الكتب و المواد المطبوعة و تسجيلات الفيديو و المواد السمعية البصرية التقليدية. و يتمثل دور المعلم في استكشاف الأدوات المتوفرة و تصميم أدوات جديدة، بينما يتمثل دور المتعلم في اختيار المصدر الذي يناسبه، ودور مختصي تكنولوجيا التعليم في عرض وتقديم قائمة بأهم المصادر مع الحرص على تحديثها باستمرار.
المراجع
حسن ربحي مهدي ( 2015). كتاب تكنولوجيا التعليم و التعلم، دار المسيرة، الأردن.
محمد عطية خميس (2011). الأصول النظرية و التاريخية لتكنولوجيا التعلم الإلكتروني، ط1 ، دار السحاب للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة ، مصر.
محتوى ممتاز جملة وتفصيلا
شكرا لك اختى الكريمة
رائع بس احنا فين