أحدثت التطورات الأخيرة – النظرية والتجريبية- في مجال اكتساب اللغة الثانية تغييرات في النهج التربوي اتجاه دور القواعد في تعليم اللغة الثانية. فقصور النهج التقليدي المتمثل في طريقة (النحو والترجمة) في تركيزه على قواعد اللغة على حساب المعنى، وعجزه عن تمكين الطلبة من القدرة على التواصل بشكل سلس مع مجتمع اللغة، فضلًا عن عدم كفاية النهج التواصلي في تركيز اهتمامه على المعنى، والطلاقة على حساب الدقة، أدى إلى ظهور نهج جديد يُعرف بـ”نهج التركيز على الشكل” الذي يستلهم أسسه النظرية من علم النفس الذهني وعلم اكتساب اللغة الثانية. فأي نوع من التعلم يتطلب قدراً من الانتباه، وهذا الانتباه يُمكّن المدخل من الدخول إلى أجزاء قصيرة المدى من الذاكرة، محولًا إياه إلى مكتسب عن طريق الملاحظة اللغوية. فتحويل المكتسب اللغوي المؤقت إلى مكتسب دائم في الذاكرة طويلة المدى يحتاج إلى المزيد من التدريب والممارسة اللغوية التي تسهل هذا الانتقال وتضمنه.[1]
عرّف (Long،1991) نهج التركيز على الشكل بقوله: “إنّه نهج يلفت نظر المتعلمين بشكل واضح إلى العناصر اللغوية التي تبرز عفوياً في دروس تركّز على المعنى أو التواصل بشكل رئيسي”.
كما حدد (Ellis،2001) مفهوم نهج التركيز على الشكل على أنّه: “أي نشاط تعليمي مخطط له أو عرضي يهدف إلى تحفيز متعلمي اللغة على الاهتمام بالأشكال اللغوية، إذ ينشأ هذا الاهتمام بالشكل من الأنشطة التي تركز أساسًا على المعنى”.
يقوم هذا النهج على حث متعلمي اللغة الثانية على ملاحظة الأشكال اللغوية في المدخلات (النصوص) بغية مساعدتهم على تطوير مستواهم اللغوي في تعلّم اللّغة الثانية. فيُعد الشكل اللغوي في هذا النهج وسيلة لفهم المعنى، من خلال تمكين متعلمي اللغة الثانية من إنشاء علاقات بين المعنى الذي يتعرضون له في المدخل (النص) وأشكاله اللغوية التي تعبر عنه، ويتمثل دور المعلم في تعزيز الملاحظة اللغوية للشكل المراد التركيز عليه، وذلك بإبرازه بطريقة فاعلة، عن طريق صوغ مهام ضمن نشاطات تركز على المعنى بالدرجة الأولى.
يتضمن نهج التركيز على الشكل نوعين من التركيز:
1- التركيز الاستباقي: يتوقع المعلم في هذا النوع من التركيز المشكلات اللغوية التي يمكن أن يتعرض لها الطلبة، ومن ثَمّ يقوم بإعداد المواد التعليمية المناسبة على أساس الشكل اللغوي الذي يتوقع أن يواجه الطلبة فيه مشكلة، وتدرّس القواعد وفق هذه الطريقة بشكل صريح عن طريق تقديم شروحات عن الشكل المراد التركيز عليه.
2- التركيز التفاعلي: لا يحتاج المعلم في هذا النوع من التركيز إلى تخطيط مسبق بل لا بدّ له أن يكون قادرًا على التعامل مع المشكلات اللغوية المتعددة للمتعلمين، بحيث يكون مستعدًا للتعامل مع مختلف الصعوبات التي تنشأ عند التعرض للمدخل (النص) وهذا يتطلب استجابة فورية من قبل المعلم لهذه المشكلات، وتدرّس القاعدة النحوية في هذا النوع من التركيز ضمنيًا أي دون الحاجة إلى الكثير من الشروحات والتفصيلات.
مما سبق، نلاحظ أن التركيز التفاعلي يعالج الأخطاء التي ظهرت في سياق التواصل الهادف (أي مشاكل الأداء)، بينما يعالج التركيز الاستباقي المشاكل التي من المتوقع حدوثها، وتعيق التواصل. فيمكن لمعلم اللغة أن يبدأ تدريس الأشكال اللغوية من خلال مدخلات تعالج فيها هذه الأشكال بالاعتماد على التركيز التفاعلي للوقوف على المشكلات التي يعاني منها الطلبة في صفه، ثم الانتقال في المدخلات التالية إلى التركيز الاستباقي بعد أن يكون قد حدد نقاط ضعف طلبته.
وقد أشار (Doughty&William،1998،Long،2005) إلى أمور ينبغي مراعاتها عند تطبيق نهج التركيز على الشكل، نذكر منها:
- أن يُقدَّم الشكل اللغوي ضمن مدخل (النص) تواصلي.
- أن يعالِج الطلبة مضمون المدخل (النص) قبل أن تُعزز ملاحظتهم للأشكال اللغوية، فيجب أن يناقش الطلبة المعنى ويحللونه قبل الانتباه إلى الشكل اللغوي.
- أن تتناسب درجة صعوبة المدخل (النص) ومستوى الطلبة بشكل يجعل فهمهم سهلاً، فصعوبة المدخل ستشغل الطلبة عن ملاحظة الشكل اللغوي المطلوب.
كيفية التدريس وفق هذا النهج:
1- يختار المعلم نصًا ذا معنى تواصلي يخدم الشكل اللغوي الذي سيركّز عليه.
2- التمهيد: هذه الخطوة تهيئ الطلبة لنص القراءة بشكل يفّعلون فيه معرفتهم المسبقة عن الموضوع، من خلال صورة أو فيديو أو طرح أسئلة تحفّزهم وتستثيرهم نحو موضوع النص.
3- توزيع نص القراءة على الطلبة وتكليفهم بقراءة العنوان، وسؤالهم عمّا يمكن أن يحويه النص من معلومات.
4- بعد التعرّف إلى توقعات الطلبة، يقرؤون النص لفهم الفكرة العامة، وبعد الانتهاء من القراءة، نسألهم ما إذا كانت توقعاتهم بالنسبة للنص صحيحة، هذه الخطوة تعزز فهمهم للمعنى، مما يساهم في تعزيز ملاحظتهم للشكل اللغوي لاحقًا.
5- قراءة النص مرة أخرى للإجابة عن أسئلة الفهم. فبعد القراءة يمكن أن يعمل الطلبة في مجموعات للتحقق من إجاباتهم، ثم تناقش هذه الإجابات مناقشة عامة. وفي هذه الخطوة نركز على المعنى لكننا في الوقت ذاته نستعرض أمثلة عن الشكل اللغوي المراد التركيز عليه، فيمكن أن نكتب مثالًا أو اثنين منها على السبورة مقدمة لشرح الشكل اللغوي الذي ظهر خلال الإجابة عن أسئلة الفهم، و نسأل الطلبة عن المعنى الذي يؤديه الشكل اللغوي ووظيفته.
6- العودة إلى النص وتكليف الطلبة بوضع خط تحت كل مثال عن الشكل اللغوي، وبعد انتهائهم من هذا النشاط نطلب منهم إعطاء الأمثلة التي وجدوها في النص.
7- إنتاج الشكل اللغوي:
ينقسم إنتاج الشكل اللغوي إلى مرحلتين:
أ.الإنتاج الموجّه: يقوم فيه المعلم بتصميم تدريبات ممنهجة وموجّهة للشكل اللغوي.
ب. الإنتاج الحر: يُعطى فيه الطلبة مهمة حقيقية تركز على المعنى والشكل اللغوي في الوقت ذاته؛ للتدرُّب على الشكل اللغوي. ومن اللازم أن تكون هذه المهمة ضمن موضوع الدّرس، لضمان الترابط والانسجام بين خطوات الدرس[2].(لمى ناصيف،2016 ورشة عمل)
مما ذكر آنفًا، نلاحظ أن هذا المنهج يركز على تدريس القواعد النحوية في سياقها الطبيعي الـذي اسـتخرجت منـه، وهو النص اللغوي سواء أكان مقروءاً أم مسموعًا. فمن خلال فهم النص بعد قراءته وتحليله، تستخرج الأمثلــة المراد التركيز عليها، وبعــد ترسيخها في أذهان الطلبة تستنبط منها القاعدة النحوية، أي نعلم الطلبة ممـا أصبح في ذاكرتهم، وبهـذا يسـهل عليـهم فهـم هذه القواعد،كما أنهم سيدركون أهمية الشكل اللغوي في فهم معنى النص.
[1]Jiménez, L. 2003
[2] لمى ناصيف ورشة عمل بعنوان ” تعزيز الملاحظة اللغوية: مقترب التركيز على الشكل:، عمان- الاردن 2016
المراجع:
1- Doughty, C., & Williams, J. (1998). Pedagogical choices in focus on form. In, Focus on form in classroom second language acquisition (pp. 197-261). New York: Cambridge University Press
2- Ellis, R. (2006). Current issues in the teaching of grammar: An SLA perspective. TESOL Quarterly, 40(1), 83-107
3- Ellis, R., Basturkmen, H., & Loewen, S. (2001b). Preemptive focus on form in the ESL classroom. TESOL Quarterly, Vol. 35 (3), pp. 407-432 Ellis, R., Basturkmen, H., & Loewen, S. (2002). Doing Focus-on-Form. System Vol. 30, pp. 419-432
4- Jiménez, L. (2003). Intention, attention, and consciousness in probabilistic sequence learning. In L. Jiménez (Ed.), Attention and Implicit Learning (pp. 43-68). Philadelphia: John Benjamins.
5- Long, W. (2005). Input enhancement: From theory and research to the classroom. Boston: McGraw Hill