مقدمة:
تنص وثائق حقوق الإنسان على أنه من حق كل طفل الحصول على تعليم عالي الجودة بما يتماشى مع قدراته وخصائصه دون التمييز بين الأطفال حسب النوع (ذكر- أنثى)، أو المستويات الاقتصادية والاجتماعية، أو القدرات الذهنية والبدنية، أو غير ذلك من الاختلافات.
من منطلق هذه الوثائق والتي تلح على المساواة بين جميع الأطفال، يجب أن يراعي القائمون على التعليم توفير كل الإمكانيات التي تساعد الأطفال وتمكنهم من تحقيق التميز في التعليم من دون التفرقة بينهم، فالتميز والجودة هي أهداف الجميع من التعليم.
في سبعينات القرن المنصرم، ظهرت اتجاهات تربوية ونفسية تؤكد على ضرورة الاهتمام بالفروق الفردية بين التلاميذ، ولفت هذا الاتجاه الأنظار إلى حقيقة لا ريب فيها هي أن التلاميذ من سن واحد والحاضرين أمام المعلم في فصل واحد يجمعهم معاً، مختلفون ولكل منهم قدراته الخاصة وميولاته الخاصة وله أيضاً نمط تعلمه الخاص به وأن على المعلمين العمل مع كل متعلم وفقاً لهذه الخصائص.
وقد أوجد تصنيف المستويات المعرفية الفرصة لمعرفة المستويات الذي يريد المعلم أن يحققها مع تلاميذه، كما أنه سمح بمعرفة المستوى المعرفي الذي يمكن لكل تلميذ أن يحققه، فينعكس ذلك فورا على طرق التدريس التي يستخدمها المعلم في الفصل وأيضاً ينعكس على شيء مهم وهو طرق التقييم، فيستطيع المعلم أن ينوع محتوى المنهج ليتلاءم مع قدرات تلاميذه المختلفة، كما ينوع في طرق وأساليب التقييم لتناسب كل مستوى من مستويات التدرج المعرفي.
ويعد تصنيف بلوم للمستويات المعرفية الذي يعود لـ “بنيامين صموئيل بلوم وآخرين” من أقدم الأطر المرجعية التي تحدثت عن هذا الموضوع، ويرجع ذلك لعام 1956م وهو من أكثرها شهرة. وحاول هذا التصنيف أن يكون متحررًا من الاعتبارات الثقافية ومحايدًا على قدر الإمكان.
وقد وضعت “كوثر حسين كوجك” تصوراً يختلف عن المستويات المعرفية التي وضعها بلوم ليس في جوهره ولكن في الترتيب، فهيا بنا نعرض عليكم وجهتي النظر ونترك للقارئ فرصة مقارنة الرؤيتين.
في البداية يجب توضيح المستويات المعرفية للتفكير ودورها في تنويع التدريس داخل الفصل وذلك كما يلي:
يهتم المعلم في بداية حياته العملية بإثبات نفسه ومكانته كمعلم، فيهتم جداً بالنظام داخل الفصل للتحكم في أغلب شؤون التلاميذ وبحضور التلاميذ وغيابهم وإعطاء وتصحيح الواجبات المنزلية والتشدد في ذلك. كما ينصب اهتمامه أيضاً بملف تحضير الدروس وتنظيمه وترتيبه كما يهتم بموقفه العلمي أمام تلاميذه وأمام زملائه وأمام الموجهين فيذاكر ويراجع موضوعات الدروس ويقرأ التعليمات الرسمية، ليكون مستعداً لتقديم الدرس بصورة ترضيه.
ويأتي تنويع طرائق التدريس وغيرها من مهارات التدريس المتقدمة في مرحلة متأخرة من النمو المهني للمعلم، ففي بداية الأمر ينصب جل تفكيره في الأمور الظاهرية التي تم ذكرها ثم وبالتدريج يبدأ بالنظر في الأمور الأكثر دقة في الأداء.
إن تنويع طرائق التدريس يتم في ظل ما يعرفه المعلم عن تلاميذه أثناء متابعتهم داخل الفصل مثل هواياتهم، وقدراتهم الشخصية والعلمية ومعلوماتهم المسبقة عن الدرس الذي يقدمه، وأنماط تعلمهم، وهكذا يصبح من المهم أن يجتهد المعلم لمعرفة هذه الجوانب عن تلاميذه ويجب أن لا يتصور أن هذه العمليات شاقة وتستغرق وقتاً ومجهوداً كبيراً.
أجمع جميع الخبراء على أن مهارة تنويع طرائق التدريس لا تتطور لدى المعلم من خلال حضور المحاضرات، أو من خلال قراءة بعض المراجع في الموضوع أو بمشاهدة أو ملاحظة معلم داخل فصله، ولكنها تنمو من خلال كل ذلك بالإضافة إلى الممارسة على الأمد البعيد.
ومن الضروري النصح بعدم الإسراع والاستعجال عند البدء في تجريب تنويع طرائق التدريس، بل من الجيد أن يبدأ المعلم بأحد مكونات هذه المهارة، ثم يتدرج بعد ذلك لإضافة مكون آخر ثم آخر، بمعنى يجب ألا يتخيل المعلم أنه سوف يستخدم الاستراتيجيات المقترح استخدامها في تنويع طرائق التدريس دفعة واحدة فهذا مستحيل وعلى المعلم التروي والتفكير عند البدء.
فمن المعقول أن يقبل المعلم على تنويع طرق التدريس هذه بتأن ثم النمو التدريجي، حيث يخطط لنفسه ولتلاميذه بعض محاولات التنويع التي تجذب التلاميذ وتحببهم في هذا التنوع داخل الفصل الواحد.
إن التعلم يحدث عند التعرض إلى تحد معقول ومناسب، لذلك يجب أن يختار المعلم بعض الأوقات المحددة ليقوم بشرح ما يجري في الفصل، حتى يبدأ التلاميذ باستيعاب فكرة أنهم لا يتعلمون بنفس السرعة، وأنهم يختلفون في طبيعة المساعدة التي يحتاجونها أثناء تنفيذ الأنشطة. وبالتدريج، يضيف المعلم أساليب أخرى لتنويع طرائق التدريس، وفي كل مرة يشرح للتلاميذ ما يجري في الفصل و أسبابه.
على المعلم أن يجرب بعض المحاولات المثيرة لدافعيته لتجريب تنويع طرائق التدريس، على أن تكون قابلة للتحقق بشيء من المجهود والإصرار على النجاح. أما إرجاء المحاولة كما يفعل بعض المعلمين حتى يكون متأكداً تماماً من النجاح، فسوف تجعله يؤجل المحاولة ويضع المبررات للتأجيل حتى أنه قد لا يبدأ مطلقاً “أن تأتى متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً”.
وينصح المعلم بعدم تجريب مداخل كثيرة ومتعددة مرة واحدة، فذلك يؤدى إلى الفشل وفقدان الثقة بالنفس، أما البداية المتأنية والهادئة فهي تؤكد على النجاح والنمو التدريجي والتراكمي وهذا هو المطلوب.
وفي هذا السياق، ننوه أنه لا توجد وصفة سحرية أو خريطة محددة يمشي على هداها المعلم لتنفيذ تنويع طرائق التدريس بنجاح؛ فالأمر يتعلق بمتغيرات مختلفة ومتعددة ولكن توجد بعض الإجراءات لمحاولة ضمان نجاح تنويع التدريس داخل الفصل نذكر منها ما يلي:
- إعلام الإدارة المدرسية: يجب إعلام إدارة المدرسة بما يقدم المعلم على تجريبه في تدريسه. ولا بد من موافقة إدارة المدرسة على تجريب تنويع طرائق التدريس، وهذا يجعلهم مشاركين مع المعلم في نشر الطريقة الجديدة ويدفعهم لتقديم يد العون والمساعدة والتأييد بقوة والعمل على النجاح. وعلى المعلم أن يحصل على هذا التأييد قبل بدء التجربة واستمرار هذا الدعم أثناء العمل، وذلك من خلال تفسيره لمفهوم تنوع طرائق التدريس وأهميته ونتائجه المتوقعة على كل المستويات، ثم من خلال دعوة الإدارة المدرسية لزيارة الفصل ومعرفة ما يحدث داخله، وبإجراء مناقشة مع التلاميذ لمعرفة رأيهم واتجاهاتهم نحو التجربة الوليدة.
- إشراك الموجهين: لا شك إن معرفة الموجهين بفلسفة تنويع التدريس و أساليبه هو عمل مهم لإقناعهم بما يحاول المعلم القيام به داخل الفصل وفي بعض الأحيان يكون الموجه ذو فكر مشابه لفكر المعلم، فيكون هو المهتم بتطبيق هذه النظرية بين معلمي مادته الدراسية، فيقدم كل الدعم والمساعدة للمعلم نفسه وهذا يضمن نجاح التجربة. وكما أشرنا، فإن تنوع طرائق التدريس يتطلب منح المعلم الكثير من الحرية في تخطيط عناصر المنهج، واختيار طرق واستراتيجيات التدريس و أساليب التقييم المتعددة، والموجه بمساعدة إدارة المدرسة هو الطريق الذى يسلكه المعلم لتمكينه من هذا بعيداً عن توزيع المنهج بالطريقة الجامدة التقليدية التي تعطى لجميع المعلمين.
- إعلام أولياء الأمور: من أبسط حقوق أولياء الأمور معرفة ما يحدث داخل الفصل في المدرسة. ففي العادة، يحكي التلاميذ لأولياء أمورهم ما يقومون به من أنشطة مع زملائهم داخل الفصل، ويتشجعون في وصف الأفعال غير التقليدية التي يقومون بها. وقد يتساءل أولياء الأمور عما يحدث والبعض الآخر قد يشجبه، لذلك يجب إشراكهم بدعوتهم لحضور لقاء تحضره أيضا قيادات المدرسة لشرح الفكرة ببساطة وسهولة ودون تفاصيل مع التأكيد على العائد من هذه التجربة على أبنائهم. وقد يرحب بزيارة بعضهم إلى الفصل لمعاينة ما يجري فعليا داخل الفصل ويلاحظوا تغير العملية التعليمية من مجرد الحفظ فقط إلى الاهتمام بالمناقشات والفهم، عندئذ يمكن كسب تأييدهم بل تكسب أيضاً مساعدتهم بمتابعة ما يطلب من التلاميذ من أنشطة فتتغير نظرتهم إلى عملية التعلم ليكونوا مشاركين فيها وداعمين لها.
- تأييد الزملاء في المدرسة: إن تأييد زملاء المعلم لما يقوم به من أنشطة هو هدف يجب تحقيقه بكل الوسائل، و إلا فهناك بيئة خصبة لتكوين جبهة مضادة للفكرة حيث إن كثيراً من أنشطة تنويع طرائق التدريس تتطلب تكامل بعض المواد الدراسية في المنهج معاً، وهنا يصبح التعاون مع الزملاء ومشاركتهم في تخطيط وتنفيذ هذه الأنشطة أمراً مهماً للغاية، وقد يتبادل المعلم الأدوار مع بعض الزملاء فيتعاونون فيما بينهم لإنجاح تجربة تنويع طرائق التدريس.
- المشاركة المجتمعية: في ظل المشاركة المجتمعية الهادفة لما يحدث داخل المدرسة، يجب أن تعمل المدرسة على نشر الوعي بنظرية تنويع طرائق التدريس و أهميتها من خلال لقاءات عامة أو من خلال شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل بمساعدة أولياء الأمر المتواجدين في مجلس الآباء والأمناء والمعلمين للمدرسة.
- تنويع أساليب التقييم: لا يعتبر التقييم في أساليب تنويع طرائق التدريس وسيلة لاكتشاف نقاط الضعف عند التلاميذ وتعرف مدى ما حققوه من أهداف فقط ولكنه وسيلة جيدة لإحداث تعلم أفضل لكل تلميذ في الفصل، بمعنى أنه ليس قياساً للتعلم ولكنه و سيلة لإحداث التعلم، ولذلك يشارك التلاميذ بإيجابية في عملية التقييم طوال الوقت ويؤدي ذلك إلى زيادة ثقة التلاميذ في أنفسهم، وينعكس هذا على أدائهم وتحصيلهم الدراسي.
- منح التلاميذ فرصة الاختيار: يتم التركيز على منح التلاميذ فرصة اختيار الطريقة التي يثبتون بها أنهم قد أتموا المهام المطلوبة منهم و أن كل منهم قد حقق الأهداف التي و ضعها بنفسه بمساعدة المعلم، يعني أنه قد يختار أن يجيب على اختبار به أسئلة مكتوبة تقيس مدى إتمام تحصيله، وقد يفضل أن يكون ذلك شفوياً أو يختار أن يعبر عن معرفته لمحتوى المقرر بكتابة مقال قصير أو مسرحية قصيرة أو رسم لوحة فنية فردية أو جماعية مع زملائه. فالمهم أن يثبت من خلال ما يختاره بنفسه من وسائل أنه قد حقق الأهداف المنشودة.
ويعد الهدف من تنويع طرائق التدريس داخل الفصول إتاحة المزيد من الفرص لكل فرد دون تمييز، ومنه سادت فكرة المدرسة الموحدة التي يندمج في فصولها كل التلاميذ دون تفرقة أو تمييز.
عندما و ضع “بلوم ” وزملاؤه تدرجاً للمستويات المعرفية للتفكير، فتح الباب أمام فكرة تنويع التدريس؛ ليتماشى مع مستويات المتعلمين المعرفية، وقدحدد “بلوم ” ستة مستويات للمعرفة تتدرج من العمليات البسيطة إلى الأكثر صعوبة على النحو التالي:
(التذكر – الفهم – التطبيق – التحليل – التركيب – التقييم)
في هذا الموضوع، اختلفت “كوثر كوجك ” مع تدرج بلوم في المرحلتين الأخيرتين من المستويات المعرفية، حيث رأت أن عملية التقييم أقل صعوبة من عملية التركيب، والتي هي بالضرورة عملية إبداع وخلق أشياء و أفكار جديدة، وكان تدرج المستويات المعرفية عند كوثر كوجك على النحو التالي:
(التذكر – الفهم – التطبيق – التحليل – التقييم – التركيب)
المراجع:
- أحمد حجي ( 2005): الإدارة المدرسية، دار النهضة المصرية، القاهرة.
- جابر عبد الحميد جابر ( 2003 ): الذكاءات المتعددة والفهم تنمية وتعميق، دار الفكر العربي، القاهرة.
- جابر عبد الحميد جابر: (2005) حجرة الدراسة الفارقة والبنائية، عالم الكتب، القاهرة.
- علي راشد (2006): إثراء بيئة التعلم، عالم الفكر العربي، القاهرة.
- كوثر حسين كوجك ( 2007 ): اتجاهات حديثة في المناهج وطرق التدريس، عالم الكتب، القاهرة.
- مدثر سليم أحمد (2003): الوضع الراهن في بحوث الذكاء،المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية.
أرى ان :
******
تقييم بلوم لمستويات المعرفة أوقع لسبب بسيط وهو من الذى يقيم الأبداع
أى أننى أرى:
**********
أن قمة هرم مستويات المعرفة هى التقييم وليس الابداع