في عصر أصبحت تقليدية التعليم فيه تأخراً عن ركب الحضارات التي تسعى دائما لتطوير نفسها، و في ظل سباق يتسارع فيه التكنولوجيون المهتمون بمجال التعليم نحو تحقيق النهوض والتقدم من خلال التكنولوجيا التعليمية، وأيضاً في ظل السعي للارتقاء بمستويات التعليم في الدول النامية بُغية الوصول إلى كوكب خال من الجهل والأمية، أصبحنا نجد أنفسنا أمام تحديات يضعنا فيها التقدم التكنولوجي يوما بعد يوم، بل وتزداد هذه التحديات صعوبة مع الوقت.
فطبيعتنا البشرية تجعل لكل فرد منا نمط حياة وطريقة وأسلوبا وشخصية وقدرات ومهارات وخلفيات ومعرفة سابقة، تختلف من شخص لآخر، ولعل هذه الفروقات كانت دائما بمثابة التحدي الأكبر أمام التكنولوجيا، و خاصة في مجال التعليم، وذلك بحثاً عما يُناسبها، وما يراعي تلك الاختلافات بين الأفراد أثناء عملية تعلمهم.
وبالنظر لكون النظم التقليدية في التعليم، وخاصة في الدول الأكثر أميةً وجهلاً غير قادرة على مراعاة تلك الفروق، و في ظل عالم يبحث عن المزيد من المعرفة، ولا يؤمن بوجود شخص جاهل على هذا الكوكب مهما كانت الصعوبات التى تواجه، بات من الضروري إيجاد حلول ناجعة. و من هذا المنطلق ظهر ما يسمى بالتعلم التكيفي، والذي يخلق بيئة من التعلم تتسم بالمرونة تجعلها قادرة على التكيف والتأقلم مع كل تلك الاختلافات بين الأفراد أثناء عملية تعلمهم، فتراعي الفروق الفردية بين المتعلمين سواء جوهرياً أو ظاهرياً، و هنا نتسأل:كيف سيكون عليه الطلاب عندما يُقدم لهم المحتوى بالطريقة التي تناسب و تلائم نمط وأسلوب تعلمهم؟ بالطبع سيحدث ذلك مزيداً من الإيجابية في التعليم، ومزيداً من الدافعية نحو التعلم، وبالتالي نجد أن إتمام الأهداف التعليمية يتم بشكل سريع وسلس، وبتوازن بين جميع الطلاب.
لذا دعونا نستعرض ماذا يعني التعلم التكيفي ، وما الذي يتكيف في العملية التعليمية؟ وما هي الطبيعة التي سوف تُقدم من خلالها النظم التكيفية المحتويات التعليمية؟ وكيف يحدث تسريع التعلم من خلال ذلك؟
1- مفهوم التعلم التكيفي
لعل أبسط تعريفات التعلم التكيفي وأشملها هو الآتي:
يُعرف التعلم التكيفي إجرائياً، بأنه أحد أساليب التعلم التي يُقدم فيها التعلم وفقا لأنماط وأساليب وخصائص المتعلمين المختلفة، وفقا لطريقة تعلم كل متعلم، سواء أكانت طريقة تقليدية أو إلكترونية، وذلك بمراعاة الفروق الفردية،
ويحدث هذا التكيف للبيئة التعليمية والمحتوى وطريقة عرضه والطالب والمعلم بشكل كمي وكيفي (تامر الملاح).
التعلم التكيفي نظام تعليمي قائم على الكمبيوتر أو عبر الويب، والذي يعدل تقديم المواد وفقا لأداء و استجابة المتعلم أثناء عملية التعلم.
كما يُعرف أيضا على أنه إحدى الطرق التعليمية الحديثة التي نشأت بهدف إيجاد بيئة تعليمية متميزة تواكب احتياجات كل طالب على حدة، احتياجات يتم تحديدها بعد الإجابة على مجموعة من الأسئلة والمهام تُجرى بهدف تحديد مستوى الطلاب في كل قسم من أقسام المعرفة، للوصول إلى تكييف بيئة التعلم وفقاً لاختلاف أنماط التعلم لديهم(د. طارق عبد المنعم حجازي).
2- مزايا وأهداف التعلم التكيفي
التعلم التكيفي لديه القدرة على:
– التعامل مع نوعيات كثيرة من الطلاب باختلاف أنماط وأساليب تعلمهم.
– مساعدة الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
– تلبية احتياجات الطلاب المتفوقين والموهوبين وكذلك ذوي صعوبات التعلم.
– تقديم المحتوى التعليمي بطرق تدريس ذكية.
– أكثر قدرة على التأقلم بشكل سريع مع البيئات التعليمية المحيطة والمختلفة.
– توفير الكثير من الوقت سواء في تحديد هوية نمط تعلم المتعلم، أو في عملية استيعاب المتعلم للمحتوى.
– التقليل من معدلات الرسوب والتسرب في العملية التعليمية.
– القدرة على تحقيق أفضل النتائج بمقارنته بغيره من النظم التعليمية الأخرى.
– أكثر قدرة على تقديم المساعدات للطلاب.
ويتميز كذلك بالآتي:
– يجعل المتعلم مركزاً ومحوراً للعملية التعليمية.
– يحقق مبدأ تخصيص التعليم “التعلم الشخصي والذاتي”.
– يقدم للمتعلم ما يناسبه وما يحتاج إليه فقط.
– ينمي ثقة المتعلمين بأنفسهم وقدراتهم، وذلك بتقديم المحتوى بالطريقة التي تناسب كل متعلم على حدة.
– يجعل عملية التوجيه والإرشاد من قبل المعلم أكثر نجاعة، لأن دوره سيصبح تقديم الإرشاد لكل متعلم على حدة وفقاً لما يحتاج إليه، وليس مجرد تقديم توجيه ودعم لجميع الطلاب كأنهم طالب واحد.
– يساعد على جعل المحتوى العلمي ديناميكيا وتفاعليا، تستخدم فيه جميع الوسائط لتحقيق كافة احتياجات الطلاب.
– يجعل بيئات التعلم الإلكترونية أكثر ذكاء، لأنها ستصبح قادرة على فهم أساليب وأنماط المتعلمين.
ما الذي يتكيف في العملية التعليمية؟
ما يتكيف في العملية التعليمية هو المحتوى التعليمي، حيث يتم إعداده بطرق مختلفة تتناسب مع اختلافات أنماط وأساليب تعلم المتعلمين، وبالتالي تكييف طريقة عرض المحتوى، فيعرض نفس المحتوى على طالبين بطريقتين مختلفتين، فيعرض مثلا بطريقة صوتية وسمعية للطالب صاحب الأسلوب السمعي، وبطريقة مرئية مصورة للطالب صاحب الأسلوب البصري.
طبيعة بيئات التعلم التكيفية
يمكن تعريفها إجرائياً بأنها: بيئات تعلم تقوم بتخصيص العملية التعليمية من خلال إعادة تعديل وتغيير عرض المحتوى بداخلها وفقاً لأسلوب ونمط كل متعلم، فهي بيئات تقوم على اختبار المتعلم أولاً لمعرفة نمط تعلمه، ومن ثم تقدم له المحتوى الذي يناسب أسلوب تعلمه من خلال تقنيات ومحسات عالية التقنية، والتي يمكنها أن تتبع المتعلم وخطوات تعلمه لتكوين أكبر قدر من البيانات عنه.
فبيئات التعلم التكيفية الذكية قادرة على تغيير نفسها وشكلها وفقاً لما يقدمه المتعلم لها من بيانات وما تستنتجه تلك البيئات من معرفة سابقة حول المتعلم وطريقة تعلمه، مما يجعلها قادرة على تحقيق أفضل النتائج.
فالتكيف يحدث في طريقة تقديم المحتوى للمتعلم، فإذا قام عشر طلاب بالدراسة من خلال بيئة تعلم تكيفية لمحتوى واحد ولكل طالب منهم نمط مختلف سوف تقوم بيئة التعلم بتقديم نفس المحتوى ولكن بعشر طرق مختلفة لعرضه.
الطريق إلى تسريع التعلم
نجد أن نجاح أي منظومة أو نظام بشري أو إلكتروني يأتي من توافق عناصره ومكوناته مع بعضها البعض، حيث أن تروس النظام تعمل بحركة فردية وفي نفس الوقت تتوافق مع الحركة الجماعية للنظام ككل، وبالتالي تجد المنتج النهائي يتسم بالجودة، ويتم إنتاجه بسرعه نظراً لقلة الهدر من حيث الوقت وطبيعة العمل داخل النظام.
و هكذا و في سياق التعلم التكيفي يمكن أن نحقق أيضا عملية تسريع التعلم أو ما يسمى “التعلم السريع”، فطالما توافقت كل عناصر المنظومة التعليمية مع بعضها البعض لا بديل وقتها عن حدوث عملية التعلم بشكل سريع ودون وجود أي عقبات أمام المعلم أو المتعلم، لأن المتعلم بكل بساطة يجد في بيئة التعلم التكيفية ما يناسبه وما يرغب فيه و منه ما يحقق ميوله وينمي اتجاهاته.
ولمزيد من المعلومات يمكن الإطلاع على كتاب التعلم التكيفي لـ تامر المغاورى الملاح، الذي سيصدر قريباً عن دار السحاب للنشر والتوزيع بالقاهرة، مصر، لعام 2017.
مقال مفيد، أفكار تحتاج لتظافر الجهود لتطبيقها ، شكرا لكم…
أشكر حضرتك على حسن المتابعة.
مقال هادف وتنفيذه يحتاج الى بنية تحتية قوية وامكانيات معتبرة
بالطبع.
مقال مهم ونافع.. نريد كتربويين أن نرى جميع الطلبة متقنين لما يجب أن يتعلموه بطريقة فردية تراعي احتياجات كل منهم.. فكيف نصل إلى ذلك؟ نعم نحتاج إلى التطبيق العملي للأفكار الواردة في المقال. أتمنى أن نبقى على تواصل أخي أ.تامر فلدينا الإمكانات لذلك.
abusamak@yahoo.com
يشرفنى ويسعدنى د. أحمد فيمكنك التواصل معى بسهولة من خلال الفيس بوك.
أشكركم على مقالكم هذا،أنا أم لدي بنت عمرها 7 سنوات (في شهر فيفري تتمها) ترفض الدراسة والمراجعة متمرّدة،لا تُحسن القراءة تتعرف غلى الحروف لكن مثلا تخلط ما بين “ب ون”، “ت وي”، “ح وخ وج”..تهجي في قرائتها للنصوص. ترفض الحفظ لبعض الخلاصات أو السور إذا قامت بالحفظ وبالتكرار مرارا يكون ذلك بعد عناء وبعب كبير مني ومنها.نفس الشيءبالنسبة للمواد الأخرى و حتى الرياضيات على الرغم من أنّني ألاحظ أنّها أكثر ميلا للمادة….غير أنّه حاليا ترفض القيام بأي مجهود وأنا جد حائرة في أمرها حتى أصبحت أفقد أعصابي معها و أصبحت أنفر من تدريسها….,؟اعتمادا على خبرتكم ماهي الطريقة التي بإمكانكم أن تقترحونها عليا لأتمكن من التواصل معها لتدريسها..؟؟ جزاكم الله خيرا أنتظر جوابكم الشافي.
merci pour votre article
هل توجد مواقع أمكن المعلم من تطبيق فكره التعليم التكيفي
اي متصه اوفر أمكانيه إعداد المحتوى التعليمي
موضوع رائع وأنا ارغب في الحصول على الكتاب لزيادة التعرف على هذا الموضوع