يتطلب الانخراط في اقتصاد المعرفة و اللحاق بالدول المتقدمة معرفيا و اقتصاديا توسيع العرض التعليمي و تجويده في جميع مستوياته. لكن هذه الغاية النبيلة غالبا ما تصطدم بعائق الاستثمارات الضخمة التي تتطلبها مشاريع توسعة و تعميم العرض التعليمي، و ما يتطلبه ذلك من موارد بشرية و مالية مهمة، خصوصا في الدول النامية و السائرة في طريق النمو. هذه الحقيقة جعلت الجامعات العالمية و المؤسسات الدولية المهتمة بالتعليم، مثل جامعة كارنجي و معهد مساتشوستس و ميلون و هارفرد و بيركلي و كيو اليابانية وباريس التقنية و كيب الغربية في جنوب إفريقيا… إضافة إلى كثير من الدول في العالم، تتبنى ما يسمى ب: الموارد التعليمية المفتوحة Open educational resources. فماذا يعني إذن هذا المصطلح؟ و ماهي أهم مميزات و تحديات هذه الموارد و التي جعلت أعرق الجامعات و المؤسسات التعليمية الدولية تنخرط في مشروعها؟
1- ما هي الموارد التعليمية المفتوحة OER ؟
أ- تعريف
الموارد التعليمية المفتوحة Open Educational Resources عبارة عن موارد تدريس و تعليم وبحث متوفرة للجميع كملك عام مشترك أو كمشاع، أو تم إصدارها باستخدام رخصة ملكية فكرية معينة، تسمح بتوزيع وتعديل هذه الموارد والتعاون مع الآخرين لإعادة استخدامها و لو لأهداف تجارية.
تشمل موارد التعليم المفتوحة العديد من المواد مثل الكتب الدراسية المجانية و المواد التعليمية و المحاضرات الصوتية و المرئية و الاختبارات و برامج الحاسوب و العديد من الأدوات أو التقنيات الأخرى التي تستخدم في نقل المعرفة ولها تأثير واضح على أساليب التدريس والتعليم وتكون متوفرة للاستخدام مجانا.
إن موارد التعليم المفتوحة ليست فقط مواد تعليمية مجانية بَل هي عملية أساسية مفتوحة، و خلاقة و تعاونية أيضا و التي ستُمكن من التطور السريع والمستمر في جودة التعليم والتدريس.
إن موارد التعليم المفتوحة في تطور مستمر، حيث يتم دعمها بازدياد من قبل مجتمع تعليمي نشيط يشمل العديد من أفضل وأشهر أساتذة الجامعات العالمية. هذا الدعم الذي تحظى به موارد التعليم المفتوحة يجعلها ترتقي من حيث الجودة والتنوع.
ب- النشأة و التطور
في عام 2001، و في سابقة من نوعها، قام معهد مساتشوستس بمشاركة جميع مناهجه الدراسية مجانا على شبكة الإنترنت، وقد اعتبر هذا الإجراء عملا رائدا في تاريخ المعرفة الإنسانية. و يضم موقع المعهد حاليا أكثر من 2000 مقرر تعليمي على مستوى البكالوريوس والماجستير بما فيها الخطط الدراسية والمحاضرات النصية والمرئية والمراجع ووسائل التقييم وغيرها. ويقوم بزيارة الموقع أكثر من مليون زائر شهريا من جميع أنحاء العالم.
في عام 2002، تمت صياغة عبارة” الموارد التعليمية المفتوحة Open Educational Resources”، و ذلك خلال منتدى اليونسكو حول أثر “المناهج الدراسية المفتوحة Open Courseware OCW على التعليم العالي في الدول النامية. والذي انعقد للنظر في إمكانية استفادة الدول النامية من مبادرة معهد ماساشوستس بطرح مقرراته و مناهجه الدراسية على شبكة الانترنت. و قد تم تعريف “الموارد التعليمية المفتوحة” على أنها المواد الرقمية المتوفرة مجانا على شبكة الإنترنت، للمربيين والطلبة لاستخدامها في العملية التعليمية-التعلمية، إضافة إلى أغراض البحث العلمي العالي.
في عام 2004 قامت اليونسكو في منتداها الثاني بتوسيع مفهوم “الموارد التعليمية المفتوحة”، ليشمل ثلاثة جوانب مهمة في العملية التعليمية و هي:
-
المحتوى التعليمي: مثل مواد المنهج الدراسي، وخطط الدروس، والكتب الدراسية، والمقالات وغيرها والتي تدعم التعليم و التعلم
-
الأدوات: مثل البرامج التي تساعد في إنتاج واستخدام المحتوى التعليمي إلى جانب التقنيات المفتوحة التي تسهل التعلم التعاوني المرن والمشاركة المفتوحة لممارسات التدريس والتي تمكن المعلمين من الاستفادة من أفضل أفكار زملائهم ومصادرهم التعليمية وإعادة استخدامها.
-
الموارد التنفيذية: وهي الموارد اللازمة لضمان جودة التعليم والممارسات التعليمية وترخيص الموارد التعليمية.
لم تكن اليونيسكو وحدها من تبنت و رعت فكرة الموارد التعليمية المفتوحة، فقد تلت مبادرتها عدة إعلانات و توجيهات في نفس السياق، كإعلان كيب تاون لعام 2007 بشأن التعليم المفتوح، وإعلان داكار لعام 2009 بشأن الموارد التعليمية المفتوحة، و كومنولث التعلّم لعام 2011، ومبادئ اليونيسكو التوجيهية المتعلقة بالموارد التعليمية المفتوحة في التعليم العالي؛ ثم أخيرا إعلان باريس لعام 2012 بشأن الموارد التعليمية المفتوحة و الصادر على إثر أشغال المؤتمر العالمي للموارد التعليمية المفتوحة لعام 2012، المنظم من طرف اليونيسكو، و المنعقد بباريس ما بين 20 و 22 يونيو 2012 و الذي تبلورت عنه عدة توصيات موجهة للدول نلخصها في النقاط التالية:
-
تدعيم الوعي بأهمية الموارد التعليمية المفتوحة و استخداماتها.
-
توفير بيئة مواتية لتوظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصالات.
-
تعزيز إعداد الاستراتيجيات والسياسات الخاصة بالموارد التعليمية المفتوحة.
-
النهوض بفهم واستخدام الإطار القانوني لعملية الترخيص المفتوح.
-
دعم بناء القدرات من أجل التنمية المستدامة لمواد التعلّم الجيدة.
-
تدعيم التحالفات الاستراتيجية من أجل الموارد التعليمية المفتوحة.
-
تشجيع إعداد الموارد التعليمية المفتوحة ونقلها إلى مختلف اللغات والسياقات الثقافية.
-
تشجيع البحث في مجال الموارد التعليمية المفتوحة.
-
تيسير العثور على الموارد التعليمية المفتوحة والحصول عليها وتبادلها.
-
تشجيع عملية الترخيص المفتوح للمواد التعليمية التي أنتجت باستخدام الأموال العامة.
2- مميزات الموارد التعليمية المفتوحة
تتمتع الموارد التعليمية المفتوحة بمميزات كبيرة مما يجعلها قادرة على تطوير سيرورة التعلم. وتكمن قيمتها التعليمية في سهولة استخدامها عندما يتم رقمنتها. وتتميز الموارد التعليمية المفتوحة عن الموارد التعليمية الأخرى بخضوعها لنظام ترخيص وحماية ملكية، مما يسهل استخدامها وتكييفها دون الإذن من المؤلف صاحب حق الملكية. و عموما يمكن إجمال المميزات التي تتمتع بها الموارد التعليمية المفتوحة في النقاط التالية:
-
تعميم الوصول إلى المعرفة باستخدام مجموعة متنوعة من الأشكال الرقمية، و الوسائط المتعددة.
-
إشراك الطلاب في المحتوى الدراسي.
-
تحديث دائم للمعلومات و المناهج لتتوافق مع التطورات العلمية و الأكاديمية.
-
الاستفادة من الموارد التعليمية المقدمة من المؤسسات ذات السمعة العالمية، و التي أنتجت من قبل خبراء العالم المشهورين في مختلف المجالات.
-
تنويع و إثراء المصادر، وخلق فرص أكبر للتحليل المقارن و النقاش والحوار.
-
توفير الوقت والمال نظرا لانعدام تكاليف الوصول و التطوير، لأن المواد عادة تكون جاهزة للاستخدام الفوري.
-
تبسيط ترخيص الموارد للمؤلفين و المدرسين.
-
دعم التعليم المفتوح كحركة و مجال.
-
دعم و تسهيل التكوين المستمر لما له من دور في الحياة المهنية و الشخصية.
-
الاستفادة من التنوع الثقافي و المعرفي لخدمة أهداف التعليم.
3- التحديات و القيود
رغم الإمكانات و الحلول التي تقدمها الموارد التعليمية المفتوحة، فمازالت أمامها تحديات و إشكالات تقتضي فتح حوار بشأنها، بغية الوصول إلى حلول و توافقات، ليستفيد الجميع على قدم المساواة من المعرفة الإنسانية. هذه التحديات و القيود نلخصها في ما يلي:
-
الاستمرارية: سواء كانت من جهة المزودين بالموارد التعليمية المفتوحة، أو كذلك من جهة المتلقي أو المستهلك.
-
ضمان الجودة: إذا كان أي شخص يمكن أن ينشئ و يعدل و ينشر الموارد التعليمية المفتوحة، فإن سؤال الجودة يبقى مشروعا.
-
حقوق التأليف والنشر: تخلق حقوق الملكية الفكرية إشكالا حقيقيا، وقد يؤدي احترامها إلى جعل تكلفة الموارد فوق طاقة المستهلك. و من جهة أخرى، فقد يؤدي تخوف المؤلفين من ضياع حقوقهم إلى الإحجام عن نشر مواردهم على الويب.
-
الإتاحة و قابلية التبادل: إن قابلية تبادل الموارد التعليمية المفتوحة بين أنظمة تعليمية مختلفة يطرح إشكالية المعيرة standardisation، و التي يمكن تجاوزها باعتماد معايير قياسية مفتوحة تخفف من هذا الاختلاف.
-
الهيمنة الثقافية والعولمة: حيث يتم إنتاج الموارد التعليمية المفتوحة في المقام الأول من قبل المؤسسات التعليمية التابعة للأنظمة الاقتصادية الصناعية العالمية، مما يزيد من مخاطر الاستلاب الثقافي، ومخاطر العولمة.
-
التمويل: يتطلب مشروع الموارد التعليمية المفتوحة موارد مالية مهمة، لا يمكن توفيرها إلا بمساهمة الدول و المنظمات الدولية التي تعنى بالثقافة و التعليم.
-
قابلية الوصول: الموارد التعليمية المفتوحة مهما كانت جودتها و أهميتها العلمية، فإنها تفقد قيمتها إذا لم يستطع المستفيد الوصول إليها.
تحدثنا في هذا المقال عن الموارد التعليمية المفتوحة، تعريفها، مميزاتها و التحديات التي تواجهها، و في مقال قادم إن شاء الله سنحاول أن نعرفكم على أفضل الأدوات التعليمية ذات العلاقة بهذا الموضوع.
بارك الله فيكم وزادكم علما..ارجو افادتى انا اعلم اللغة العربية للاجانب ومنهم اطفال عن بعد ﻷنهم فى دول اخرى اريد برنامج سهل يتيح لى تصميم دروسي وارسالها لهم على الايميل ويكون باستطاعتهم ان يسمعوا اصوات الحروف والكلمات بالضغط عليها وكذلك حل الاسئلة وتصحيحها ذاتيا ..شكرا لكم